“عشتُ بلا جسد لمدة سنوات، ولم أبرأ من الصدمة”… مغربيات تعرّضن لمُحاولات اغتِصاب 1 - Marayana - مرايانا
×
×

“عشتُ بلا جسد لمدة سنوات، ولم أبرأ من الصدمة”… مغربيات تعرّضن لمُحاولات اغتِصاب 1\2

هل تساءلنا من قبل كيف تتدمّر البنية النفسية للمرأة بعد أية حادثة عنف أو اعتداء جنسي أو محاولة اغتصاب؟
مرايانا في هذا الملف تحاول الإجابة عن هذا السؤال…

ملامحهنّ جميعاً تشِي بنُدوب غائرة لا يعلم أثرها إلاّ هنّ. مغربيات ظلمتهنّ الذكوريّة والكُبت، وتعرضن لمحاولات اغتصاب… بكلّ ما تحملهُ المحاولة من عنف. هؤلاء النساء يحكين لمرايانا قصصهنّ التي لطَالما تحفّظن عليها، لأنّ النّبش فيها ظلّ على الدّوام عنواناً لوَجعٍ وذكريات قاسيّة، يتمنّين تخطّيها.

أربعةُ نساء: مريم من أزرو وصفاء من فاس ومروة من مكناس وهدى من الرباط[1]. بأعمار متباينة، لكنّ قصصهنّ متشابهة. تتحدّثن لمرايانا بإسهابٍ عن مشهد وحيد، يصفنَه كُليةً بالمقرف. مشهد وحيد رفضَ أن يغادرهنّ رغم مرور سنوات طويلة على بعض التّجارب. مشهد وحيد ومُرعب، يحضُر معهنّ في الشّارع والمدرسة وفضاءات العمل، وحتى أكثر الأماكن أمانًا على الإطلاق: البَيت!

لكن… حين نروي حكايتهنّ، فنحن نؤكد أنها ليست مجرد حكايات معزولة ومتفرقة. الاعتداءات الجنسيّة واقع يطال الآلاف من النّساء في صمت. بسبب الخوف وبسبب التّنشئة الاجتماعية وبسبب ثقافة مجتمعية تسقط اللّوم على الضّحايا في العديد من الحالات، لا يفضحن المعتدي.

حين نروي حكايتهنّ، فنحن نسلط الضوء على جزء صغير من واقع موجع يرفض الكثيرون الاعتراف به… أو، وهذا الأفظع، يجعلون ضحاياه فيه… متّهمات!

مريم: اعتداء يدفن الجسد لسنوات

التقت مرايانا مريم، 20 سنة، من أزرو، بمدينة مكناس. بمرارة شديدة تستحضر مريم ما حدثَ، وتقول: كانَت مُحاولة اغتِصاب بشعة، كنتُ أبلغ من العمر 13 سنة، وكنتُ أدرس في الإعداديّ.

كانَت الساعة تشير إلى السّاعة الثّانية بعد الزّوال، وكنت أقفُ وسط الإعدادية مع “الجاني”، ونظَراته الغريبة مشدودة صوبي. طلب مني أن نتمشى صوب ملعب الاعدادية، فاكتشفْت أنّ المكان خالٍ. لم تدُر في ذهني أيّة شكُوك حينها.

ثمّ تضيف: فجأة، جرّني إليه بعُنف من محفظتي، وأحكَم قبضته عليّ من الخَلف، نظراً لبنيته الضّخمة، فهُو كانَ حينها أكبر حجماً وسنًّا منّي. أمسك وجهي بقوة وحاول تصويب شفاهه نحو فمّي…قاومت وهو يمسكُ ثدييّ ويحاول نزع ملابسي العلويّة ليدخل يده للدّاخل.

“بدأتُ أصرُخ ولم يسمَعني أحدٌ، تجمدت أطرافي رهبةً، لعِلمي أنّه لا مفرّ منهُ وأن لا أحد سينتبه لما يحدث. كأنّه درسَ الفضاء في وقت سابق وعرفَ أنه آمن بالنّسبة له. حاولَ أن يفكّ زرّ سِروالي، وبدأت أقاومُ بشدّة، حتى ابتعد لوحده. لم أستطع التحرّك من المكان بفعل الصّدمة وقلبي يرتجف خوفا ورعبا”، تقول مريم مضيفة: اكتشفتُ أنّه توقّف لأنه شاهَد الحارس العام بالأرجاء. ولست أدري هل شاهد ذلك الحارس العام شيئا أم لا، لكني لم أستطع حتى التفوه بكلمة، ثم مرّ بالقرب منا وكأن لا شيء أثار انتباهه. لم يسألنا لماذا نحن منعزلان في ذلك المكان، ولماذا تبدو عليّ علامات الغضب والخوف والشابّ يحاول تهدئتي، رغم أنه كان من بين أكثر الأطر الإداريّة صرامةً. أحسستُ كأن الجميع متواطئ. هذا طبعًا ليس حقيقيًّا، لكنه إحساس انتابني بين الأحاسيس المختلطة وقتها.

تستطردُ مريم: دخلتُ إلى الفَصل وظللتُ صامتةً. لم أستَطع التّفوّه بكلمة طيلةَ الحصّة، تدمّر كلّ تركِيزي حينها. عندما انتهت الحصّة الأولى، ذهبتُ للبَيت، وتغيّبت عن الحِصص الأخرى. بقيتُ خائفةً ولم تسعفني قدمَاي على المشْي، لم أستَطع حتى اليوم إخبَار أمّي أو أيّ أحد بالبَيت بمَا حدثَ. أصبَح القلقُ مُلازماً لي طيلَة تلكَ الفتْرة.

تجملُ مريم حكايتها بمرارة: كنتُ أحاولُ أن أنسى ما حدثَ، لكنّي، لمدة طويلة جدا، بقيت مسجونة في ذلك الحادث، وأسترجع كل ذلك القُبح بمجرد رؤية الشخص الذي اعتدى علي. إلى اليوم، لا أستطِيع البقاءَ مع الذّكور في مَكان خالٍ لوحدِنا. لم أستطع الارتباط بأي شابّ إلا بعد مرور ستّ سنوات تقريباً على الواقعة، وحين ارتبطت، كنتُ أنا التي طالبتُ شريكي بأن يفتضّ بكارتي وأن يُنهي عذريتي رغم أنه، في المخيال العام، المبادرة تأتي من الذكر؛ فهل الأمر متصل بالعلاقة الغريبة التي عشتُ مع جسدي بعد محاولة الاغتصاب تلك؟ لا أعرف صراحةً، وفي نفس الوقتِ… لا أستبعدُ ذلك!”

تعرضُ مرايانا هذه القصّة على أخصائيين نفسانيين لفهم السّياقات النّفسية المتحكمة في هذه الحكاية.

الأخصائي في علم النفس، محْسن بنزاكُور، في تواصله مع مرايانا، لا يجدُ رابطاً نفسيًّا مباشراً بين مُحاولة الاغتصاب وقرارها بإنهاء عذريتها.

يعتبرُ بنزاكور هذه الخُطوة في حدّ ذاتها، دليلاً على أن مريم تجاوزتْ تلك المرحلة. لقد عاشت علاقة جنسية طبيعية رضائية، لا تبدو فيها أية مؤشّرات خارجية ممكنة، على غرار مآلات محاولة الاغتصاب تلك.

يبدو للمتحدّث أنّ مريم في هذا السياق “تُكرّس خطاب المظلومية ولعب دور الضّحية، لكونِها تحتاج إلى البحث عن تسويغات غريبة لقرارها في افتِضاض بكارتها وتلبية رغبَتها الجنسية بشكْل متوازن”.

على نقيض بنزاكور، ترى الطبيبة النّفسانيّة غزلان زياد، أنّ قرار مريم بإنهاء عذريتها يرتبط، فعلاً، بالاعتداء الجنسي الذي تعرضت له. إنها طريقة لاستعادة السيادة على جسدها (الذي سُرق منها لمدة 6 سنوات). إنه احتجاج، كأن مريم تقول: “إن جسدي ملكي، أنا من يقرر ما يجب فعله به، حتى لو كان ذلك مخالفاً للمعايير الاجتماعية”.

بالنسبة لمريم، ربّما كانت هذه طريقة لاستعادة الشّعور بالسّيطرة على حميميّتها: “لن يأخذوا غشاء بكارتي. أنا من يقرر متى يمكن التخلي عنها ومع من”، وهي خطوة تصبّ في اتجاه التعافي النفسي من محاولة الاغتصاب.

تقول غزلان زياد إنّه لا شكّ في أنّ استعادة الجسد، تعدّ خطوة مهمّة في إعادة البناء بعد الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي. في كثير من الأحيان، تستعيد الضحايا أجسادهنّ من خلال عمليات تشويه الذات، عبر وضع جروح في الفخذين أو في الذراعين. إنها طريقة لجعل الجرح النفسي وغير المرئي مرئيًّا. وهي، أيضًا، طريقة لإخراج الألم النّفسي إلى الجسد الخارجي الواضح للعين. هذا يهدئ الضّحية، لأن الألم لم يعد يتردّد في في الجسد بكامله، وإنما يتمّ حصرُه في أماكن معزولة… ودقيقة!

صفاء: أو الانتحارُ “قدراً”؟

تواصلت مرايانا مع صفاء، 18 سنة، وهي ضحية اعتداء جنسي أيضاً. تقول صفاء: كان أكبر مني سنًّا، لكنّي كنتُ أحبّه. كنتُ أدرسُ في الأولى باكَالوريا، وعمري كان يبلغ 16 سنة وقتها. كنّا نراجعُ الدّروس كلّ مرّة في منزل أحدِ أصدقَائنا ذكوراً وإناثاً. تلكَ المرّة، وقَع اختيارُنا على منزلٍ صديقٍ له، وذهبنَا. وجدتُ أنّ المنزل يتكوّن من ثلاثة طوابق. بدأنا المُراجعة بشكل عاديّ تماماً كالمعتاد. الأستاذ الذي يراجع معنا الدروس كان في حاجة إلى أقلام، فكلّفني زميلنا (صاحب البيت) بإحضارها من الطّابق السّفلي، ودلّني بتدقِيق على المكَان. واضحٌ أنّه كان مخطّطا للأمر من طَرفهِما.

تتابع صفاء: نزلتُ الدّرج فأحسستُ أحداً يلاحقُني، ووجدتُ أنه الشّاب الذي كنت معهُ في علاقَة حينها. أمسك يدي بهدوء وجرني إلى غُرفة هناك، ثمّ أطفأ الضوء وأمسكني بقوّة وبدأ بتقبيلي. لم يكن ذلك برضاي إطلاقاً، لكنّه أحكَم قبضتهُ عليّ بعنف وأنا كجثّة جامِدة لا أستطيعُ قولَ شيء سِوى رجاؤُه لكي يتوقّف. كان صامتًا ومستمرًّا في ما يقومُ به وأنا أرتعدُ وأبكِي. نزعَ عني ثيابي العُلوية غصباً وبدأ يداعب ثدييّ. كان حريصاً أن يحكُم سيطَرته عليّ لحظتها. بدأتُ أفقد الوعي وكاد يغمى عليّ، ثمّ حاول اقتناصَ الفُرصة لكي ينزع سروالي. حاولتُ أن أقَاوم مجدّداً وبدُون جدوى.

تتوقّف صفاء لوهلة ثمّ تستطرد: ما جعلني أفلتُ، أنه قبل أن يبدأ في اغتصابي… رنّ هاتفي، وبسرعة أجبتُ. كانت والدتي على الخطّ، فطلبت منها أن تأتي فوراً لتأخذني إلى البيت، وطلبت منها أن لا تنهي الاتصال حتى تصل. أدرك أن مخططه باء بالفشل، وانتقل إلى تدميري معنويًّا قائلا بأنني “عاهرة” وأنّ ذلك كلّ ما أستحقه. بل أكثر من ذلك، انني أستحقّ الموت. عدت إلى البيت وطلبت منه شروحا لما حاول فعله بدون موافقتي؛ فردّ في رسالة نصية: “قلت ليك بحالك خاصهم يموتو”، وذهبت مباشرة إلى المكان الذي نضع به الأدوية في البيت…

شربتُ كل الأدوية لكي أنتحر. سقطتُ أرضاً، وأخذوني إلى المستشفى. ومع ذلك، لم أقل لهم ما حدث. منذ ذلك الحين، أخافُ الأماكن المظلمة.

يعلّق محسن بنزاكُور معتبراً أنّ تفكير صفاء بالانتحارِ يدلّ على عدَم تحمّلها “للحگرة” والاعتِداء. الحادثُ جعلها تحسّ أنها تدنّستْ وغدتْ متّسخة واستُبيحت حميميّتها وكرامَتها بعنف. أحسّت أنها لا تستحقّ أن تستمرّ في الحياة. أصبحت بعد تلك المحاولة تدور في حلقة مُفرغة تتكرّر فيها نفس الصّورة البشعة. بينما كانت تحتاج إلى وقف تلك الصّور، فلم تجد بدًّا من الانتِحار. كما أن هذا الانتحار تؤثر فيه التصورات المجتمعية التي تعيقُ أيّة إمكانيّة للذهاب نحو إنصاف الضّحية.

من جهتها، ترى غزلان زياد أنّ ذلك كان اغتصاباً؛ وعندما يتم اغتصاب الضحية، فعمليًّا يتمّ سلبها جسدها. لنلاحِظ أن جسد صفاء لم يعد ملكًا لها في تلك اللّحظة. لقد تصرّف فيه الجاني كما شَاء من أجل نشوته ونزواته.

هناك أمور مرعبة، تضيف المتحدثة، حول انتهاك الجسد بشكل غير رضائيّ. إنّه عنيفٌ لدرجة أن الضّحية تشعر أنها على شفير الموت حرفيًّا في تلك اللّحظة. الدّماغ يكونُ في حالة صدمة قويّة، والوجدانُ في حالة قلق شديد وقتها. صفاء لم تكن تستوعب ما كان يحدث وقتئذٍ.

حين نجت وعادت إلى بيتها، استولى عليها القلقُ والخوفُ، فوجدت أنّ الحلّ الوحيد، للحدّ من حجم ذلك الضّرر النفسي، هو الانفصال عن هذا الواقع الذي لم يعد يطاق في نظرها. هذه المرحلة تسمى بالانفصال، لكون الضحية تنفصلُ عن جسدهَا وجدانيًّا. يفسّر هذا معَاناة عدد قليل من الإناث أثناء الاغتصَاب جسديًّا، لأنهنّ يركزن على ضرورة البقاء على قيد الحياة.

أيضاً، في حالات كثيرة من الاغتصاب (والاغتصاب، للإشارة، لا يعني فقط افتضاض البكارة كما أنه لا ينحصر في العلاقة الجنسية بالإيلاج. كل علاقة جنسية غير رضائية هي بالضرورة اغتصاب)، يكون لدى الضّحية، بالفعل، انطباع بأنها “ميتة لحظيًّا”. لذلك، نستطيع أن نفهم لماذا تفاعلت صفاء مع قول مغتصبها بأنها تستحقّ الموت، لأنها صدّقت قوله. فهو الذي “استولى” على جسَدها، وعمل على تدنيسها وجعلها تشعرُ أنها ليسَت لديها أيّة قيمة، فارتكنت للانتحارِ كنتيجَة منطقيّة.

… في الجزء الثاني، تتابع مرايانا نقلها لحكايات اغتصاب أخرى… لا تقلّ وجعا!

[1]– تم اعتماد أسماء مستعارة لحماية خصوصية الضّحايا.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

  1. Hamid

    c pas bien

  2. ABDOIU

    WAW

  3. mina

    thanks

  4. Aziz

    C pa bien

  5. salwa

    ni

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *