معركة بوگافر: قبائل آيت عطّا التي… مرّغت كرامَة فرنسا في التراب! 1 - Marayana - مرايانا
×
×

معركة بوگافر: قبائل آيت عطّا التي… مرّغت كرامَة فرنسا في التراب! 1\2

ما هي تفاصيل معركة بوگافر التي جرت بين قبائل آيت عطّا الأمازيغية والاستعمار الفرنسي؟ ومن هو زعيم المعركة عن الطرف المغربي: عسو أوبسلام؟ وكيف تمّ إذلال فرنسا في هذه المعركة؟

غداة تمكّن الاستعمار الفرنسي من إخضاع جل مناطق التراب المغربي، بعد توقيع عقد الحماية إلى حدود سنة 1933، لم تجد القوات الاستعمارية الفرنسية فرض سيطرتها على سكان الجنوب الشّرقي، خطوة يسيرة؛ خاصة منطقة صاغرو، التي تتمركز بها قبائل آيت عطا الأمازيغية، غير الخاضعة لسلطة الاحتلال الفرنسي وقتها.

كانت معركة بوگافر/بوغافر هي العنوان الأبرز لمحاولات تطويع صاغرو، في فبراير ومارس من عام 1933. قهرت المقاومة المغربية، المتحصّنة في أعالي الجبل، الوجود الفرنسي… دفعته ليركنُ إلى العمل السياسي والحوار مع عسو أوبسلام، قائد المقاومة العطّاوية، لكن المفاوضات لم تنجح.

أحسّت فرنسا بإهانة شديدة، وبأن “البدوي” الذي يجمع القبائل الأمازيغية حوله، يمرّغ كرامة الجيش الفرنسي في وحل صاغرو، ويعرّض الجيوش للهجمات المباغتة. دفعها ذلك إلى المراوغة بما سمّته “تهدئة صاغرو”؛ والحقيقة أنّ الأمر… كان بمثابة جرائم ضدّ الإنسانية، استعملت فيها ترسانة هائلة من الأسلحة والعتاد.

من هو عسو أوبسلام الذي قاد قبائل آيت عطا في معركة بوگافر؟ وكيف كشف جبل بوگافر عن مناعة المقاومة في البداية؟

القيادة: عسو أوبسلام…

ولد عسو أوبسلام سنة 1887، وانتخب شيخاً لقبيلة إلمشان في ربيع 1919.

يتيم الأبوين بعد مقتل أبيه في قضية ثأر بين عائلته وعائلة آيت فلّ بتاغيا نيلْمشان، عاش عسو ورفقة إخوته: لحسن، إبراهيم، تْلا وخيرة.

رجل “ذو قامة ضخمة، ونظر نفّاذ. عينان صغيرتان سوداوان براقتان ماکرتان، تظهران وكأنهما تسحرانك. يعرج برجله اليسرى نتيجة إصابته بجرح في المعركة. يتكلّم قليلاً، لكن كلامه كان مدعما بالحجج والبراهين”، يقول عنه القبطان مونت دو ماساف.[1]

قاد القتال ضدّ المستعمر في البداية، ورفض كل محاولات الهدنة والاستسلام للعدو، واستمرّ القتال طيلة 42 يوماً.

العدو اللدود لعسو إبان المعركة، أي الجيش الفرنسي، أشاد به أيضاً. يقول القبطان الفرنسي جورج سبيلمان، الذي شارك في المعركة: الأخوان عسو وباسو أوبسلام هما زعيما إيملشان الثائران، ومحركا مقاومة هذه الكتلة المركزية، بل يصل تأثيرهما أيضاً إلى مجموعة آيت إيعزا وآيت أونبكي، والحاصل أن كل شيء ينذر بمقاومة قوية في أرض ذات طبيعة جبلية، تساعد كثيراً على الدفاع وتحُول دون نشر قوات مهاجمة ضخمة”.

في أواخر مارس، قرر عسّو وقف المعركة، حقنا للدماء لا غير، وحفاظاً على حياة ما تبقى من النساء والشيوخ والأطفال في أعالي جبل بوگافر.

من الطرائف التي تحكى عن عسو أنّه، حين نزل عند الفرنسيين، لم يتخلص من بندقيته حينها كما أمره بذلك الجنرال الفرنسي هوري Huré. “لكنه ورفاقه كانوا يرفعون أيديهم نحو الأعلى إيذاناً بالاستسلام”، يقول ميمون أم العيد في كتابه أوراق بوكافر السرية.[2]

وفق ما يرويه أم العيد، فإنه في تلك اللّحظة، أخد فرنسي آلة تصوير، وبدأ يصوّبُ عدستها نحو عسّو ورفاقه ليلتقط صورة تؤرخ لصف من الرجال يضعون أسلحتهم قرب ضریح خويا ابراهيم في منخفض إمساعدن.

فجأةً، وجّه عسو وباسلام بندقيته (بُوشفر) تجاه صاحب الآلة العجيبة، وكذلك فعل سبعة من رفاقه ممن ما يزالون يحتفظون بأسلحتهم.[3]

يذهبُ الباحث إلى القول إنّ أغلب الظّن أن بندقية عسو كانت فارغة من الرصاصات. وأصلا، لا جدوى منها، ولو كانت محشوّة بالذخيرة، لكون المكان محاصرا تماماً بالجنود الفرنسيين.

خاطبه الجنرال هوري، وترجم الشاوش حميدة الدمناتي كلامه مخاطبا عسو:
يا أوبسلام، أَمَا تزالُ تصر على المواجهة والقتال؟ وليس من شيم المسلمين الغدر والخيانة”.

ردّ عسو، يضيف أم العيد: “رجلكم هذا (وأشار لحامل آلة التصوير) هو الذي بدأ بتصويب سلاحه تجاهنا، ولا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي ولو كلفنا الأمر حياتنا”.

لم تعد لعسو، الذي فقد ابنه يوم 28 فبراير 1933، أي ثقة بالجنود الفرنسيين حينها، فهم أنفسهم الذين جرحوه يوم 12 مارس في المعركة، وفي 13 مارس قتلوا شقيقه، بحسب وثائق الاستخبارات الفرنسية الموجودة بالأرشيف الفرنسي.

طيلة المعركة، غير متكافئة القوى، كان القتال مرادفاً للخَسارة، وإن كانت هناك انتصارات طفيفة تمرّغ أنف فرنسا في التّراب.[4]

بركونه للهدنة، قدّم عسو وبسلام سمعته كقربان بين المعارضين من قبائل آيت عطا؛ إذ بلغت تداعيات الهدنة تلك حدّ تخوينه.

جاء في كتاب أوراق بوكافر السرية، أنّه رغم كل شيء، فإنّ الزعيم عسو أوبسلام فرض شروطا مهمة على المستعمر الفرنسي (مهمة بمنطق ونمط عيش ذلك الوقت). نذكر منها ” عدم تجريد القبائل من أسلحتهم إلا عن طوع، ثم عدم حضور نساء آيت عطا للاحتفالات التي يقيمها الكلاوي ورجال المخزن، رفض نفوذ الكلاوي على المنطقة، وأن تضرب فرنسا صفحاً على ما مضى في الحرب بين الطرفين وغير ذلك…”

لكن، ترى ما هي تفاصيل المعركة التي أدّت إلى أن يُعرف عسو أوبسلام هكذا؟ ويغدو زعيما رمزياً بالنسبة للأمازيغ المَغاربة وغير المغاربة؟

بوگافر… الطّريقُ نحو المعركة!

حين أحسّ أهل صاغرو باقتراب المستعمر الفرنسي من أراضيهم، لم يخف الأهالي عداوتهم للزائر غير المرغوب فيه. هدد السكان الأمازيغ بالتنكيل بكلّ من سوّلت له نفسه التعاون مع جيوش الاحتلال، أو من لوّح بإمكانية الخضوع وتسليم الأرض.

الأهالي تمركزوا عند الجبهة الشمالية في دادس – إيميضر – تودغا، وجعلوا نشاطهم على الجبهة الجنوبية بتازارين، وشرقا على جبهة الرّك المراقبة من طرف مركز ألنيف. [5]

دخول المستعمر لهذه المناطق، كان إيذاناً بحرب على عموم قبائل آيت عطّا، فعيّنت القبائل عسو أوبسلام زعيماً لقيادة المرحلة.

هكذا، بدأت الحوادث تطفو، وأخذت المقاومة تتجه نحو مواجهة العدو الفرنسي. يقول جورج سبيلمان: “شن أكثر من ثلاثمائة محارب جيدي التّسليح هجوما في 20 يناير 1933 ضد سرية الفرسان المغاربة في ملال، ولولا التدخل العاجل لفرق من آيت سليلو وآيت أوزين وآیت مسعود لما تمكنت تجريدتنا من الإفلات”.

هذه العملية كلّفت الفرنسيين خمسة قتلى من الفرسان وعشرة من الفرق المنتمية للقبائل والموالية للاستعمار. وقتئذٍ، قام الطيران بعدة عمليات قصف انتقامية وشدّد الحصار الاقتصادي على صاغرو.

في ذات الوقت، بذل مکتب تازارين جهوداً من أجل إعادة السّيطرة على القبائل الخاضعة، فتمّ تسليحُ أبناء آیت سليلو وآيت أوزين وآیت مسعود، ضمن القوات المناصرة للفرنسيين. أمّا آیت حسو، فلو أنهم أبانوا عن نية للتعاون مع المستعمر، إلاّ أنّهم ظلّوا، مع ذلك، محطّ ثِقة مُهترئة في نظر جيش الاستعمار.[6]

قرّرت القيادة مباشرة، إخضاع صاغرو بدون تأخير، رغبة منها في إنهاء المسألة قبل عمليات الأطلس الكبير الأوسط التي حدد تاريخها في بداية صيف 1933.

مكّنت المعلُومات التي حصلت عليها مختلف مكاتب الفرنسيين بالمنطقة، من محاصرة الأخطار عبر تحديد عدد الثوار، إذ “انضمت إلى الثلاثمائة أسرة من آیت واحليم (إيلمشان، آیت عيسى وبراهيم وآیت حسو) القاطنة باستمرار في صاغرو الأوسط، مئتا أسرة من ثوار إيلمشان وآیت الفرسي وإيخوخودن وآيت بويكنيفن وإيكناون وآيت يحيي وموسى وآیت عيسي وبراهيم وآیت حسو، أتوا من تودغا وتاغبالت وتازارين”.[7]

إلى جانب هذه الكتلة من خمسمائة أسرة، توافد إلى الشرق مجموعة من حوالي مائة أسرة من آيت إيعزا وآيت أونبكي (آیت خباش وآيت أومناصف) طردتها القوات الفرنسية من أوكنات وحوض الرك. [8]

فطن المستعمر إلى أنّ هذا العدد من المقاومين في صاغرو، أي زهاء الثمانمائة أسرة، من شأنه أن يسفر عن تجنيد نحو الألف محارب، كلهم جيدو التّسليح ويتوفرون على ذخائر كثيرة. ويَعتَبرُ سبيلمان أنّ إيلمشان وآيت عيسى وبراهيم وآیت حسو وآيت إيعزا وآيت أونبكي، في معظمهم، أكثر عداء للقوات الاستعمارية.

يمثل الأخوان عسو أوبسلام وباسو أوبسلام زعيما إيلمشان تودغا الثائرين، محركي مقاومة هذه الكتلة المركزية، بل يصل تأثيرهما أيضاً إلى مجموعة آيت إيعزا – آیت أونبكي.

بدت المفاوضات منذ الوهلة الأولى فاشلة. حاولت فرنسا، عبر مجموعة من إيلمشان تودغا الخاضعين، إقناع عسو وباسو أوبسلام بالتراجع عن المقَاومة المسلّحة… لكن دون جدوى!

لذات الغرض، “دخل قائد ملحقة درعة بوساطة خليفة تينزولين بلفاطمي في اتصال مع أومارير، وجيه آيت أونير الثائر والزعيم الحربي السابق لآيت عطا خلال المحاولة الفاشلة لسنة 1929 ضد قلعة مكونة، بل جاء أومارير إلى تينزولين في بداية فبراير مصحوبا بوجيهين آخرين، حيث وعد بنقل مقترحاتنا إلى الأخوين أوباسلام”.[9]

حين فشلت المفاوضات، وكانت المقاومة الأمازيغية تناهض الاستعمار بأسلحتها التقليدية، حينها بالضّبط، كان التاريخ يكتبُ ظُروف معركة بوگافر.

ما هي تفاصيل هذه المعركة؟ هذا ما سنتابعه في الجزء الثاني.

هوامش:

[1]ميمون أم العيد، أوراق بوگافر السرية، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الثانية 2019.

[2]المرجع نفسه.

[3]نفسه.

[4]نفسه.

[5]جورج سبيلمان، آيت عطا الصحراء وتهدئة آفلاَّ نْ دْرا –تعريب محمد بوكبوط، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، 2007.

[6]المرجع نفسه.

[7]نفسه.

[8]نفسه.

[9]نفسه.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *