الزواج عند عرب “الجاهلية”: المرأة أيضا تُعدّد… 3/2
في الجزء الثاني من هذا الملف، الذي نتحدث فيه عن الزواج لدى عرب “الجاهلية”، نتعرف على بعض من أنواع “النكاح” التي شاعت بين “الجاهليين”.
كان الزواج عند عرب “الجاهلية” سلوكا فطريا يتماشى مع حاجاتهم وطبيعة مجتمعهم حينذاك. هكذا، لم يكن محدودا كما هو شائع اليوم، إنما كان على ضروب متعددة ومتنوعة، وذلك إلى حين ظهور الإسلام بينهم.
بعدما قدمنا في الجزء الأول من هذا الملف، ملامح عامة عن دور ومكانة المرأة الزوجة في “الجاهلية”؛ في هذا الجزء، الثاني، سنقدم أنواع الزواج التي كانت معروفة لدى “الجاهليين”، دائما بالاعتماد على كتاب المؤرخ اللبناني محمد قطوش، “تاريخ العرب قبل الإسلام”.
نكاح تعدد الأزواج للزوجة الواحدة
من اسمه يعرف نفسه. لكنه مع ذلك ينقسم إلى شكلين؛ زواج الرهط أو المشاركة، وزواج صَواحِبات الرايات.
أما الشكل الأول فهو تعدد الأزواج؛ بوجود امرأة واحدة يشترك فيها عدة رجال. وقد سمي بزواج الرهط ذلك أن عدد الأزواج فيه لا يتعدى العشرة.
يدخل هؤلاء على المرأة، برضاء منها، وتواطؤ بينهم جميعا، فإذا حملت ووضعت، أرسلت إليهم جميعا، وينبغي أن يحضروا جميعا، ثم تقول لهم: “قد عرفتم الذي من أمركم، وقد ولدت”.
يذكر ابن هشام أن عبد الله بن عبد المطلب، والد النبي محمد، مر بامرأة من قبيلة بني أسد، وعندما شاهدته ونظرت في وجهه، رأت فيه نورا فدعته إلى نفسها مقابل مائة من الإبل، فأبى.
تسمي المرأة أحدهم فتقول له: “هو ابنك يا فلان”، ولا يستطيع أن يمتنع. في الغالب، يكون هذا في حال ما إذا كان المولود ذكرا، أما إن كان أنثى فلا تدعوهم. العرب حينذاك عرفوا بكراهيتهم للمواليد الإناث.
اقرأ أيضا: تريدان الزواج؟ لا تتسرعا، هذه بعض النصائح
بالنسبة للشكل الثاني؛ فهو نكاح يجتمع فيه رجال كثيرون بامرأة واحدة، لا تمنع من جاءها. بعبارة أخرى، الحديث هنا عن مهنيات الجنس، بلغة علم الاجتماع اليوم.
كما يدل على ذلك اسمه؛ أي صواحبات الرايات، فهؤلاء كن ينصبن رايات على أبوابهن، فمن أرادهن دخل عليهن. وإن حملت إحداهن ووضعت، جمعوا لها من واقعوها، ثم ألحقوا الابن بأحدهم، ولا يمتنع عن ذلك.
هؤلاء ليسوا أزواجا بالعرف الشائع عند أغلبية “الجاهليين”؛ فغايته التسلية وتحقيق الشهوة بثمن، ولا صداق فيه أو خطبة على عادة العرب. وقد أملته أيضا ظروف اجتماعية بفعل قلة النساء، بخاصة في القبائل التي كانت تئد بناتها.
نكاح الاستبضاع
الاستبضاع نوع من زواج المشاركة. كان الرجل يقول لزوجته أو أَمَته، إذا طهرت من الطمث (الحيض): “أرسلي إلى فلان (أحد الأشراف أو الزعماء أو النجباء)، فاستبضعي منه”. بمعنى؛ اطلبي منه الجماع لتحملي منه.
نكاح الصداق ارتكز على الشروط الاقتصادية الخاصة بصيانة الملكية الفردية وتوريثها. بعبارة أخرى؛ هي انتصار على الملكية الجماعية البدائية، فكانت بذلك تقدما تاريخيا في مسار الشعوب الاجتماعي.
لا يواقع الرجل بعد ذلك زوجته حتى يتأكد من حملها. غاية هذا الفعل، الرغبة في إنجاب ولد ذي أهمية، أو الحصول على ذرية قوية تساعده في القيام بأعماله وخدمته في بيته، أو للمبادلة والاتجار بهدف كسب الربح، إذا تعلق الأمر بتجار الرقيق.
اقرأ أيضا: سناء العاجي تكتب: إنهن يتزوجن النساء!
يذكر ابن هشام[1] أن عبد الله بن عبد المطلب، والد النبي محمد، مر بامرأة من قبيلة بني أسد، وعندما شاهدته ونظرت في وجهه، رأت فيه نورا فدعته إلى نفسها مقابل مائة من الإبل، فأبى.
نكاح البعولة أو الصداق
هذا الزواج يعد الأكثر شيوعا بين “الجاهليين”؛ وهو قائم على الخطبة والمهر، والإيجاب والقبول. إنه زواج منظم رتب الحياة العائلية، وعين واجبات الوالدين والبنوة، ويكون بموجبه الرجل بعلا للمرأة، يحميها ويرعاها.
نكاح البعولة كان نوعين:
بالنسبة للأول؛ فيكون للزوج فيه زوجة واحدة، يتزوجها بالتراضي مع أهلها، بخطبة ومهر، فيصدقها بصداق يحدد مقداره ثم يعقد عليها.
الزيجة الأحادية عرفت بمتانتها وديمومتها. على أنه بشكل عام، يمنح للزوج فيه حق فسخ العقد وطلاق زوجته، فيما على هذه أن تصون سمعته وتتقيد بواجب العفاف.
الرجل الذي يخلف أباه على امرأته، يطلق عليه الضيزن، ومولود هذه الزيجة، يسمى مقتي أو مقيت؛ فهذه الزيجة كانت ممقوتة من أغلبية عرب الجاهلية، لذلك لم ينتشر هذا النوع على نحو واسع.
هذه الزيجة ارتكزت على الشروط الاقتصادية الخاصة بصيانة الملكية الفردية وتوريثها. بعبارة أخرى؛ هي انتصار على الملكية الجماعية البدائية، فكانت بذلك تقدما تاريخيا في مسار الشعوب الاجتماعي.
اقرأ أيضا: محمد علمي يكتب: حين تتحكم الرياضيات في الحب وتصنعه
أما النوع الثاني؛ فيقصد به أن يكون للزوج أكثر من زوجة؛ أي أنه يقابل زواج تعدد الأزواج للزوجة الواحدة.
شاع هذا النوع في “الجاهلية” التي سبقت الإسلام بقليل، في أوساط زعماء القبائل والأثرياء، فكان امتيازا للأغنياء والأعيان. يروى مثلا أن الصحابي غيلان الثقفي أسلم بعد فتح الطائف وفي ذمته عشر زوجات.
نكاح الضيزن
يدعى أيضا نكاح المقت أو الزواج بالميراث أو نكاح العضل؛ ويعني أن يتزوج الابن الأكبر، زوجة أبيه، بعد وفاة الأخير كجزء من ميراثه. أما الغاية من ذلك، فقد كانت الحفاظ على ثروة الأسرة والعشيرة.
بعد وفاة الأب، كان ابنه أو قريبه أولى بزوجته من غيره، إن شاء تزوج بها، وإن شاء عضلها فمنعها من أن تتزوج رجلا غيره، حتى تموت فيرث ميراثها. عدا إذا افتدت منه نفسها بفدية ترضيه، ولذلك سمي بنكاح العضل.
اقرأ أيضا: من بلجيكا، غباري الهواري يكتب: هل تزوج النبي بعائشة وهي طفلة؟
الرجل الذي يخلف أباه على امرأته، يطلق عليه الضيزن، ومولود هذه الزيجة، يسمى مقتي أو مقيت؛ فهذه الزيجة كانت ممقوتة من أغلبية عرب الجاهلية، لذلك لم ينتشر هذا النوع على نحو واسع.
في الجزء الثالث والأخير، نكتشف ضروبا أخرى من الزواج دونها التاريخ عن عرب “الجاهلية”.
[1] من رواة السيرة النبوية.
لقراءة الجزء الأول: المرأة “الزوجة” في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام… 3/1
لقراءة الجزء الثالث: الزواج عند عرب “الجاهلية”: يمكن لرجلين أن يتبادلا زوجتيهما… 3/3
نريد أمثلة من ابن هذه الزيجات هل منهم من أسلم