جرائم قتل النساء في بعض القوانين “العربية”: إذا الموؤودة سُئلت، بأيّ “قانون” قُتلت! 1/2
السؤال الذي حيّر الكثيرين: كيف يمكن أن يكون القانون ملاذاً للقتلة؟
هناك… باسم “الشّرف”، نساءٌ قتلن خنقاً أو حرقاً أو رجماً أو طعناً أو رمياً بالرصّاص، في الأردن وفلسطين وسوريا والسعودية والكويت واليمن والعراق وباكستان وإيران ومصر.
مُغتَصباتٌ قُتلن. عذَارى قُتلن. طفلاتٌ قتلن. أمهاتٌ قتلن بكلّ برودة دم. قتلن فقط لأنّ هناك عرفا متوحّشا، يطلق عليه “غسل العار”، قرّر إعدامهنّ، سواء ضبطن في حالة تلبّس أو بفعل ظنّ وشكوك، مع تغليب مُعظم الباحثين للعامل الثّاني.
لكنّ الغريب الذي تقف عنده مرايانا، أنّ هناك موادًّا قانونية “تتصالح” مع ما يصطلح عليها شعبيا وإعلاميا بـ”جرائم الشّرف”، وتميزها عن جرائم القتل. لذلك، تكون عقوبتها مخففة ومختلفة.
مصر: شبهة التواطؤ
تنصّ المادة 237 من قانون العقوبات المصري على: “من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين 234، 236”.
انتصار السعيد، محامية ورئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، لا تخفي أنّ هناك قصورا تشريعيا في هذه المادة. تحيل الأخيرة على ما يصطلح عليه بـ”جرائم الشرف”، التي لازالت منتشرة في مصر؛ نظراً لكونها متأصلة في الثقافة الشعبية منذ عقود لدى المصريين.
جملة “غسل العار”، باتت عقيدة لدى عديد من العائلات خاصة في القرى، حين يسيطر على الذكر هاجس الشّك في خيانة الزوجة أو الشك في البنت والأخت وحتى الأم أحياناً.
بحسب ما تورده المحامية ضمن تواصلها مع مرايانا، فإنّ إحصائيات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، تقول إنّ حوالي 90% من جرائم قتل النساء بمصر، تحدث باسم “الشرف”، أي التي يرتكبها الآباء أو الأزواج أو الأشقاء بدافع “غسل العار” و”الغيرة”.
للتدقيق، فإن 60% من هذه النسبة هي عمليات قتل تمّ تنفيذها من طرف الأزواج ضد زوجاتهم، و20% ارتكبها الأشقاء ضدّ شقيقاتهم، و7% ارتكبها الآباء في حق بناتهم، و3% المتبقية أقدم عليها الأبناء في حقّ أمهاتهم.
السعيد ترى، أيضاً، أنّ الملفات المُحَالة على العدالة في مصر، تبين أنّ “جرائم الشّرف” لم تقع في حالة تلبّس، بل مرتكبوها يلجأون لدوافع الشك وسوء الظنّ والشائعات والوشاية الكاذبة من آخرين. وهذا ما تؤكده دائما تحريات المباحث بعد وقوع الجريمة.
الذي يستنكره الحقوقيون في مصر، أنّ قانون العقوبات المصري يبيح تخفيف العقوبة في حالة القتل بدافع “الدفاع عن الشرف”. “وليس هناك شك أنّ النّص المتعلق بذلك لا يشكل عذراً مخففاً للعقاب في الواقع، لأن العذر المخفف لا يغير من وصف الجريمة ولا من نوعها”، تقول انتصار السعيد.
إلا أنه في المادة 237 مثلا، والمتعلقة بجرائم قتل النساء (Feminicid)، يتحوّل الملف من جريمة إلى جنحة. بناء عليه، تتحول عقوبة الجاني أيضاً، وبدل أن يحاكم القاتل بالأشغال الشّاقة المؤبدة أو المؤقتة، يتم تخفيف عقوبته السجنية لتصل للسجن لمدة سنة إلى ثلاث سنوات.
حقوقيون في مصر اعتبروا هذه المادّة تواطؤاً من القانون الوضعي مع عرف “متوحش”، يبيح قتل النّساء بكلّ برُودة، واستباحة دمائهنّ بدوافع، تكون في الغالب، غير واقعية.
لذلك، تجمل المحامية انتصار السعيد، أنه لا بد من تعديل هذا القانون وإزالة النّص المخفف، لتصبح العقوبات موحدة على مستوى القتل العمد، سواء فيما يتعلق بما يسمى “جرائم الشرف” أو غيرها في مصر.
الأردن: إسقاط الحق الشخصي
تشير الأرقام التي قدمتها جمعية “معهد تضامن النساء الأردني” الحقوقية، أنه تمّ تسجيل تسعة جرائم أسرية بحق النساء في الأردن منذ بداية عام 2020، فضلاً عن 21 جريمة من نفس الطراز إبان عام 2019.
المثير… أنّ 60 في المئة من هذه الجرائم ذهبت ضحيتها شابات تتراوح أعمارهن بين الـ18 و37 سنة.
كتعليق، تقول الصحافية الأردنية المتخصصة في الإرهاب ومكافحة الجريمة، ليندا المعايعة، في حديث لها مع مرايانا، إنّ معدلات الجرائم الواقعة على المرأة، والمعروفة إعلامياً بـ”جرائم الشرف”، انخفضت في السنوات السابقة، بالمقارنة مع ما قبل عام 2011.
في قانون العقوبات الأردني، لا يوجدُ نصّ صريح يشير إلى مفهوم “جريمة الشرف”، وإنما يتعامل معها كجريمة قتل، والتي قد تصل عقوبتها في الأردن إلى الإعدام شنقاً، تردف المتحدّثة.
المعايعة تضيف أن القاتِل يلجأ إلى التّذرع بـ“الشرف” أو “غسل العار” أو “تطهير العائلة”، كدافع للقتل، خلال مرحلة الاستجواب لدى مدعي عام الجنايات الكبرى، الذي يقوم بتوقيفه 15 يوماً على ذمة القضية، بعد توجيه تهمة القتل العمد إليه، طبقاً للمادة 328 من قانون العقوبات. وأيضاً خلال مرحلة التحقيق الأولي لدى الشرطة، التي تعمل على جمع الأدلة من مسرح الجريمة.
لكن… بعد مطَالبات الناشِطات النّسويات وحقوقيين بالأردن، ونضالاتهم بتشديد العقوبات في الجرائم الواقعة على المرأة بذريعة الشرف خصوصاً، صدرت توجيهات مَلكية عام 2010، تُطالب القضاء بإعادة النظر في الأحكام الصادرة في حق القتلة، سيما في الجرائم المرتكبة ضد المرأة، تقول الناشطة النسائية الأردنية.
اليوم، باتَت محكَمة الجنايات الكُبرى، التي تحالُ عليها قضايا الجرائم بعد انتهاء التحقيق، تصدر عقوبات مشدّدة في حق مرتكبي هذا النوع من الجرائم، التي تكون ضحيتها النساء، حتى أن بعضها صدر فيه حكم بالإعدام.
في الأردن، تستطرد المتحدثة، يمكن لمحكمة الجنايات أن تقرر في إمكانية إسقاط الحق الشخصي أو عدمه.
في هذا الإطار، تذكرنا المتحدثة بإحدى القضايا التي كانت ضحيتها طفلة قتلت بذريعة “الشرف”، حيث قررت المحكمة عدم الأخذ بإسقاط الحق الشخصي، لبشاعة الأسلوب الجرمي المرتكب على ضحية الجريمة. وهو قرار أيدته محكمة التمييز (أعلى هيئة قضائية في المملكة).
بشكل عام، ترى الصحافية الأردنية أن “النّيابة أو المحكمة لا تأخذ تلقائيا بذريعة “العار”، وتتعامل مع الجريمة كجريمة قتل واقعة على إنسان وأزهقت روحه”.
المشكل أنّ المحكمة قد تلجأ إلى تخفيض العقوبة في حالة إسقاط الحق الشخصي من طرف العائلة، طبقاً للمادة 98 و99، من قانون العقوبات.
المعايعة توضّح أن إسقاط الحق الشخصي، تُرك حصراً للمحكمة الأخذ به، علماً بأن مضمون المادتين، عادة ما يتم الأخذ به في قضايا الوفاة الناتجة عن الحوادث أو القتل غير المقصود، وأحياناً إذا كان هناك صلح بين عائلة القاتل والمقتول.
رغم ذلك، ظلّت تنديدات الحقوقيين الأردنيين تتعلق بحق عائلة الضّحية بـ“إسقاط الحقّ الشّخصي”، طبقا للمادتين 98 و99 من القانون، وخطورتها في مساعدة القتلة في جرائم قتل النساء في الإفلات من العقاب… لماذا يا ترى؟
ببساطة، لأنّ هاتين المادتين تطبّقان، وفق حقوقيين، في غالبية القضايا المتصلة بـ”الشّرف”، والعائلات المخول لها إسقاط هذا الحق، تسعى إلى حمايَة القاتل، الذي هو أساساً فردٌ من عائلة المقتولة أيضاً.
ثغرة العدالة في الأردن… أنّ العائلة يمكن أن تسقط الحق الشخصي، وبالتالي قد يفلت الجاني من العقاب، وتتخفف العقوبة، حتى لو كان القرار النّهائي بيد المحكمة.
في الجزء الثاني، نرصد الوضع القانوني فيما يتّصل بقتل النساء باسم الشّرف… بكلّ من الكويت واليمن كذلك.
- الجزء الثاني: جرائم قتل النساء في بعض التّشريعات”العربية”: عن القوانين… التي فشلت أن تكون قانوناً! 2\2
مقالات قد تثير اهتمامك:
- من مصر، أحمد حجاب يكتب: جرائم الذكورية السامة المعروفة إعلاميا بجرائم الشرف
- التمييز بين الجنسين… فروق شاسعة يحاول القانون حظرها بينما يكرسها المجتمع! 2/1
- الفيديوهات الجنسية المسربة: ضحَايا الوصاية المجتمعية الزّائفة! 2/2
- سابقة تاريخية في القضاء المصري: أول حكم قضائي بشأن التحرش الجنسي في أماكن العمل
- من تونس، مريم أولاد الشايب تروي حكاية ضحية للعنف الجنسي
- سناء العاجي: كلكم شركاء في الجريمة…
- نسل الأغراب… أو حينما يُطبع الفن مع تزويج الأطفال