الفيديوهات الجنسية المسربة: ضحَايا الوصاية المجتمعية الزّائفة! 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

الفيديوهات الجنسية المسربة: ضحَايا الوصاية المجتمعية الزّائفة! 2/2

ينطلقُ مروجو هذه الفيديوهات من وصاية المُجتمع على الجَسد.
وصاية مبنية على نفاق، يفضحها التلذذ بهذه الفيديوهات ثم تقاسمها والتفاخر بالظفر بها، وأخيراً مُحاولة بثّ المزيد من القتل المعنوي لأصحابها وتدميرهم نفسياً توسّلا بالطّهرانية. إنها وصاية زائفة، تُعري المُيولات المنافقة للمجتمع…

رأينا في الجزء الأول أنّ امتلاك فيديوهات جنسية تخلق الحدث على شبكات التراسل الفوري، يشكّل هاجساً نفسياً وطموحاً للظهور، بما أنّ الصامت واقعياً يطالب بمعاقبة ضحايا التشهير افتراضياً…

في هذا الجزء، نحاول فهم هذه العلاقة مع الآخر، وكيف تتداخل مجموعة من الأحاسيس لدى الفرد، ليصبح مُقلداً لأفكار الجماعة دون أن يدري.

لا شكّ أنّ الكفاءات الإنسانية مركبة في حد ذاتها، كما تشِير بعض الدّراسات، فالفردُ يستطيعُ أن يفكر وجدانياً، دينياً، نفسياً ثقافياً واجتماعياً في لحظة واحدة… وداخل هذا المركب يكمن الجنس أيضاً.

بيد أنّ الإشكال الذي يعاني منهُ معظم الناس، يقول الخبير في علم النّفس الاجتماعي، محسن بنزاكور: “هو عدمُ القدرة على التّمييز بين هذه المُكونات، وبالتّالي يقعُ الخلطُ عند نشطاء الفضِيحة افتراضياً”.

لازال الكثير من المغاربة يعانون من الطابو في الحديث عن الحياة الجنسية والسلوك الجنسي، ولا يمكن أن توجد حياة جنسية طبيعية ما دام المُجتمع غارقاً في الطّابو.

هذا التركيب، يضيفُ المتحدث، يتجاوز الفرد من حيث الإدراك ومن حيث التمييز، وهنا يسقطُ في التناقض، لأنّه عاجزٌ عن التّفكير الحر وعاجز بالضرورة عن فهم المركب؛ فتجدُه يتلذذ باللقطة ويُحاكم الضّحايا ويمارس الوصاية… و”مردّ هذا ببساطة، أن هذا الفرد عاجز عن التمييز بين الفيديو ورغبته الجنسية، وبين من يمارس الجنس في الفيديو (الذي له الحق في ذلك) وناشر الفيديو (الذي ليس له الحق في ذلك)”.

الواضحُ أنّ هذا التمييز يحتاجُ إلى صفاء ذهني وإلى تناسق بين القول والفعل؛ وهذا ما يفتقدهُ الكثيرون!

الوِصاية الزائفة!

غالباً ما ينطلقُ مروجو هذه الفيديوهات من وصاية المُجتمع على الجَسد.

وصاية مبنية على نفاق، يفضحها التلذذ بهذه الفيديوهات ثم تقاسمها والتفاخر بالظفر بها، وأخيراً مُحاولة بثّ المزيد من القتل المعنوي لأصحابها وتدميرهم نفسياً توسّلا بالطّهرانية. إنها وصاية زائفة، تُعري المُيولات المنافقة للمجتمع… هذا ما يذهبُ إليه محسن بنزاكور في حديثه لـ”مرايانا”!

“الجريمة” الحقيقية، وفق الخبير في علم النّفس الاجتماعي، يرتكبها مشاهد الفيديو، باعتبارهِ يخترقُ منطقة محرمة على الغير ولا تعني سوى أصحابها، وسلاحهُ دائما هو قيم الوصَاية على الآخر تحايلاً على “الرفض المجتمعي” المفترَض للجنس، محاولا بذلك أن يحصُد مناصرة المجتمع لهذا “الدفاع عن الفضيلة” الذي لا يعدو في الحقيقة أن يكون… تهجما شنيعا على الحرية.

مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد، في النهاية، سوى تعبيراً عن الثقافة التي بناها الأجداد والسّلف فيما يخصّ الحرية الجنسية وتحريم العلاقات الرضائية.

الانتقال إلى الحياة العامة هو انتقال بالقيم المجتمعية أكثر منه انتقال بالمسؤولية وروح المواطنة… هذا أمر تفسره التربية “التي تتلخص فيما سيقوله الناس. لهذا، كل ما هو عام، ينبغي أن يخضع للفكر الملائكي والطّهارة المطلقة. بالتالي، يصبح الفرد منافقاً، يحاولُ أن يعطي صُورة معيارية عن نفسه، أن يتمثّله الناس كشخص طاهر غايته ليست  الجنس أو الحديث عن الجنس، بل هي التعبير عن رفضه لما هو في الفيديو وانتقاده، وهذا ما يسمى بعرض الذات!”، يقول المتحدث.

نستشفّ هنا أنّ مطالب محاكمة ضحية تطوان وغيرها، لم تكن سوى تعرية “للملائكية” التي أنتجتها الأم والأب وقام المجتمع بتغذيتها، وهي فقط “صورة” خارجية قد تتناقض مع الفعل. يتعلق الأمر هنا بانفصام تشكو منه مجموعة من الناس، حين يتناقض الفعل مع التصريح. نظرا لهيمنة هذا النسق، فـ”الفرد” لا يدرك قيمتهُ كفرد مستقل عن التفكير الجمعي.

الفردانية… الخلاصُ الممكِن!

تناقُل فيديوهات “فضائحية” والتهافتُ حولها لا يعدو، كما اتضح، أن يكون تعرية لتنشئة اجتماعية مهترئة ومبنية على النفاق الاجتماعي لأشخاص لم يتربّوا على “الفردانية” كقيمة لاحترام قناعات الآخر واختياراته. ولعلّ هذا ما يعكس أيضاً بقاء سردية الطابو على قيد الحياة.

العقليات المغربية، حسبَ الكثير من الدّراسات السوسيولوجية، ترزح، في مُعظمها ، تحت الأفكار التقليدانية والمعتقدات البالية والقيم الرّجعية والخرافات والأساطير، وكل ما لا يمتّ للحداثة أو العقلانية أو المنطق بصلة. إن الفردانية، كمفهوم، تشكّل صدمة وجدانية للمجتمع المغربي وتجرح نرجسية “الجماعة”.

لازال الكثير من المغاربة يعانون من الطابو في الحديث عن الحياة الجنسية والسلوك الجنسي، ولا يمكن، يرى مختصّون، أن توجد حياة جنسية طبيعية ما دام المُجتمع غارقاً في الطّابو.

أستاذ علم الاجتماع علي الشّعباني يقرّ، في حديث مع “مرايانا”، بالوصاية المُجتمعية على الأفراد، اعتباراً أنّ التربية المنشرة في المنطقة هي جماعية دائماً، لها علاقة بالآخر، و”الفرد، عندنا، لا يوجد إلاّ في إطار الجماعة. الثقافة الشعبية تعطي للآخر “الحقّ” في أن يقتحِم ما يفعلهُ الفرد”.

هذا الأمر يجد سنده في الدّين، كمسألة عقوق الوالدين مثلاً، فـ”العقوق”، حسب الشعباني، هو محاولة فرد أن ينعزل بنفسه وأن يصبحَ فرداً. لكن المجتمع سرعان ما يصفعهُ بـ”المسخوط” أو “المنحرف” ليعود بسرعة، حتى أصبح من الصّعب انتشال الفرد من التفكير الجمعي أحياناً.

العقليات المغربية، حسبَ الكثير من الدّراسات السوسيولوجية، ترزح، في مُعظمها ، تحت الأفكار التقليدانية والمعتقدات البالية والقيم الرّجعية والخرافات والأساطير، وكل ما لا يمتّ للحداثة أو العقلانية أو المنطق بصلة. إن الفردانية، كمفهوم، تشكّل صدمة وجدانية للمجتمع المغربي وتجرح نرجسية “الجماعة”.

تنزيلُ الفردانية كمفهوم يصطدمُ عادةً بالتركيبة المجتمعية العامة في المجتمع، يقول الشّعباني.

ثمّة الكثيرُ من الأبحاث القيمة، وفق الشعباني، التي “درست المجتمع المغربي وثقافته الذّكورية وأنساقه الرّجعية، ولكنها لم تستطع بلوغ التغيير… لماذا؟”.

ببساطة، لأنّ هناك مقاومة للتغيير أيضاً، حسب الشعباني، وهي تأتي من عدة زوايا، “منها المَصلحِيين والانتهازيين الذين لهم مصلحة في بقاء الوضع على حاله، كبعض رجال الدين وتجار الشعوذة والخرافة، وأيضاً الأميون الذين لا يدركون مسار التغيير، والجاهلون… الذين يجهلون قيمة وجودهم كأفراد داخل المجتمع، ناهيك عن الطبقة السياسية التي تستغل هذا الأمر لأغراض انتخابوية محضة”.

هؤلاء يتعاونون، كلّ من جهته، لإبقاء الوصاية المجتمعية على الفرد، فتنهارُ أحلامه في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

من هذا المنطلق، قالت الكثير من الأصوات بأنّ القانون الجنائي، لاسيما الفصل 490 منه، لا يخدمُ التغيير، ما دام الأمرُ يتماشى مع الوصاية على الجسد وعلى الحريات الجنسية.

مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد، في النهاية، سوى تعبيراً عن الثقافة التي بناها الأجداد والسّلف فيما يخصّ الحرية الجنسية وتحريم العلاقات الرضائية. بل كشفت بشكلٍ أكبر، صواب نظرية بول باسكون، الذي قال بأن المُجتمع المغربي مجتمع مركّب، وأنها لازالت قائمةً لا تتغيّر… رغم مَلامح الحداثة التي تطالُ فئة من المجتمع.

فهل ستنتهي مأساةُ المجتمع في علاقته مع الجنس؟ أم ستبقى في انتظار إجماع النخبة السياسية بخصوص تعديل القانون الجنائي المجرّم للحُريات الفردية؟

اقرأ أيضا:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *