هذه دول تعتمد التصويت الإجباري… وهذه مزاياه!
التصويت الإجباري يظل موضع جدل لا ينتهي، نظراً لما ينطوي عليه من مزايا ومن عيوب. من مزاياه الهامة أن المشاركة المرتفعة تساهم في إفراز حكومة ذات شرعية تعكس أغلبية المواطنين… ولو أنّ الموضوع يفجّر إشكالية العلاقة بين الحق والواجب!
منذ سنوات، يطرح، بين الفينة وأخرى، نقاش حول ضرورة فرض التصويت الإجباري في المغرب، وضرورة أن تحذو المملكة المغربية حذو الكثير من البلدان التي لجأت إلى فرض عقوبات على المواطنين الذين يقاطعُون الانتخابات، في أفق محاربة العزوف الانتخابي.
وزارة الداخلية كانت قد قامت باستطلاع رأي بعض الأحزاب السياسية بخصوص إلزامية التصويت، في الانتخابات الجماعية والبرلمانية المرتقبة في 2021.
التصويت الإجباري من شأنه أن يؤثّر على المشهد الحزبي، ذلك أنّ الأحزاب الشعبوية لم تحصل إلا على 1٪ من الأصوات في الانتخابات الأسترالية الأخيرة.
دولياً، توجدُ قوانين في 23 دولة تنصّ على التصويت الإجباري، بيد أنّ معظمها لا تطبّق القانون ولا تعاقب المواطنين المتخلفين عن التصويت، من قبيل كندا والنرويج والبرتغال واليونان والسويد وبلجيكا.
أستراليا… النّموذج الشّهير!
تمّ إقرار التصويت الإجباري في أستراليا منذ سنة 1924. حينها، أصبح التصويت إجباريا للمواطنين الأستراليين الأصليين.
يعزو الكثيرون لجوء أستراليا إلى إلزام المواطنين بالتصويت، إلى أنّ البلد اضطرّ إلى تحمل خسائر فادِحة في الحَرب العالمية الأولى، غداة “استشهاد” ما يقرب من الستين ألف أسترالي إبان تلك الحرب.
تكريماً لهذه الخسارة، أصبح التصويت واجباً رمزياً، وإذا بقي أستراليّ بعيدا عن مركز الاقتراع، فعليه دفع غرامة قدرها 20 دولاراً أمريكيا، وإذا تطور الأمر إلى مقاطعة منتظمة، فيمكنه توقع عقوبة السجن.
رغم كلّ الانتقادات، يعتبر الأستراليون التّصويت الإجباري إيجابياً، ومن ثم، فنسبة إقبال الناخبين على التصويت في أستراليا، لم تقل قط عن 92٪ منذ ستينيات القرن الماضي.
الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، أشاد كثيرا بالنّموذج الأسترالي، وقال إنّه فكّر في إدخاله إلى الولايات المتحدة خلال حملته الرئاسية الأخيرة. ناقشت دول أخرى أيضًا تكييف نموذج التصويت الإلزامي الأسترالي.
يوجد قانون إجباري للتصويت في لوكسمبورغ، إلاّ أنّه لم يعد يُعاقب على عدم التصويت منذ سنة 1964، تبعاً للمعطيات الرسمية التي توردها صحيفة لوكسمبورغ تايمز.
الناخبون المحتجون في استراليا، يجدون ملاذاً للتعبير عن تذمّراتهم من العملية الانتخابية أو من الأحزاب المرشّحة، من خلال إعطاء بطاقات اقتراع “باطلة” أو “فارغة”، وهو ما تم التقاطه بنسبة 3 في المائة من بين الناخبين في السنوات الماضية.
وفق جريدة “إس بي إس نيوز” الأسترالية، فإنّ التصويت الإجباري من شأنه أن يؤثّر على المشهد الحزبي، ذلك أنّ الأحزاب الشعبوية لم تحصل إلا على 1٪ من الأصوات في الانتخابات الأسترالية الأخيرة.
على غرار أستراليا، هناك أيضا بلدان تطبّق العقوبات، منها تركيا، والتي تمّ إدراج التصويت الإجباري فيها في وقت متأخر نسبيا خلال سنة 1986.
في تركيا، إذا لم يذهب المواطنون للتصويت، فهم مجبرون على دفع غرامة قدرها 8 يورو. ومنذُ تطبيق القانون على المواطنين الأتراك، بلغت نسبة التصويت 86٪.
رغم ذلك، تبقى النّسبة منخفضة جداً مقارنة بالدّول الأخرى التي تعتمدُ التصويت الإجباري.
أوروبا: بلجيكا ولوكسمبورغ و”رمزية” الإجبار
قبرص واليونان و… لوكسمبورغ وبلجيكا من الدّول القليلة في أوروبا حيث المشاركة في الانتخابات ليست حقّا فحسب، بل واجباً قانونياً أيضاً… لكن، هل هناك عواقب فعلية تصاحب التّخلف عن التصويت أو مقاطعة الانتخابات عن قصد؟
حسب صحيفة الغارديان البريطانية، فإنّ أقدم نظام للتصويت الإجباري، تم تقديمه عام 1892 للرجال، ثمّ تمت إعادة تقديمه سنة 1949 للنساء في بلجيكا.
منذ ذلك الحين، بات الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم الثمانية عشرة فأكثر ولا يصوتون، عرضةً لعقوبات مالية قد تصل إلى الـ80 يورو، أو حتى 200 يورو في حال تكرّرت “المخالفة”.
إذا لم يصوتوا في أربع انتخابات على الأقل، فقد يفقد هؤلاء المواطنون حق التصويت لمدة 10 سنوات أو يتمّ تهديدهم بحذف اسمهم من السجل الانتخابي.
كما قد يواجه “المقاطعون” للعملية الانتخابية، أيضاً، صعوبات في الحصول على وظيفة في القطاع العام في بلجيكا… لذلك، يربطُ المختصون بين نجاعة التصويت الإجباري في ضمان نسب مشاركة “مثالية” في كل انتخابات.
المُثير في النموذج البلجيكي، وفق خبراء، أنّه لم يتم تطبيق هذه العقوبات منذ سنوات؛ ومع ذلك، لا تزال نسبة التّصويت قريبة من 90٪.
كذلك، يوجد قانون إجباري للتصويت في لوكسمبورغ، إلاّ أنّه لم يعد يُعاقب على عدم التصويت منذ سنة 1964، تبعاً للمعطيات الرسمية التي توردها صحيفة لوكسمبورغ تايمز.
منذ ذلك الحين، لم تتم معاقبة أي شخص تم تسجيله للتصويت ولم يقم بزيارة مراكز الاقتراع يوم الانتخابات.
لكن نسبة المشاركة في الانتِخابات في اللوكسمبورغ لاتزالُ مُرتفعة بمتوسّط 95٪.
تم الكشف عن مرونة تطبيق القانون في لوكسمبورغ، حين طرح برلماني سؤالا على وزارة العدل، حول ما إذا كان المواطنون المسجلون للتّصويت يتعرّضون للعِقاب إذا لم يُدلوا بأصْواتِهم.
وزير العدل وقتئذٍ، فرانسوا بيلتجن، ردّ في بيان أن القانُون يمكن أن يُترك مفتوحًا للتأويل.
وأضاف، بحسب ما تنقله صحيفة لوكسمبورغ تايمز: “إذا أعلنت وزارة العدل رسمياً أنها لا تتابع “انتهاكات” الانتخابات، فسيكون ذلك انتهاكاً للقانون”.
في دفوع المناصرين…
يحاجح المدافعون عن التصويت الإجباري بأن أسباب اعتماده عملياً، تكمنُ في كون القرارات التي تتخذها الحكومات المنتخبة ديمقراطياً، تكون أكثر شرعية عندما تشارك نسب كبيرة من السكان والمواطنين.
أثبتت التجارب أنّ التّصويت الإجباري يساهم فعلاً في رفع نسبة إقبال الناخبين في البلدان التي تعتمده بين 85-95٪… وهي نسبة تسعى إليها كثير من البلدان لتحقيق الرضا العام عن الدّيمقراطية.
بذلك، تكون معدلات المشاركة المرتفعة عاملاً في التقليل من إشكالية انعدام الاستقرار السياسي، الذي قد تسببه الأزمات أو يسببه القادة السياسيون الشعبويون.
أكثر من ذلك، يعتبر هذا الفريق بأن التّصويت يمكّن الأحزاب السّياسية من تفادي إنفاق موارد مهمة من دعم الدولة لإقناع الناخبين بأنه ينبغي عليهم التّصويت بشكل عام خلال الحملات الانتخابية.
الحجة التي يركز عليها الكثيرون، هي أنّه إذا كانت الديمقراطية تعني حكم الشعب، فهذا يفترض أن يشمل جميع المواطنين داخل الدولة. لذا، يمكن إجبار كل مواطن على أداء مسؤوليته في انتخاب ممثّليه.
لكن الأرقام المسجلة في السنوات الأخيرة ببعض البلدان الأوروبية، تحيل على كون التصويت الإجباري من شأنه أن يتسبب في تراجع نسب المشاركة أيضاً، وليس العكس فحسب، ففي بلغاريا، على سبيل المثال، فرضت السلطات هذا الإجراء في 2016 بهدف دفع المواطنين للتّصويت، إلا أن نسبة الذين أدلوا بأصواتهم لم تتعد 50 في المئة، بحسب معطيات قدمها موقع فرانس 24 الإخباري.
ضمن شهادات استقتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية من بعض الأستراليين، فإنّ أغلبهم أعربوا عن كونهم مواطنون أحرار يجب أن يُسمح لهم باختيار المشاركة من عدمها بناءً على مبدأ الحرية.
البعض يرى أن إجبار المواطنين غير المكترثين بالعملية الانتخابية أصلاً أو غير المتعلّمين أساساً، على التصويت، يقود المصير السياسي للأمة نحو الشّعبوية.
بينما المحللون السياسيون يعتبرون العكس هو الصحيح، إذ إنّ إجبار المواطنين على الانخراط في العملية يزيد من معرفتهم بالقضايا السياسية لبلدهم وبالمرشحين كذلك.
عموماً، يتم إجبار الناخبين على الظهور في صناديق الاقتراع، إلاّ أنه يمكنهم الإدلاء بورقة اقتراع فارغة أو مشوهة كاحتجاج، وهو تصويتٌ عقابي تكون له دلالته السياسية في تقييم المشهد السياسي.
التصويت الإجباري في بلدان أخرى…
التصويت في الانتخابات في الأرجنتين يدخل ضمن نطاق الإجبار، في صفوف المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و70 عاما؛ ويمكن للمواطنين تحت سن السبعين رفض التصويت في الانتخابات التمهيدية، بشرط إشعار السلطات الانتخابية قبل 48 ساعة على الأقل.
الحجة التي يركز عليها الكثيرون، هي أنّه إذا كانت الديمقراطية تعني حكم الشعب، فهذا يفترض أن يشمل جميع المواطنين داخل الدولة. لذا، يمكن إجبار كل مواطن على أداء مسؤوليته في انتخاب ممثّليه.
الواضح أنّ ثمّة تشابه بين البرازيل والأرجنتين فيما يتعلق بالقوانين الانتخابية، مع فوارق بسيطة، ففي البرازيل مثلاً، يعدّ التصويت غير إجباري لغير المسجلين بين سن 16 و17 عاما… ويمكن بسهولة تعبئة استمارة اعتذار في مراكز الاقتراع ومكاتِب البريد.
في الإكوادور، التّصويت إجباري للمواطنين بين 18 و65 عاماً، وغير إجباري لمن هم دون 18 سنة، وكذلك للأميين، بالإضافة إلى من هم فوق 65 عاماً.
أمّا في سنغافورة، فيتم حذف غير الناخبين من السجل الانتخابي حتى إعادة تقديم الطلب، مع تقديم سبب لامتناعهم عن التصويت.
في البيرو، يتعين على الناخبين حمل بطاقة تصويت مختومة لعدة أشهر بعد التصويت من أجل الحصول على بعض الخَدمات والسّلع.
من جهة أخرى، تراجعت كل من فنزويلا وهولندا عن التصويت الإجباري، فكانت آخر انتخابات أجبر فيها الهولنديون على التصويت في عام 1967، وأدى ذلك إلى انخفاض نسبة المشاركة بنحو 20٪.
أمّا فنزويلا، فقد تمّ تسجيل تراجع في المشاركة في الانتخابات بنسبة 30٪، وذلك بمجرد العدول عن إجبارية التّصويت، عمليا، سنة 1993.
هكذا تكون النماذج مختلفة، لكنّ الغاية واحدة، وهي رفع نسبة المشاركة في الانتخابات؛ بحيث أثبتت التجارب أنّ التّصويت الإجباري يساهم فعلاً في رفع نسبة إقبال الناخبين في البلدان التي تعتمده بين 85-95٪… وهي نسبة تسعى إليها كثير من البلدان لتحقيق الرضا العام عن الدّيمقراطية.
لكن هذا لا يمنع من كون التصويت الإجباري يظل موضع جدل لا ينتهي، نظراً لما ينطوي عليه من مزايا ومن عيوب. من مزاياه الهامة أن المشاركة المرتفعة تساهم في إفراز حكومة ذات شرعية تعكس أغلبية المواطنين… ولو أنّ الموضوع يُفجّر إشكاليّة العلاقة بين الحق والواجب!
… ضمن ذات السّياق، ألا يمكن اعتبار الإكراه على التصويت، بموجب القانون، انتهاكاً صارخا للحرية والحقوق الأساسية؟
مقالات قد تثير اهتمامك:
- استحقاقات 2021 تحت مجهر مرايانا: حملات انتخابية سابقة لأوانها… ومُطعّمة بـ”الولائم” والتّرحال! 1\4
- انتخابات 2021 تحت مجهر مرايانا: بينَ شَبح العزُوف و”تحجيم” الظّاهرة الحِزبية! 2\4
- ما بعد 2020… نهايةُ الإسلاميين سياسياً بالمغرب قد تكون وشيكة والعالم بكامله بلا معالم! (5/6)
- 2020 بعيون مرايانا… هل تمحي سنة 2021 مرارة سابقتها؟ (6/6)
- “قليب الفيستة”… سباق الأحزاب والهواجس الانتخابوية لــ2021 !
- مع كلِّ استحقاقات انتخابية.. نفس الشّرود يتكرر!
- Marayana TV: هشام روزاق: كفانا شر الانتخابات… النموذج التنموي يكفي