أسامر… بين براءة التّسمية ووصمة “العُنصرية”! 2 - Marayana - مرايانا
×
×

أسامر… بين براءة التّسمية ووصمة “العُنصرية”! 2\2

القائلون بأن تسمية “أسامر” فيها أيديولوجيا إقصائية، هم حتماً “مجانبُون للصّواب، لكون التّسمية أمازيغية لا تضم لاحقة وصفية لحصرها، كبعض التّسميات الإقصائية: “المغرب العربي” أو “الخليج العربي/الفارسي” أو “أمريكا اللاتينية”…

بعدما تابعنا في الجزء الأول كون كلمة أسامر تحيل، في العُمق، على احتجاج هوياتي وأيديولوجي لتحجيم “التعريب” و”التهميش” التنموي و”الإقصاء” الثقافي… في هذا الجزء الثّاني، نرصدُ مزالق الكَلمة وحدود التّعابير الجغرافية الأخرَى المعتمدة.

لفظة أسامر في التّداول اللّسني والأنتروبولوجي متجذرة في اليومي، “خصوصاً لدى قبائل صنهاجة، التي وفدت على الجنوب الشرقي، خلال القرن السّادس عشر.

يقول الراحل أحمد الدغرني في إحدى مقالاته عن المنطقة، بأنه “بعد أن بدل المخزن اسم “ايغرم ايمطغران”Ighrm Imtghran وسماه “بالراشدية” نسبة إلى اسم السلطان العلوي رشيد بن علي السجلماسي، رجع العارفون بالعمق السياسي والدلالة التاريخية إلى تبني اسم أسامر وتنغير، وهي أصول وجذور لا تتكسر، ترتبط بجبال صغرو Saghru ومقدسات تودغا التي تنطق محليا Tudghet أو توتغت Tutghet، التي توحي لغويا بالجذر المشترك مع لغة قدماء مصر Tutghanx Amun من ملوك مصر القديمة، وتقترب من إله الأمازيغ الأقدمين Amun عندما كان كل شعب يختار اسم إلهه”….

لكن، في مخاض هذه العودة، هل يمكنُ أن تكون أسامر، ككلمة، رديفاً للعنصرية؟

ما بين أسامر والعنصرية؟

يقولُ البعضُ إنّ بعض المزالق التي تلازم كلمة أسامر، هو كونها، بشكل من الأشكال، عنصرية، حيثُ يقول رجب ماشيشي، إعلامي وباحث في اللغة والثقافة الأمازيغيتين: “أصبح جل أبناء المنطقة لا ينشد ولا يتقن إلا هذه القصيدة (حزب أسامر، تنسيقية أسامر، جمعية أسامر، مجموعة أسامر، كفاءات أسامر، قناة أسامر…)، الشيء الذي نخشى من تأثيره سلبا على الإنسان والمحيط، ما لم يتم مطاردته والتصدي له ولغيره مما شابه، في خلخلة بنى التماسك الاجتماعي والتاريخي والثقافي المتنوع والغني بالجنوب الشرقي”.

في حديثه مع مرايانا، يحاولُ مصطفى القادري، أستاذ تاريخ المغرب المعاصر بكلية الآداب بالرباط، أن يفنّد هذا الطّرح من باب المنطق، إذ يقول: “أن تطلق اسماً على شيء لا يدل على عنصرية، فإذا قلت لرجل أنت رجل، فهل تلك عنصرية”.

أسامر تتعلّق بوجود الشمس، لا أقل ولا أكثر، وبالتالي، أن نقول أسامر جغرافياً لمنطقة فيها الشّمس، فإن ذلك لا يشكّل أي إشكال ولا يصبّ في أي اتجاه عنصري أو إقصائي”.

النّاشط الأمازيغي محمد حمدان، يذهبُ إلى أنّ القائلين بأن تسمية “أسامر” فيها أيديولوجيا إقصائية، هم حتماً “مجانبُون للصّواب، لكون التّسمية أمازيغية لا تضم لاحقة وصفية لحصرها، كبعض التّسميات الإقصائية: “المغرب العربي” أو “الخليج العربي/الفارسي” أو “أمريكا اللاتينية”…

“لفظة أسامر تمّ تداولها فقط بشكل شفهيّ، ومن العجيب أنها لم تنزل بعد إلى ما هو مكتوب، وأصبحت لصيقة بما هو شفهي، رغم أنها ذات دلالة جغرافية دقيقة تتماشى مع طبيعة المنطقة، لكنّها لم تعتمد في الكتابات التي تم الاعتماد عليها في دراسة المنطقة”

حسب ما أكده حمدان لمرايانا، فهذه التسمية راعت الأصالة اللغوية، كما هو الحال في غالبية الطوبونيميا في المغرب، والتي يسعى أنصار التعريب للعبث بها… “التسمية فعلا أمازيغية مثل “أكادير” و “تافراوت” و “إفران” و”فاس” وغيرها، ولم يقل أحد بهذا القول في هذه الحالات”.

حميد آيت علي، الناشط الأمازيغي بنواحي الطاوس ومرزوكة، ينحو ذات المنحى وينفي أن تكون أسامر ذات حمولة عرقية أو قبلية أو سلالية، وإنما اعتمادها راجعٌ إلى كون تسمية الجنوب الشرقي تحديدا جغرافيا. يتغير هذا التحديد بتغير الشخص لمكانه جغرافيا؛ فقد نشير نحن لجهة معينة بكونها في الشمال، بينما البعض الآخر، في نقطة أخرى فوق هذه الأرض، يعتبر شمالنا نحن جنوبا أو شرقا. يشار لهذا الجنوب الشرقي في التقسيم الإداري حاليا بالمغرب بجهة درعة تافيلالت، وقبله سمي جهة مكناس تافيلالت. هذا التقسيم الإداري والتّرابي يتغير أيضا، لأنه قانون وضعي، ويمكن في أي لحظة وحدث وحكومة جديدة وقرار، مراجعة التقسيم وضم وتوجيه مدن لجهات أخرى أو إحداث جهة أخرى جديدة.

حميد أيت علي يضيف: :باعتبار التحديد الجغرافي غير منطقي وغير شامل، وكذلك التحديد الإداري والترابي قابلا للتغيير وغير مستقر، يضيف أيت علي، فلا نجد مصطلحا يمكن وصف منطقتنا به، أدق من مصطلح “أسامر”، كونه القريب لنا لغةً وهويةً وتاريخاً، ونجد فيه أنفسنا ويجد نفسه فينا وفي معيشتنا وسلوكنا وطبيعتنا”.

أسامر… الإرث الشّفوي!

عبد الله ستيتو، الأستاذ الجامعي المتخصص في تاريخ المنطقة، يصرّح لمرايانا بأنّ “لفظة أسامر تمّ تداولها فقط بشكل شفهيّ، ومن العجيب أنها لم تنزل بعد إلى ما هو مكتوب، وأصبحت لصيقة بما هو شفهي، رغم أنها ذات دلالة جغرافية دقيقة تتماشى مع طبيعة المنطقة، لكنّها لم تعتمد في الكتابات التي تم الاعتماد عليها في دراسة المنطقة”.

أصبح جل أبناء المنطقة لا ينشد ولا يتقن إلا هذه القصيدة (حزب أسامر، تنسيقية أسامر، جمعية أسامر، مجموعة أسامر، كفاءات أسامر، قناة أسامر…)، الشيء الذي نخشى من تأثيره سلبا على الإنسان والمحيط

من جهة أخرى تعتبرُ جهة الجنُوب الشرقي جهة وهمية، لأنها لا تخضع للتّقسيم الإداري، ولم تشكل إقليما جغرافيا قائما بذاته. لكن، بصدد أسامر، يقول الباحث لحسن آيت لفقيه لمرايانا بأنه يؤيد ما ذهب له ستيتو، في أنه لم يعثر على مرجع دراسي وظّف الكلمة… مع أن أسامر تعني السفوح الجنوبية، فهي كلمة دالة، إلا أنّها قاصرة…

يردّ على هذا الطّرح الباحث في الثقافة الأمازيغية، لحسن أمقران، معتبراً أنّه حين لا نعثر على طوبونيم معين في الكتابات التاريخية، فذلك لا يعني بالضّرورة عدم وجوده أو حتى وسمه بالقُصور، إذ يجب استحضار أن كتّاب التاريخ كانوا في الغالب معرّبين، وخير مثال ما فعله المختار السوسي بالتراث الطوبونيمي (toponymique) والأنتروبونيمي (anthroponyme)، بمعنى الأماكن المتعلقة بالإنسان، خصوصاً بسوس والجنوب، حيثُ كان يسعى دائماً إلى تعريبِ ذات الطّوبونيم، بل وحتّى الأنتروبونيم ترجمة كذلك، وفي أحسن الأحوال وزنا حتى “يقرّب” معناه من غير الناطقين باللغة الأمازيغية.

لفظة أسامر، وفق أمقران، في التّداول اللّسني والأنتروبولوجي متجذرة في اليومي، “خصوصاً لدى قبائل صنهاجة، التي وفدت على الجنوب الشرقي، خلال القرن السّادس عشر. ولا يمكن أن ننفي أننا نميز داخل قبائل أيت عطا بين “أيت ن ؤمالو” (الغرب) ممن يقطنون إقليمي بني ملال وأزيلال، و”أيت عطا ن ِؤسامر” (الشرق) ممن يقطنون أقاليم ورززات، زاكورة، تنغير والرشيدية، والرّيصاني

هذا التمييز طبعا مرجعه الأطلس الكبير، إذ يظل الأطلس الصغير والأطلس الكبير الشرقي جزء من أسامر وليس هذا الأخير بديلاً عنهما. لفظة “لقبلت” نجدها توظف بشكل كبير، وما هي إلا تمزيغ للفظة “القبلة” التي تعتبر بدورها تعريبا للفظة “أسامر”.

في النّهاية، يتّضحُ أن أسَامر جاء، بالفِعل، في سِياق احتِجاجي، وأنّه يحملُ نزعَة تحدِيثية للمفاهيم الطوبونيميا بالمنطقة، لكونه يحمل تعبيراً دقيقاً عن طبيعة الجهة.

لكن… في غمار الحديث عن أسامر، ربّما، لا يمكن تحميل الكلمة ما لا طاقة لها به، من قبيل العُنصرية والعنجهية والإقصاء، لأنها كلمة وصفِية للطّبيعة. ويبقى التحذير ضرورياً، من مزالق سوء فهم هذا التعبير الجغرافي، واعتباره عداءً لأعراق أخرى وتسمِيات أخرى بالمنطقة.

مع ذلك… لعلّ الإصلاح فكرة عابرة للإثنيات والحسَاسيات الضّيقة، لذلكَ ينبغي التركيز على أمر واحد، وهو إصلاح أسامر ودرعة وتافيلالت، إصلاحاً شاملاً، يعود بالنّفع على الساكنة والمنطقة…

نعم، ربما، كاد التّهميشُ أن يكون كفراً!

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *