جماعة الهجرة والتكفير: كل من يرفض الدعوة للتكفير والهجرة كافر 2/2
على غرار الخوارج كمذهب تكفيري، والذين كفَّروا كل من لم يحكُم بما أنزل الله، بل وكفَّروا كل من لم يحكُم بما فهِموه هُمْ من كلامه، اعتبرت جماعة التكفير والهجرة كل المجتمعات القائمة مجتمعات جاهلية وكافرة قطعاً، بناء على ترك هذه المجتمعات التحاكم لشرع الله واستبداله بالقوانين الوضعية.
توقفنا في الجزء الأول من هذا الملف، عند أهم العناصر الحاكمة لفكر جماعة الدعوة والهجرة، أو ما يُصطلح عليه إعلاميا “جماعة الهجرة والتكفير”.
في هذا الجزء الثاني، سيتم تسليط الضوء على أفكار أحد مؤسِّسي هذه الجماعة؛ إن لم نقل العمود الفقري لها؛ والذي سيطرت رؤيته الخاصة للإسلام على مريديه. رؤيته هذه انطلقت من فكرة مؤداها أن واجب كل مسلم تكفير المجتمع، وأن يهاجر إلى أن يشتد عود المسلمين في (دار الهجرة) ثم تكون آنذاك العودة لفتح (دار الكفر)؛ تماما كما هو الشأن بالنسبة لهجرة نبي الإسلام، حين هاجر من مكة إلى يثرب، وذلك بعد أن استعصى عليه أمر قريش، فما لبث أن عاد إلى مكة بعدما قويت شوكته ومن معه في المدينة.
في عُرف شكري مصطفى – (1 يونيو 1942م – 1978م)، من مواليد أبو خرص مركز أبو تيج أسيوط، مؤسس جماعة المسلمين أو جماعة الدعوة والهجرة، أن كل من يرفض الدعوة للتكفير والهجرة كافر؛ لأنه ارتضى أن يتعامل مع الدولة العلمانية، ويتعاطى مع القوانين الوضعية المسنونة وِفق “هوى” بشري يعتريه “الخطأ”؛ عكس الإحتكام إلى الشريعة الإسلامية “المُحكمة”؛ والتي دعا شكري من خلال جماعته إلى تطبيقها، دون مراعاة للشروط الموضوعية والتاريخية لآية {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُون}.
على غرار الخوارج كمذهب تكفيري، والذين كفَّروا كل من لم يحكُم بما أنزل الله، بل وكفَّروا كل من لم يحكُم بما فهِموه هُمْ من كلامه، اعتبرت جماعة التكفير والهجرة كل المجتمعات القائمة مجتمعات جاهلية وكافرة قطعاً، بناء على ترك هذه المجتمعات التحاكم لشرع الله واستبداله بالقوانين الوضعية.
بيد أن الأفراد أنفسهم، لم يكن بمقدور الجماعة الحكم بكفرهم لعدم التبين من ذلك.
لذا، فهم “جاهليون” ينتمون لمجتمع “جاهلي” على حدّ التصور القطبي، مما يستدعي في المقابل، بناءً على نفس التصور، التوقفَ في الحكم عليهم حتى يتبين إسلامهم من كفرهم أو يتم اعتزالهم بالهجرة.
لم يكن فكر شكري المتطرف ليمر مرور الكرام خلال حقبة شهدت زخما “إسلامويا” تجلى في صعود المد الإسلامي وإعادة اجترار الفتاوى التكفيرية.
في جو مشحون بالصراعات السياسية وبداية ظروف “الجهاد الإسلامي” في أفغانستان ضد الغزو السوفيتي، خلق فكر شكري حالة من الاندفاعية لدى الشباب “المُتأسلم” الذي وجد ضالته في خُطب وشعارات “الإسلام الرَّاديكالي”. هذا الأمر فرض سيطرة شبه مطلقة حينئذ على الطلبة والخريجين لأجل الاستيلاء على ذهنيات المتحمسين إلى خلق مجتمع وحدوي قائم على “الذَّات الإسلامية” يُحاكي الرّعيل الأول من أصحاب نبي الإسلام.
بما أن شكري مصطفى، أعلن أن جماعته خلفاء الله في الأرض لحُكمها وتطهيرها من مُخلّفات “الجاهلية”، فقد انضم له الآلاف من الطلبة الذين عقدو البيعة في أعناقهم له، وانتقلوا للحياة على أطراف المدن في الصّحراء، وامتهنوا كل الأعمال البسيطة والرخيصة لأجل التكسُّب تحسبا للانزلاق في المال الحرام.
لم يتوقّف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل تعدّى ذلك إلى قيام هؤلاء بإنشاء مجتمعات خاصة وِفق مقاييس خاصة تنهل من حياة البداوة؛ فكانوا جميعا على سمتٍ واحد (حلق اللحى، إسبال الثياب وإطالة الشعر إلى حد شحمة الأذن)، مع ما رافق ذلك من حجاب نسائي على نفس الهيأة حتّى كأنهم على نفس الصورة الواحدة.
بيد أن شكري مصطفى لم يرقه التّوقف عند هذا الحد، لا سيما وأنّه مؤمن تمام الإيمان بصدقية أفكاره، ورسوخ إيمانه، وكون جماعته هي الجماعة المسلمة الوحيدة على ظهر الأرض، فما لبث أن سحب الكفر على عصور التاريخ الإسلامي.
كما أن قيمة التاريخ بالنسبة له لا تساوي شيئا، لأن التاريخ من وجهة نظره يتلخص في “أحسن القصص” الوارد في القرآن فقط، وقد حكم بارتداد العلماء في كل عصر ومصر، كما زعم أنَّه (المهدي المنتظر).
وعليه، فإن دور الجماعة عنده يبدأ بعد أن تدمّر الأرض وتستحيل خرابا بحرب كونية تبيد الحياة، وتنقرض خلالها الأسلحة الحديثة لتعود البشرية، كما في سابق العهد، إلى الأسلحة التقليدية.
لقراءة الجزء الأول: جماعة الهجرة والتكفير… الأفكار المؤسسة لاعتزال المجتمع وتكفيره 1/2
اقرأ أيضا: