أخوات الصفا: تاريخ ومطالب أول منظمة نسائية متقدمة (1/3)الجزء الأول
لم تكن الحركات النسائية نبتا غريبا، ظهر فجأة في المجتمع المغربي، تحت زحف الاستيلاب والتغريب، وغيرها من التهم الجاهزة التي اعتاد معارضوها على نعتها بها، بل كانت ضمن سيرورة عرفها المجتمع المغربي، نبعت من داخله وبه وإليه. في هذا الملف نسلط الضوء على أول تنظيم نسائي مغربي حمل مطالب جد متقدمة إبانه
كلما ورد الحديث عن الحركات النسائية، إلا واعتقد الكثيرون أن هذه الحركات وليدة الاتفاقيات الدولية، وأنها غالبا ما تأتي بدعم غربي، في إطار حملة التغريب والاستيلاب والاستعمار الجديد…
يمكن أن نجد عددا من هذه الاتهامات عند حركات الإسلام السياسي التي ما فتئت ترفع شعار التغريب ــ إن لم يكن التخوين أو التكفير أحيانا، وإن بصيغ مبطنة- في وجه الحركات النسائية، لكن…
كثير منهم يجهلون أو يتجاهلون أن أول تنظيم نسائي مغربي، حمل مطالب جد متقدمة، يعود إلى فترة المقاومة، وأن الحركة النسائية لعبت دورا مهما في مكافحة الاستعمار. إضافة إلى ذلك، ضمت وطنيين ورجال دين مخلصين.
هذه الدعوة لم يحملها الوزاني وحده، فقد تواجد إلى جانبه عدد من منظري وقياديي حزب الشورى والاستقلال، كالفقيه محمد بن عبد الله، الذي كان من أعمدة تأسيس المدارس الحرة، والذي أدمج أقسام تعليم البنات بها، إضافة لعبد القادر بنجلون وعبد الواحد العراقي وأحمد معنينو، وعبد الهادي بوطالب، وأحمد بن سودة.
في هذا الملف، تعود مرايانا لتسلط الضوء على أول منظمة نسائية في تاريخ المغرب المعاصر، والتي حملت اسم “أخوات الصفا”، وكانت تابعة لحزب الشورى والاستقلال، وتميزت برؤية متقدمة مقارنة مع تلك الفترة التاريخية، كما كان لها امتداد كبير، لم ينل حقه من البحث والدراسة؛ إذ أن هذا التنظيم ورغم أهميته وريادته، تكاد تنعدم حوله الأبحاث.
في إعداد هذه المادة، اعتمدنا على مقال مطول للمؤرخ محمد معروف الدفالي، منشور في مجلة أمل (العدد المزدوج 13-14)، وبعض المقالات الصحفية، وبعض الأعداد من أرشيف جريدة الرأي العام الناطقة بلسان حزب الشورى والاستقلال آنذاك، إضافة لبعض المقالات الصحفية المتناثرة، وبعض اللقاءات الشفوية التي أجريناها مع عدد ممن عايش المرحلة.
اقرأ أيضا: خناثة بنونة وآمنة اللوه: هؤلاء 6 نساء بصمن تاريخ الكتابة الأدبية في المغرب 1\3
منظمة نسائية بدعم من وطنيين وفقهاء
يمكن الوقوف على ثلاثة عوامل رئيسية وراء ظهور حركة أخوات الصفا:
– أولا، السياق الدولي والإقليمي: بعد الحرب العالمية الثانية، تميز هذا الأخير بتنامي حركات التحرر وظهور الحركات النسائية في عدد من البقاع، خاصة في مصر، التي كان لها إشعاع حضاري قوي آنذاك، والتي تطورت فيها الحركة النسائية بشكل ملفت، بدءا بدعوات رفاعة رفاعة الطهطاوي، مرورا بقاسم أمين، حفني ناصيف… وصولا لـ هدى شعراوي وأمينة السعيد وفاطمة نعمت راشد، التي كانت أول امرأة مصرية تتولى رئاسة تحرير مجلة المصرية.
– ثانيا، ليبرالية حزب الشورى والاستقلال: كان التوجه العام لحزب الشورى والاستقلال ليبراليا، وكان يعتبر أن تحرير المرأة وتحديث المجتمع، جزء من أدوات توفير الحريات الديمقراطية. محمد بن الحسن الوزاني كان يعتبر مثلا أن المرأة شريكة الرجل في الحياة الاجتماعية، وقد جاء في أحد نصوصه: ” نهضة الأمة برجالها ونسائها لا بفريق من أعضائها دون فريق؛ فكل نهضة تقوم على الرجل دون المرأة، إنما هي نصف نهضة. إنها لتكون ناقصة بتراء متخلفة عقيمة بقدر ما يكون في الأمة من نساء جاهلات”. لهذا كان من المطالبين بتعليم الفتيات، وفسح المجال للنساء للمساهمة في الحياة العامة.
هذه الدعوة لم يحملها الوزاني وحده، فقد تواجد إلى جانبه عدد من منظري وقياديي حزب الشورى والاستقلال، كالفقيه محمد بن عبد الله، الذي كان من أعمدة تأسيس المدارس الحرة، والذي أدمج أقسام تعليم البنات بها، إضافة لعبد القادر بنجلون وعبد الواحد العراقي وأحمد معنينو، وعبد الهادي بوطالب، وأحمد بن سودة.
– ثالثا وأخيرا، التطور التنظيمي لحزب الشورى والاستقلال: كان حزب الشورى والاستقلال يربط بين مسألتي الديمقراطية والاستقلال، ويحرص على تطوير هياكله.
– في هذا السياق إذن، جاءت فكرة تأسيس تنظيم نسائي موازي للحزب، يمكن من خلق امتدادات أوسع للحزب، ويلامس شرائح أخرى لا تصلها أفكاره.
إقبال لافت على التأسيس وتنامي متزايد
يوم الجمعة 23 ماي 1947، ستعرف فاس حدثا استثنائيا، تجلى في عقد المؤتمر التأسيسي لمنظمة “أخوات الصفا”، والذي حضرته وفود نسائية من شتى مناطق المغرب ومن مختلف الطبقات الاجتماعية، وقد قدرت بعض المصادر الشورية عدد المشاركات بثلاثة آلاف مشاركة، وهو رقم له دلالاته، بالنظر إلى طبيعة المرحلة التاريخية التي تم فيها التأسيس.
على المستوى الخارجي، حرصت المنظمة على ربط علاقات مع جمعية “نهضة المرأة المسلمة”، التي كانت تتخذ من تلمسان مقرا لها، كما تبادلت مراسلات مع فاطمة نعمت راشد، رئيسة الحزب النسائي الوطني بمصر.
خلف المؤتمر التأسيسي ضجة حقيقية، تجاوزت المغرب إلى إفريقيا وآسيا والمنطقة العربية، وهو ما دفع المنظمة إلى الاستمرارية، خاصة في ظل الدعم الذي لاقته من عدد من الفعاليات السياسية والثقافية، فعقدت مؤتمرها الثاني بتاريخ 12-13 دجنبر 1948. على غرار مؤتمرها الأول، كان الحضور كثيفا، وصدرت عن المؤتمر عدة توصيات اعتبرت آنذاك متقدمة.
في يونيو 1951، عقدت المنظمة مؤتمرها الثالث الذي اهتم بالتطوير التنظيمي للمنظمة، مركزيا وعلى مستوى الفروع التي توسعت لأنحاء أخرى من المغرب، كما انفتحت على التنظيمات النسائية التي أخذت في الظهور آنذاك.
اقرأ أيضا: خُنَاثة بنت بكار.. من هدية للسلطان إلى أم للسلاطين!
تنامي المنظمة المطرد سيجعلها تحظى بتشجيع من السلطان محمد الخامس وابنته الأميرة عائشة، اللذين حرصا على دعوة المنظمة مرارا إلى القصر للمشاركة في بعض الاحتفالات، وعقد بعض المهرجانات الأدبية النسائية، كما حصلت على منح لتنفيذ بعض برامجها.
على المستوى الخارجي، حرصت المنظمة على ربط علاقات مع جمعية “نهضة المرأة المسلمة”، التي كانت تتخذ من تلمسان مقرا لها، كما تبادلت مراسلات مع فاطمة نعمت راشد، رئيسة الحزب النسائي الوطني بمصر.
فما هي الأفكار التي نادت بها المنظمة، وكيف تقبلها المغاربة؟
هذا ما سنتناوله في الجزء الثاني من هذا الملف.
لقراءة الجزء الثاني: أخوات الصفا: منظمة نسائية تأخذ مواقف جريئة من قضايا الزواج والتحرش والحجاب في خمسينيات القرن الماضي (2/3)
لقراءة الجزء الثالث: منع التعدد، منع تزويج الصغيرات، إلغاء المهور، فتح أبواب الجيش الملكي للنساء: هذه بعض مطالب “أخوات الصفا”، أول منظمة نسائية مغربية متقدمة (3/3)