أخوات الصفا: منظمة نسائية تأخذ مواقف جريئة من قضايا الزواج والتحرش والحجاب في خمسينيات القرن الماضي (2/3) - Marayana - مرايانا
×
×

أخوات الصفا: منظمة نسائية تأخذ مواقف جريئة من قضايا الزواج والتحرش والحجاب في خمسينيات القرن الماضي (2/3)الجزء الثاني

كانت تصورات أخوات الصفا متقدمة جدا في مقابل الظرفية التاريخية آنذاك، وكانت آراؤها في مجالات التعليم والتربية والزواج سابقة لعصرها كما خلقت جدلا كبيرا، خاصة من خلال مواقفها من الحجاب والتحرش، في هذا الجزء سنتعرف على أبرز أفكار هذه المنظمة.

تعرفنا في الجزء الأول من هذا الملف على ظروف وسياقات تأسيس منظمة أخوات الصفا. نخصص هذا الجزء الثاني للنبش في أفكار وتصورات المنظمة.

اعتبرت المنظمة نفسها ممثلة للنهضة النسوية بالمغرب، باعتبارها جزء من الحركة الوطنية؛ ذلك أن المرأة المغربية في عهد الحماية، بحسب المنظمة، كانت تعيش عيشة بدائية بلا حقوق ولا حرمة، و”أن وضعيتها تخالف العصر، وتتناقض معه، بإقصائها عن ميادين العمل النافع، وإقصاء رأيها، وجعلها أداة صماء في يد الرجل يديرها كيفما شاء أنى أراد”.

كان من بين ما اتجهت إليه المنظمة، مجال التعليم، الذي ركزت عليه في كل مقرراتها، واعتبرته الركيزة الأساسية للقيام بأي نهضة نسائية، لتساهم بذلك في تدريس الفتيات من كل الطبقات وفي المدن والقرى، رافعة شعار مكافحة الجهل والأمية عند المرأة، والذي يتجاوز معرفة القراءة والكتابة، إلى منح المرأة تعليما يجعلها عضوا فاعلا في المجتمع.

أرجعت أخوات الصفا السبب في هذا الوضع إلى “ثالوث: الجهل والخرافات والأوهام، العسف والإرهاق، إضافة إلى مجموعة من الآفات التي نتجت عن انحراف المسلمين عن دينهم”، واعتبرت أن المرأة، عماد وركيزة النهوض والتقدم، مقياس رقي الأمم، وأن تطور المغرب، لن يتم إلا بمشاركتها وعملها لجانب الرجل في كل الميادين”.

من هنا، جاءت دعوة المنظمة المرأة إلى إصلاح نفسها والانعتاق من أغلال الماضي، والتخلص من الانحصار في بوثقة المهام المنزلية و”تجاوز ذلك نحو إبراز الشخصية، ومسايرة الزوج في كل مهام الحياة، والمشاركة في الكفاح من أجل الوطن، الذي ينتظر تضحيات النساء في ميدان القومية وطي المراحل والتخلص من كابوس الظلم والاستبداد”.

اقرأ أيضا: الشعيبية طلال… حلم عصامي امتطى صهوة التشكيل المغربي إلى العالمية 2/1

التعليم .. الركيزة الأساسية

كان من بين ما اتجهت إليه المنظمة، مجال التعليم، الذي ركزت عليه في كل مقرراتها، واعتبرته الركيزة الأساسية للقيام بأي نهضة نسائية، لتساهم بذلك في تدريس الفتيات من كل الطبقات وفي المدن والقرى، رافعة شعار مكافحة الجهل والأمية عند المرأة، والذي يتجاوز معرفة القراءة والكتابة، إلى منح المرأة تعليما يجعلها عضوا فاعلا في المجتمع.

في هذا السياق، جاء انتقاد المنظمة للنظام التعليمي الذي كان يحصر تعليم الفتيات في المرحلة الابتدائية، معتبرة إياه غير مفيد، مطالبة بمتابعة برنامج الباكالوريا، ثم التخصص في نوع من أنواع العلم. كما اقترحت المنظمة لغير الراغبات أو القادرات على المواصلة إلى ما بعد الباكالوريا، والمكتفيات بدور ربات البيوت، نظاما دراسيا مدته أربع سنوات بعد الحصول على الشهادة الابتدائية، تخصص السنتان الأولتان منه للثقافة العامة، والسنتان الأخيرتان لمبادئ علم النفس وفن التربية والتعليم وقواعد الصحة العامة وتدبير المنزل وتربية الأطفال والأشغال اليدوية، مع إضافة المواد التي تتعلق بالفوارق بين الجهات وخصوصية كل منطقة.

طبقت المنظمة مبادئها هذه من خلال المدارس الحرة التي كان يشرف عليها رجال الحركة الوطنية المنتمين لحزب الشورى والاستقلال، وعرفت الأقسام الخاصة بالفتيات إقبالا كثيفا، ومعارضة في الآن نفسه، من عدد غير قليل من الأسر والعلماء وغيرهم، ممن رأوا في دعوات أخوات الصفا انحلالا وتفسخا.

لكن… ما كان لهذه الدعوة أن تمر دون استفزازات، إذ كثيرا ما تم التعرض “للمتبرجات”، من طرف الرجال بالعنف اللفظي والمادي أحيانا. هذا الأمر دفع المنظمة إلى رفع تقرير خاص للسلطان محمد الخامس وإلى باشوات المدن، وذلك بهدف حماية المرأة وردع المتحرشين، والمطالبة بتأسيس حرس خاص في الشوارع يسهر على حماية المرأة من التعرض لأي شكل من أشكال العنف المادي أو المعنوي.

لكن الشوريات واجهن الحملة بالاستمرار، وقمن بدروس محاربة الأمية، وتقديم مساعدات مادية للأسر لتشجيع فتياتهن على التمدرس، وخضن معركة شرسة ضد رجال الدين التقليديين، إذ خصصوا عددا كبيرا من المقالات على جريدة الرأي العام لمهاجمتهم، وإبراز عدم تناقض تعليم الفتيات مع النصوص الدينية.

نبذ التقاليد من أجل التحرر

معارك المنظمة لم تتجه لرجال الدين فقط، ولكنها ألقت بسهامها صوب العادات والتقاليد التي اعتبرتها العائق الأبرز أمام تحرر المرأة المغربية، وربطت تحررها بتنظيف أفكار المرأة وتحديثها، والقطيعة مع الماضي، ومحاربة المعتقدات الخرافية التي لصقت بالإسلام من المشعوذين والدجالين. كما دعت المنظمة إلى نبذ عدد من السلوكات والقيم الاجتماعية التقليدية كمظاهر الإسراف والترف، إذ منعت مقررات أخوات الصفا على المنتمين إليها التحلي ببعض المجوهرات وأصناف باذخة من اللباس أثناء المناسبات، والامتناع عن تقديم الهدايا الغالية، وإلغاء أو الحد من المهور، وتنظيم كل أشكال الاحتفالات.

على صعيد آخر، حرصت المنظمة على العمل الخيري والإحساني. لقد تميزت مقاربة المنظمة بالتمييز بين العمل الإحساني الذي يهدف إلى تلبية حاجات المحتاجين، وبين الإحسان الذي يسعى إلى الرفع من مستوى الشخص ومحيطه. لذا حرصت الجمعية على تحسين ظروف الفتيات في وضعية صعبة والاعتناء بهن تعليما وتثقيفا.

معركة من أجل الحجاب 

في مقال منشور في جريدة الرأي العام بتاريخ 31 دجنبر 1948، يقدم نموذجا للمرأة العصرية إذ جاء فيه:

“الآنسة فاطمة التهامي مثل حي للفتاة المغربية العصرية، تخرج سافرة، لابسة الزي الأوربي، تركب الدراجة، وتقود السيارة، تتقن اللغة الفرنسية، والإيطالية، وتتفاهم بالإنجليزية”.

تعكس هذه الفقرة تصور المنظمة للمرأة، والتي خاضت بدورها معركة حقيقية ضد حجاب المرأة، منتقدة إياه باعتباره يشكل انحرافا عن جوهر الدين يجعل المرأة مجرد متاع، ويعطل قدراتها ومواهبها، لذا طالبت بإلغائه أو التخفيف منه، والاقتباس عن الزي الأوروبي دون وقوع في الابتذال.

اقرأ أيضا: سعيدة المنبهي… ثورية لم يقتلها الموت 2/1

واجتهدت عضوات الجمعية من خلال مقالاتهن في جريدة الرأي العام أو المقابلات واللقاءات في تقديم مفهومهن للباس، وهو ما بدأ يلاقي صداه عند عدد من الفتيات.

لكن… ما كان لهذه الدعوة أن تمر دون استفزازات، إذ كثيرا ما تم التعرض “للمتبرجات”، من طرف الرجال بالعنف اللفظي والمادي أحيانا. هذا الأمر دفع المنظمة إلى رفع تقرير خاص للسلطان محمد الخامس وإلى باشوات المدن، وذلك بهدف حماية المرأة وردع المتحرشين، والمطالبة بتأسيس حرس خاص في الشوارع يسهر على حماية المرأة من التعرض لأي شكل من أشكال العنف المادي أو المعنوي.

كما اهتمت المنظمة بترسيم الزواج لضمان حقوق المرأة والأطفال، وراسلت وزارة العدل من أجل تنصيب عدلين في كل قرية ومدينة لتولي عقود الزواج، ومنع تزويج الفتيات قبل سن السادسة عشرة، ومنع تعدد الزوجات إلا في حالات استثنائية، وتنظيم قوانين الطلاق والحضانة بما يكفل كرامة المرأة المغربية.

كانت هذه إذا أبرز أفكار وتصورات منظمة أخوات الصفا، والتي ناضلت من أجلها منذ فترة الحماية. لكن، وبعد الاستقلال… ستعرف المنظمة تحولات أخرى، نتعرف عليها في الجزء الثالث والأخير من هذا الملف.

 

لقراءة الجزء الأول: أخوات الصفا: تاريخ ومطالب أول منظمة نسائية متقدمة (1/3)

لقراءة الجزء الثالث: منع التعدد، منع تزويج الصغيرات، إلغاء المهور، فتح أبواب الجيش الملكي للنساء: هذه بعض مطالب “أخوات الصفا”، أول منظمة نسائية مغربية متقدمة (3/3)

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *