التسامح: هل يمكن القضاء على اللاتسامح “الشعبي”؟ 3/3 - Marayana - مرايانا
×
×

التسامح: هل يمكن القضاء على اللاتسامح “الشعبي”؟ 3/3هذا أخطر أنواع اللاتسامح وأكثرها شيوعا في المجتمعات.. وهكذا يمكن مواجهته! الجزء الثالث

رأينا في الجزء الأول أن اللاتسامح “الشعبي” الأكثر خطورة، كما قدمنا تسويغا لهذه الفكرة بالاعتماد على كتاب “أعداء الحوار.. أسباب اللاتسامح ومظاهره”، وتوقفنا في الجزء الثاني عند شخصية “اللامتسامح” التي …

رأينا في الجزء الأول أن اللاتسامح “الشعبي” الأكثر خطورة، كما قدمنا تسويغا لهذه الفكرة بالاعتماد على كتاب “أعداء الحوار.. أسباب اللاتسامح ومظاهره”، وتوقفنا في الجزء الثاني عند شخصية “اللامتسامح” التي تتميز من بين سمات أخرى، بقدرتها على التعميم وبالإحساس القطعي بصواب رأيها. رأينا أيضا أن اللاتسامح في العادة “قاس”، بينما اللاتسامح ينخره “النفاق”. في هذا الجزء، الثالث والأخير، نكتشف مختلف السمات المغلوطة التي يفهم بها الآخرون شخصية المتسامح، كما نورد رأي امبرتو إيكو الذي يعتبر فيه التربية كأساس للقضاء على اللاتسامح “الشعبي”.

المتسامح والفهم المغلوط

قد يظن البعض أن المتسامح إنسان ذو عقلية متفتحة ومنفتح تجاه الآخر. للتعبير عن هذا التوجه، يستخدم الأنجلوسكسونيون مصطلح “متساهل”، أو “ليبرالي”. بالمقابل، يرى البعض الآخر أن المتسامح إنسان سهل الجانب إلى درجة كبيرة، وبإمكانه تحمل قدر كبير من الظلم دون تذمر.

كلا الرأيين، في نظر مايكل أنجلو ياكوبوتشي الذي تطرقنا لكتابه في الجزء الأول، غير صحيحين. فالتسامح، وفق الأخير، يقع بين هذا وذاك؛ أي في منطقة رمادية اللون. فهو حل وسط ومنزلة بين التفهم الكامل والرفض التام، وهكذا يتأرجح دائما بين هذين القطبين.

إيكو: التسامح ليس سلوكا طبيعيا، إنما هو نتاج ثقافة وتربية… ومنطلق بلوغه كهدف هو الطفولة، بتربية الأطفال على قبول أوجه الاختلاف.

التسامح لا يعني تساهلا أو إرضاء للذات. وفق ذلك، لا يجب الخلط بينه وبين اللامبالاة. إذا كان قبول شيء ما راجع لكونه لا يمسنا من قريب أو بعيد، ولا يخلق لنا مشاكل، فلا يمكننا أن نسميه تسامحا، حسب ذات الكتاب.

عنصر التحمل، إذن، يعد بهذا الصدد مكونا أساسيا، فمصطلح “تسامح” اشتق من الفعل اللاتيني “يتحمل”، Tolerare، أي بمعنى تحمل أقصى درجة توتر يمكن لجسم ما أن يتحملها قبل أن يصل إلى نقطة الانهيار.

لكن هذا لا يعني، حسب كتاب “أعداء الحوار.. أسباب اللاتسامح ومظاهره”، أن التسامح يستوجب الاستغناء عن اليقينيات الشخصية الراسخة، إنما فقط الاستغناء عن ترسيخها بوسائل مغايرة لوسائل الإقناع. وهو ما يطلق عليه المؤرخ التونسي، محمد طالبي[1] ، “التحمل الرضائي”.

اقرأ أيضا: “بعض من كلام: أمبرطو إيكو، عيوش، الكلاب والحمار… بالدارجة الفصحى!!”

عادة، لا يلقى هذا الجانب الاهتمام الذي يستحقه، فما يمنح التسامح معناه الحقيقي هو فاعليته العملية. التسامح يصبح له معنى فقط في وجود تناقض؛ أي عندما نقابل سلوكيات وطرق تفكير غير متوائمة، وفق ما يؤكده الكاتب دائما.

التربية، كمدخل للقضاء على اللاتسامح “الشعبي”

حسب أمبرتو إيكو، يجب أن نضع نصب أعيننا النضال من أجل خلق سياسية للتسامح، كما بإمكاننا ألا نتقيد بمصطلحات بعينها، إذ يمكن أن نستخدم عبارات أخرى من قبيل “قبول أوجه الاختلاف”، مثلا.

الهدف الأسمى للتسامح، ونبذ اللاتسامح، هو إيجاد حد أدنى من التعايش.

فالتسامح بالمعنى الذي يورده الكتاب، ليس سلوكا طبيعيا، إنما هو نتاج ثقافة وتربية، تماما كما يتعلم الإنسان ألا يسرق أو يقتل. ومنطلق بلوغ هذا الهدف، نسبة إلى ما يراه إيكو، هو الطفولة. هذا الأخير يدعو إلى تربية الأطفال على قبول أوجه الاختلاف.

اللاتسامح، وفق السيميائي الإيطالي، مثله مثل العنف، ليس بمرض، بل استعداد طبيعي للنفس البشرية. فالطفل مثلما يرغب في تملك كل ما يعجبه إذا ما استطاع إلى ذلك سبيلا فهو، عادة، ما يتفاعل بشيء من الضيق مع كل ما هو غير مألوف أو مختلف.

اقرأ أيضا: “في عاشوراء، المسلمون في واد والمغاربة في واد آخر..”

إيكو يؤكد أنه يجب تربية الأطفال على إدراك أن بعض الجيران أو زملاء الدراسة ليسوا مثلهم، فلون بشرتهم مختلف، وعيونهم ضيقة، والشعر أكثر تجعيدا ونعومة، يأكلون أشياء غريبة، ولا يحتفلون بطقس ديني ما.

ويضيف: “ينبغي القول للأطفال إن البشر يختلفون كثيرا فيما بينهم، وينبغي أن نشرح لهم جيدا في أي شيء يختلفون، ولماذا؟ لكي نظهر لهم فيما بعد أن تلك الاختلافات من الممكن أن تكون أحد مصادر الثراء”.

بإيجاز، يخلص الكتاب إلى أن الهدف الأسمى للتسامح، ونبذ اللاتسامح، هو إيجاد حد أدنى من التعايش.

لقراءة الجزء الأول: هذا أخطر أنواع اللاتسامح وأكثرها شيوعا في المجتمعات… وهكذا يمكن مواجهته! 3/1

لقراء الجزء الثاني: التسامح: مفهوم ينخره النفاق؟ 2\3


[1] محمد الطالبي، (1921-2017)، كاتب ومؤرخ تونسي، اشتهر بمواقفه المثيرة للجدل التي حاول من خلالها إعادة فهم الإسلام وتأويل القرآن.
تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *