محمد أمنصور: زاكورة أرض النزول: أو تمرين صغير في السياسة الثقافية - Marayana - مرايانا
×
×

محمد أمنصور: زاكورة أرض النزول: أو تمرين صغير في السياسة الثقافية

ماذا فعل مغرب الإنصاف والمصالحة للحيلولة دون أن يتحول مخيال الأطفال والتلاميذ الصغار الذين ولدوا ونشأوا وترعرعوا في بيئات المعتقلات السرية لسنوات القرطاس إلى مرتع لجروح وعقد الماضي الملطخ بعار المعتقلات السرية (أكدز/قلعة مكونة/قلعة تاكونيت/تازمامارت(…)؟

1 ـ مبادرة عميقة وهادفة تلك التي أقدم عليها بيت الرواية في زاكورة الذي يشرف عليه الأديب عبد العزيز الراشدي وزملاؤه. استقدام ستة كتاب من أجيال مختلفة يتوسط عقدهم القطب عبد القادر الشاوي لإجراء حوار مفتوح مع تلاميذ وأبناء المنطقة. لم يتوقع المدعوون أن تتفرق بهم السبل عبر مدارس متباعدة في نواحي زاكورة لينخرطوا في أوراش تلاميذية حافلة بالمفاجآت الصغيرة قبل أن يتم لم شملهم من جديد ليلا في مقهى أدبي لقراءة مقاطع من نصوصهم الروائية أمام الحاضرين (…).

2 ـ إحدى تلك المدارس تحمل اسم تنزولين، وقد ترجمها مرشدنا بأرض النزول قبل أن يضيف شارحا:

ـ إنها إحالة إلى طريق القوافل القديمة التي جعلت من إقليم زاكورة موقعا عبوريا يربط بين مدينة مراكش وتمبوكتو.

أما المفاجأة السارة، فجاءت من هؤلاء التلاميذ أنفسهم الذين أضفوا ببراءتهم ودهشتهم وفضولهم المعرفي حماسا وحفاوة منقطعة النظير بكتاب قدموا إليهم من عالم آخر (لغة عربية سليمة. أسئلة حارقة. ذكاء حاد وانتباه للتفاصيل مثير للانتباه (…).

3 ـ فجأة، ودون سابق إشعار، وجد الروائيون أنفسهم في خضم تمرين صغير في السياسة الثقافية يهدف إلى المساهمة في فك العزلة عن تلاميذ الجنوب الشرقي من تراب المملكة. أطفال حكم عليهم القدر الجغرافي بمضاعفات ذاكرة مكان شيدت في مداره إحدى أكبر المعتقلات السرية لسنوات القرطاس (أكدز). وكم كان إحساس هؤلاء التلاميذ بالاعتزاز كبيرا عندما دعوتهم للإجابة على سؤال:

ـ أيهما يمثل المغرب الحقيقي أكثر من الآخر: الدار البيضاء أو زاكورة؟

لم يتوقعوا انحيازي لزاكورة وأنا أرافع دفاعا عن أصالة نمط العمران الذي يميز هذا الجزء الجنوبي الشرقي من المغرب. بنايات وبيوت واطئة تقليدية من طين. تجانس في اللون الترابي ـ الصحراوي للمنطقة بين المنازل وأسوار القصبات والأبراج والطرقات غير المزفتة. غياب العلو. نموذج عمراني أصيل يحمل قيما جمالية ألصق بإنسان المنطقة  وسحر الطبيعة، ما يجعله الأقرب إلى تمثيل المغرب في عمقه الصحراوي؛ إن لم يكن هو المغرب الحقيقي وليس الدار البيضاء بمظاهرها الاقتصادية العملاقة التي لا تعدو أن تكون كشكولا مختلطا من مظاهر لحداثة غربية معطوبة (…).

4 ـ  ثمة ميزانيات تصرف في أنشطة فلكلورية ومهرجانات لا تخلو من ضجيج، لكنها في النهاية لا تفلح في تحقيق أية نتائج تذكر على صعيد إبراز تنوع الموروث الثقافي والفني المغربي، أو حماية ذخائر التراث اللامادي، أو تنشيط الدبلوماسية الثقافية للبلد، أو الإسهام في تنمية الجهات من قريب أو بعيد. بينما أكد هذا التمرين التنظيمي الصغير أن بالإمكان نهج سياسة ثقافية تشاركية تقوم على عقد شراكات واتفاقيات بين قطاعات حكومية (وزارات التعليم والرياضة والثقافة و السياحة…) وغير حكومية (المجتمع المدني) يكون هدفها الأول فك العزلة عن أطفال ومواطني المناطق والجهات البعيدة عن المركز. أما المغزى الجميل من تنظيم مثل هذا النشاط، فيكمن في كونه يحقق ما لا تحققه الميزانيات المنفوخة تحت شعار التنمية الجهوية من أهداف (…).

5 ـ ثمة أسئلة حارقة تنتظر من يجيب عليها:

ـ أية برامج ثقافية وتربوية وتنموية سطرها مغرب المصالحة لتحرير ذاكرة المكان والإنسان من لعنة معتقلات العار السرية التي شكلت مقابر للأحياء ـ الموتى في ما يسمى المغرب غير النافع؟

ـ متى يأتي اليوم الذي نلمس فيه نتائج حقيقية لبرامج حقيقية سياسية واقتصادية وثقافية وتنموية تسطرها الحكومات المتعاقبة بجحافل وزاراتها لإدماج تلك الأجساد الصغيرة والأرواح الكبيرة ضمن النسيج التنموي الوطني؟

ـ ماذا فعل مغرب الإنصاف والمصالحة للحيلولة دون أن يتحول مخيال  الأطفال والتلاميذ الصغار الذين ولدوا ونشأوا وترعرعوا في بيئات  المعتقلات السرية لسنوات القرطاس إلى مرتع لجروح وعقد الماضي الملطخ بعار المعتقلات السرية (أكدز/قلعة مكونة/قلعة تاكونيت/تازمامارت(…)؟

نقطة عودة إلى السطر!

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *