من مصر، منى حلمي تكتب: أكذوبة التفكير العلمي الذي ينقصنا للتقدم - Marayana - مرايانا
×
×

من مصر، منى حلمي تكتب: أكذوبة التفكير العلمي الذي ينقصنا للتقدم

لست أدري، ما العلم الخطير الهائل الحديث الذي نحتاجه، لتوفير علاج صحي آمن للفقراء في القرى والمدن؟ وتجهيز المستشفيات الحكومية في الأطراف النائية، بكل معدات الإسعافات الأساسية للحياة؟

وما هو “التفكير العلمي” الفظيع الذي ينقصنا، لننتج ما نأكله، ونقلل من الزيادة السكانية، ونمنع تلوث البيئة بالضوضاء والعادم؟ وما هو “التفكير العلمي” الغائب، حتى نلغي طاعة المرأة للرجال؟

بين كل فترة وأخرى، تخرج علينا “الموضات” الفكرية، بالضبط مثل الموضات في الأزياء. وأنا طوال عمري، لم أحب أية موضة فكرية، معلبة، جاهزة، صممها آخرون، يُقال عنهم “خبراء”، ولم يحدث أنني لبست ثوبا حسب تقليعات باريس، روما، أو لندن.

كنت ألبس من الأفكار ما يتناغم مع عقلي، الذي يشك في كل الأشياء حتى في نفسه. وألبس من الأزياء ما ينسجم مع قوامي، وألواني المفضلة، وحالتي المزاجية.

من “الموضات” الفكرية، التي لم أقتنع بها، ولم أحبها، مقولة تتردد على الألسنة، وكأنها في مقام النشيد الوطني، أو القسم المقدس، وهي أننا “لن نتقدم إلا بسيادة التفكير العلمي”.

“التفكير العلمي”، هو المفتاح السحري الذي ينقصنا، حتى نلحق بالأمم التي سبقتنا، في سباق الحضارة.

أولا، لست مقتنعة بمسألة “السباق الحضاري” أصلا. بمعنى أنني أريد أن أتقدم، وأحسن من أحوالي، وأرتقي بحياتي، ليس لأنني في سباق، وأريد أن أكسبه، وألحق بمنْ يسبقني، ولكن لأنني أرى أن التقدم، وتحسن الأحوال، والرقي بحياتي، من علامات الوجود الإنساني المشرف.

ثانيا، أعتقد أن ما نفتقده، بل ويفتقده العالم، هو “التفكير العادل”، وليس “التفكير العلمي”.
ودعوني أعطيكم مثالا.

قرأت خبرا في إحدى المطبوعات المصرية، عن دراسة مصرية حديثة، توضح أن النساء غير المتزوجات، أكثر عرضة للمرض العقلي، وفسرت ذلك على أنه، نتيجة الشعور بعدم الاستقرار والوحدة، والغيرة من النساء المتزوجات وافتقاد الدفء العاطفي الحميم.

يكمن القصور هنا، في إغفال وتجاهل “مسؤولية” المجتمع، في ما تشعر به المرأة غير المتزوجة من أحاسيس “سلبية”، تضر بصحتها النفسية والعقلية، حيث “ثقافتنا العربية” مبنية على رفض ونبذ واستنكار واتهام للمرأة غير المتزوجة.

إذا لم يتزوج الرجل، قد يفقد دفء الأسرة، لكنه لا يفقد دفء المجتمع. لكن المرأة غير المتزوجة تفقد الاثنين، دفء الأسرة ودفء المجتمع. ويربى الرجل العربي على حرياته المطلقة، داخل الزواج وخارجه.

في ظل هذا الحصار الشرس، وازدواجية القيم الفاسدة، تحتاج المرأة غير المتزوجة، إلى قوة خارقة، وإلى أسلحة استثنائية لتستمر، حتى لا يصيبها اضطراب عقلي أو نفسي.

كما أن القضية ليست الزواج أو عدمه، القضية هي: أي نوع من الزواج؟ ما غايته وما دوافعه؟

هناك نساء كثيرات متزوجات، ومحرومات من الدفء والاستقرار والأمان، يشعرن بالبرودة والإحباط والوحدة والكبت العاطفي والجنسي، وهن في رفقة أزواجهن.

هل يوجد في الزواج استقرار ودفء وأمان للزوجة، والزوج له حق تعدد الزوجات والطلاق الشفهي؟ وإذا خان، لا يعيبه شيء إلا جيبه؟

هناك دراسات كثيرة في مجال الطب النفسي، أثبتت أن المرأة المتزوجة المقهورة، أمام سلطة الزوج، أكثر شعورًا بالاكتئاب والملل وعدم التحقق عن المرأة غير المتزوجة.

بالتالي كان يجب على الدراسة “العلمية”، أن تفسر النتائج بـ “التفكير العادل”. العلم، ربما يرصد الظواهر، لكن “التفكير العادل”، يفسرها للوصول إلى الحقيقة، والتغيير إلى الأفضل. و”الأفضل” بالضرورة هو “عدالة” التفكير.

“مش مهم العلم، المهم الشخص اللي ورا العلم”.

علم بدون عدالة، من الأفضل أن “نبله ونشرب ميته”. علم بدون عدالة، مكانه هو سلة المهملات. علم بدون عدالة، ضياع للوقت والجهد والحقيقة والمال.

علم بدون عدالة، أدى إلى الإجرام والتعاسة، وأنتج الديناميت وأسلحة الدمار الشامل والقنابل النووية، وتمويل المنظمات الدينية الإرهابية. علم بدون عدالة، أنتج كماليات ترفيهية لا نحتاج اليها حقا، بينما هناك ضرورات للحياة، الغالبية محرومين منها. علم بدون عدالة، تبرير وتقنين وترسيخ، لعالم يقتل الإنسانية في جوهرها.

لست أدري، ما العلم الخطير الهائل الحديث الذي نحتاجه، لتوفير علاج صحي آمن للفقراء في القرى والمدن؟ وتجهيز المستشفيات الحكومية في الأطراف النائية، بكل معدات الإسعافات الأساسية للحياة؟

وما هو “التفكير العلمي” الفظيع الذي ينقصنا، لننتج ما نأكله، ونقلل من الزيادة السكانية، ونمنع تلوث البيئة بالضوضاء والعادم؟ وما هو “التفكير العلمي” الغائب، حتى نلغي طاعة المرأة للرجال؟

وما هو “العلم الحديث” الذي نفتقر إليه، لتنظيف الشوارع من القمامة، وتنظيف عقولنا من الأوهام، والخرافات، والجشع، والكذب، والبيروقراطية، وحب التملك، والوصاية الدينية؟؟  وما “العلم” المفقود، لردم مستنقع آسن، أو إغلاق “بلاعة” خطرة، أو محو قوانين ضد المواطنة، أو تغطية سلك كهرباء عار، يقتل الصغار والكبار؟

وأي علم هذا الذي يعلمنا الأدب والتهذيب والرقي في الحوار والنقاش، مع المخالفين لنا قلبا وقالبا؟

“بيزنس” كبير مربح، اسمه إرهاب “البحث العلمي”، كل عصر يظهر بموضة مختلفة اللهجة والشكل، تُرصد له ميزانيات ضخمة، ومكاتب مكيفة الهواء، وعمالة أنيقة المظهر، رفيعة الشهادات، تبحث وتدرس، لإعادة إنتاج الأوضاع غير العادلة.

 

الشِعر خاتمتي

لا عزاء

 

منذ أن لفظني رحم أمي

لا وطن يريد الانتماء

إلى طول قامتي ولون عيوني

لا حلم يؤنسه النوم على وسادتي

لا أوراق هوية ترضى التوقيع

على جينات جنوني

منذ أن لفظني رحم أمي

إلى هذا العالم

وأنا أرفض إعادة صياغتي

منذ أن لفظني رحم أمي

وأنا أنتظر رجلا

يحبني كما أنا

لا يسألني عن ديانتي وفصيلة دمي

وأرقام حساباتي في البنوك

يتحملني عندما لا أُطاق

حين تجتاحني أعاصير الضجر

يحملني إلى أمان الدهشة

يفهمني حتى عندما أكون

متناقضة الفكر والسلوك

يعد لي فنجان قهوتي ويتركني

أسافر وحدي إلي مدن الشِعر

لا يغار من ملهم القصيدة

وإن أنساني دائما موعد العشاء

منذ أن لفظني رحم أمي

إلى هذا العالم

أشعر أنني اُقتلعت من أرضي

تائهة ضائعة

ولا شيء حولي يمنحني العزاء

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *