كتائب الفنية العسكرية. حكاية انقلاب… على خطى سيد قطب1/2
قبل الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد الإسلامي، وقبل مختلف تلاوين الرعب التي أعلنت عن نفسها بعد ذلك من القاعدة إلى داعش، كانت هناك جماعة تقتفي أثر سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، وتخطط لقلب النظام في مصر أيام السادات.
جماعة، عرفت باسم “كتائب الفنية العسكرية”… وهذه بعض من حكايتها
شهد النصفُ الثاني من القرن العشرين تحولات فكرية على الساحة السياسية المصرية، لاسيما على مستوى التنظيمات الإسلامية التي تبنت استراتيجية الانقلاب المُسلح على النظام الجمهوري المصري، بعدما اقتنع غالبية رموزها، أن الإصلاح السلمي والوصول لتطبيق ما يعتبرونه، الغاية الإسلامية، أصبح أمرا صعبا، في ظل وجود ما اعتبروه، “جنرالات طاغية”.
هذه القناعة، ترسخت أكثر، عام 1966م بعدما أصدر القضاء المصري في عهد عبد الناصر، حكما بإعدام سيد قطب ومن معه، لتتحول دماؤهم إلى استراتيجية مسلحة في سواعد من يسعى إلى تطبيق ما يعتبرونه، الشريعة الإسلامية، كلّ حسب مرجعيته في التطبيق.
نجح صالح سرية في تكوين تنظيم مُتعدد الجغرافيا… من بورسعيد شرقاً إلى الإسكندرية غرباً إلى قنا جنوباً وصولا إلى القاهرة والجيزة قلب الجمهورية المصرية، وكان من أهم رفاقه في المجموعة: “كارم الأناضولي” الذي تولى قيادة المجموعة التنفيذية للعملية، و”طلال الأنصاري، الذي تولى بدوره قيادة مجموعة الإسكندرية.
كانت الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد الإسلامي أبرز الجماعات المسلحة التي واجهت النظام المصري في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، ولكن قبل ذلك… في السبعينيات، ظهرت مجموعة تُعرف بـ “كتائب الفنية العسكرية”، قادت أول محاولة انقلاب مسلح ضد النظام المصري.
فكيف تكونت تلك المجموعة ومن تولى قيادتها، وما المرجعيات الفكرية والشرعية لديها؟ وما هي خطة الانقلاب وإلى أين انتهى الأمر بها؟
1ــ النشأة، الأهداف والمرجعية الفكرية.
أــ النشأة والأهداف
رحل عبد الناصر وخلفه السادات… الذي جاء إلى سلطة الحكم باستراتيجية أخرى، عنوانها، “انفتاح” الحياة العامة أمام الإسلاميين باختلاف إيديولوجياتهم، لمواجهة المدَّ الشيوعي واليساري التقدمي، ممَّا سمح للإسلاميين بالتوغل والتجمع على شكل هياكل صغيرة مكونة من عشرات الشباب.
إقرأ أيضا: الطريق إلى الإرهاب: تهافت الفكر القطبي ونتائجه الكارثيّة
مجموعة الفنية العسكرية، كانت من ضمن تلك الهياكل…
هي مجموعة… تشكلت تحت قيادة “صالح سرية”، وهو فلسطيني الجنسية أتى إلى مصر ليعمل بالجامعة العربية عام 1971م.
نجح سرية في تكوين تنظيم مُتعدد الجغرافيا… من بورسعيد شرقاً إلى الإسكندرية غرباً إلى قنا جنوباً وصولا إلى القاهرة والجيزة قلب الجمهورية المصرية، وكان من أهم رفاقه في المجموعة: “كارم الأناضولي”[1] الذي تولى قيادة المجموعة التنفيذية للعملية، و”طلال الأنصاري”[2]، الذي تولى بدوره قيادة مجموعة الإسكندرية.
كان هدف التنظيم الأول، هو الاستيلاء على الحكم بانقلابٍ عسكري على السلطة الحاكمة، عن طريق اغتيال السادات أو اعتقاله وإعلان جمهورية أخرى تدعو إلى “تحكيم شرع الله في الدولة المصرية”.
ب ــ المرجعية الفكرية.
تمحورت أهم أفكار سرية ومجموعته فيما يلي:
– أن الجهاد في سبيل الله هو السبيل لتطبيق الشريعة ولا مكان للعمل الإصلاحي السلمي في ظل تلك الحكومات.
– يجوز للمسلم الدخول في العمل الحزبي والتغلغل داخل الدولة إن كان الهدف من ذلك إحداث تغيير مسلح على المدى البعيد وإقامة دولة تحكمُها الشريعة الإسلامية.
– كَفَر الحكام وجَهَل المجتمع واعتبر ديار الإسلام ديار كفر لأنها لا تحكم بما أنزل الله، بل تحكم بقوانين وضعية شَرَّعها المستعمر وعُين الطاغي ليحميها ويقتل من يرفع راية الإسلام.
– من يعترض على الإسلام وقوانينه كما يراها الإسلاميون، هو متفوه عن الإسلام بالتخلف والرجعية فهو كافر لا يرتضى الإسلام كدين من الأساس.
كانت الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد الإسلامي أبرز الجماعات المسلحة التي واجهت النظام المصري في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، ولكن قبل ذلك… في السبعينيات، ظهرت مجموعة تُعرف بـ “كتائب الفنية العسكرية”، قادت أول محاولة انقلاب مسلح ضد النظام المصري.
– كل من ينفذ أوامر الحاكم الكافر ويعينه على من يرفع راية لا إله إلا الله ويحارب من يُرِيد إقامة شريعة الإسلام فهو كافر يصدُ عن سبيل الله في الأرض.
– كل القوانين الوضعية التي تخل بمبادئ الإسلام هي قوانين بشرية، من ساعد في وضعها وارتضاها ونفذها ولم ينكرها فهو كافر يخالف شريعة الإسلام الإلهية.
كانت أفكار تلك المجموعة تتقاطع مع أفكار سيد قطب وأبو الأعلى المودودي في مفهوم الحاكمية والمجتمع الجاهلي، حيث إن المجتمعات والأنظمة التي تفعل المنكرات، بل تحميها وتساعدها هي، بحسب هذا الفهم، مجتمعات كافرة[3]، يجب تغيير نظام حكمها بالجهاد وقوة السلاح، إلى أن ألف سرية كتابا سماه “رسالة الإيمان” الذي شمل أحكام كثيرة تضم فهمه الخاص للإسلام والجهاد والعمل المسلح ضد الدولة، حيث اعتبره كثيرٌ من الجهاديين والمتطرفين المعاصرين، مرجعا فكرياً للعمل الإسلامي الذي وصف فيه الحكم القائم في جميع بلاد الإسلام المعاصرة بأنه حكمٌ كافٌر بالقطع[4].
إقرأ أيضا: الطريق إلى الإرهاب: واجب الجهاد ضدّ الجاهلية الجديدة
… اكتملت المجموعة…
باتت الأفكار مرتكزة في العقول والهدف قد خُطط له عن طريق المجموعات التي قسمها سرية ومن معه، وكل واحدة منها على رأسها قيادة… لتبدأ خطة الاغتيال واستلام الحكم.
وهذا ما سنتابعه في الجزء الثاني من هذا الملف.
[1] كارم الأناضولي: الذراع الأيمن لصالح سرية في تأسيس وإدارة تنظيم الفنية العسكرية
[2] طلال الأنصاري: يعد طلال عبد المنعم الأنصاري واحدا من أهم قيادات تنظيم الفنية العسكرية بعد صالح سرية وهو ابن الشاعر السكندري الراحل عبد المنعم الأنصاري، وهو من مواليد محافظة الإسكندرية عام 1941
[3] رفعت سيد أحمد: وثائق تنظيمات الغضب الإسلامي – ص 60 – 63.
[4] رسالة الإيمان – صالح سرية.