يوبا الثاني وكليوباترا … حكاية ملكين مغربيين
إلى اليوم، لازالت شخصية يوبا الثاني وكليوباترا سيليني محل شد وجذب بين الباحثين، إذ أن هناك من رفض قصة زواجهما، واعتبرها مختلقة، لأن المصريين يرفضون الامتزاج مع الأجنبي، وفي نفس الوقت يقرون زواج كليوباترا بأنتوني! والبعض الآخر أقر قصة الزواج برعاية ومباركة رومانية، باعتبارهما مجرد تابعين لروما.
بين كلا السردتين، ثمة أوجه من الحقيقة مستترة تحتاج إلى إعادة الكشف والحفر، وقد تميط اللثام عن جزء آخر غير مكشوف من تاريخ المغرب، أريدَ له أن يبقى مطموسا للآن.
يعتبر البحث في تاريخ المغرب القديم مجالا محفوفا بالمعيقات المعرفية، وذلك بسبب ندرة المصادر وتضاربها، وخضوعها لعدد من عمليات الأدلجة؛ خاصة في المرحلة الكولونيالية، حيث وجهها تصور ينطلق من تفوق الضفة الشمالية للمتوسط، ويعتبر الضفة الجنوبية مجرد ملحقة به.
كان لهذه النظرة دور أساسي في جعل أي محطة أو شخصية نبعت في المنطقة، إلا ووجب البحث عن جذور وارتباط لها بالقارة الأوروبية.
في هذا الصدد، يشكل يوبا الثاني وزوجته كليوباترا سيليني نموذجا لهذا الأمر، ولما تعرضت له سيرتهما من محاولات تقزيم.
في هذا المقال، نسلط الضوء على سيرة الملك العالم يوبا الثاني وزوجته كليوباترا، ونرصد بعضا مما اعترى هذه السيرة من تقزيم أو تشويه.
لا يمكن الركون إلى هذه الصورة أو الاطمئنان إلى مصداقيتها التاريخية، خاصة في ظل غياب أدلة قوية تعضد هذه الرواية؛ إذ كيف ليوليوس قيصر، الذي ناصب يوبا الأول العداء، ودارت بينهما حروب طاحنة، أن يأخذ معه يوبا الثاني، “ليتعهده” بالتربية والتعليم حسب السردية السائدة؟ مجرد سؤال من بين سلسلة أسئلة تحاصر السردية التي تم ترسيخها في الفترة الكولونيالية.
تجب الإشارة إلى أن المصادر التاريخية التي يتم الاعتماد عليها لتأريخ هذه الفترة، تعرف كثيرا من الإشكالات، إذ أن أغلبها لم تخضع لعمليات تحقيق علمية ودقيقة، عدا عن إشكاليات التأريخ والتوطين وغيرها، ليظل، بذلك، جزء كبير من الحقيقة في الحاجة إلى اعادة استكشاف.
يوبا الثاني من أسير حرب إلى ملك
حسب المصادر التاريخية، فقد شهدت روما حربا أهلية ضروسا بين يوليوس قيصر وبومبي، استمرت سنوات، اختار خلالها يوبا الأول –والد يوبا الثاني- أن يناصر بومبي، بسبب عداوته مع قيصر الذي كان أحد أعداء والده.
تسرد المصادر عددا من التفاصيل المتعلقة بنزول يوليوس قيصر في أرض إفريقية (تونس) وحربه مع يوبا الأول، الذي استعمل الفيلة، (في اجترار لقصة حنبعل مع تغيير بعض المواقع).
تمكن يوليوس قيصر، بعد معارك عديدة، من هزم جيش يوبا الأول سنة 46 ق.م في معركة ضارية، في طابسوس. بعض الكتابات صورت نهاية يوبا الأول بشكل درامي، إذ أنه فر إلى عاصمته زاما، التي رفض سكانها فتح أبوابها له خوفا منه، ليلتجئ إلى أحد الأماكن النائية. هناك، هلك بسبب إكثاره من تناول الخمر حزنا على هزيمته. في نفس الوقت، رحبت زاما بيوليوس قيصر، الذي دخلها وأخذ أسرة يوبا رفقته صوب روما، ومن بينهم يوبا الثاني.
لا يمكن الركون إلى هذه الصورة أو الاطمئنان إلى مصداقيتها التاريخية، خاصة في ظل غياب أدلة قوية تعضد هذه الرواية؛ إذ كيف ليوليوس قيصر، الذي ناصب يوبا الأول العداء، ودارت بينهما حروب طاحنة، أن يأخذ معه يوبا الثاني، “ليتعهده” بالتربية والتعليم حسب السردية السائدة؟ مجرد سؤال من بين سلسلة أسئلة تحاصر السردية التي تم ترسيخها في الفترة الكولونيالية.
كليوباترا، من أسيرة حرب إلى ملكة
سرت الأخبار بذكر قصة الحب الشهيرة بين كليوباترا والقائد الروماني أنتوني (أنطونيو)؛ وهي قصة توجت بالزواج وإنجاب عدد من الأبناء، كانت الأنثى الوحيدة لهما هي كليوباترا سيليني، التي ولدت سنة 40 ق.م بمصر.
لم يكتب للأسرة العيش في هناء، إذ بعد وقت قليل، اندلعت المعارك بين أوكتاف وأنتوني، وجرت معارك دامية، انهزم فيها الثنائي العاشق (كليوباترا وأنتوني) في المعركة البحرية لأكتيوم سنة 31 ق.م. تقدم أوكتاف في أرض مصر، مطاردا لهما، فقتل أنتوني، بينما فضلت كليوباترا الانتحار سنة 30 ق.م على أن تقع في يد عدوها.
على غرار قصة يوبا الثاني، فقد قرر أوكتاف إحضار كليوباترا سيليني وإخوتها إلى روما، حيث وضعن في منزل أوكتافيا، أخت أوكتاف، التي كانت زوجة سابقة لأنتوني قبل أن يهجرها ويتزوج بكليوباترا ملكة مصر.
عاش يوبا الثاني وكليوباترا في القصر الامبراطوري، عند “قتلة والديهما !!”، وبرعا معا في الأدب والفنون والعلوم، لدرجة أن يوبا الثاني ألف عددا ضخما من الكتب، تجاوزت الأربعين، في الجغرافيا والتاريخ والفن والأدب والعلم والطب، كما أنه ألف عددا من المسرحيات.
إذا كانت أعماله قد ضاعت، فإن نصوص الكتاب اللاتينيين والإغريق حفظت لنا عددا من المقاطع والأجزاء. بل إن بليني الأكبر –الذي يعتبر من رموز إحياء الثقافة اللاتينية- اعتبره من أهم مصادره في كتاب التاريخ الطبيعي، وأشار إلى أن اسم يوبا الثاني لمع في العالم المعروف آنذاك كعالم أكثر منه كملك.
حسب الدراسات التي تناولت يوبا الثاني وكليوباترا سيليني، فإن هذه الأخيرة لم تكن مجرد زوجة ملك، بل شاركته الملك، وهو أمر ليس بالمستغرب وقتئذ؛ وكان لها تأثير كبير على سياساته، حتى إنها ظهرت إلى جانبه في عدد من العملات النقدية التي سكها يوبا الثاني –وإن كانت هذه الأدلة الأثرية تحتاج لمزيد من الدراسة والتحقيق-، كما شيد ضريحا ملكيا خاصا لهما، لازال قائما إلى اليوم.
نفس الأمر كان مع كليوباترا سيليني التي برعت في الأدب واللغة والاقتصاد، وهو ما جعل أوكتاف، بإلحاح من أخته أوكتافيا، يفكر في تزويجهما، وهو ما تم فعلا، ونصبهما على مملكتي نوميديا وموريطانيا.
حسب السردية الرسمية دائما، فقد تزوجت كليوباترا سيليني من يوبا الثاني، و لعبا دورا مؤثرا في الإمبراطورية الرومانية. تأثير دام لقرون، إذ أن حفيدتهما دورسيلا كان لها تأثير كبير في قرارات حكومة موريطانيا، خاصة فيما يتعلق بمشاريع التجارة والبناء.
خلال فترة حكمهما، أصبحت البلاد ثرية للغاية. أنجب الزوجان ابنا هو بطليموس الموريتاني. والذي أنجب بدوره ابنة حملت اسم دورسيلا، والتي ارتبطت بعلاقات مصاهرة كبيرة، حتى أن الملكة زنوبيا (ملكة تدمر) ادعت انحدارها من نسلها ومن نسل والدها بطليموس، الملك الموري.
حسب الدراسات التي تناولت يوبا الثاني وكليوباترا سيليني، فإن هذه الأخيرة لم تكن مجرد زوجة ملك، بل شاركته الملك، وهو أمر ليس بالمستغرب وقتئذ؛ وكان لها تأثير كبير على سياساته، حتى إنها ظهرت إلى جانبه في عدد من العملات النقدية التي سكها يوبا الثاني –وإن كانت هذه الأدلة الأثرية تحتاج لمزيد من الدراسة والتحقيق-، كما شيد ضريحا ملكيا خاصا لهما، لازال قائما إلى اليوم.
إلى اليوم، لازالت شخصية يوبا الثاني وكليوباترا سيليني محل شد وجذب بين الباحثين، إذ أن هناك من رفض قصة زواجهما، واعتبرها مختلقة، لأن المصريين يرفضون الامتزاج مع الأجنبي، وفي نفس الوقت يقرون زواج كليوباترا بأنتوني! والبعض الآخر أقر قصة الزواج برعاية ومباركة رومانية، باعتبارهما مجرد تابعين لروما.
بين كلا السردتين، ثمة أوجه من الحقيقة مستترة تحتاج إلى إعادة الكشف والحفر، وقد تميط اللثام عن جزء آخر غير مكشوف من تاريخ المغرب، أريدَ له أن يبقى مطموسا للآن.
مقالات قد تهمك
شارلمان والد أوروبا وقاهر المسلمين… صورة أسطورية كتبت على ضوء الإيديولوجيا
تاريخنا المجهول: مدينة البصرة المغربية… قصة ثاني عاصمة للأدارسة (صور)
مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: في قصر السلطان عبد الله بن إسماعيل… (الجزء الثاني)
هل وصل المسلمون إلى أمريكا قبل كولمبوس؟