آخر عملية مسلحة بالمغرب: قيادة الخارج: تندوف، البوليساريو… التيه الكبير 11\12الجزء الحادي عشر
لم يكن تيه القيادة في الخارج أقل من تيه مناضلي الداخل، فهناك على أرض الجزائر تاه التنظيم في خضم لعبة المخابرات بين المغرب والجزائر، وكانت البوليساريو تستعد لإطلاق رصاصاتها الأولى. تفاصيل تيه قيادة الخارج نتابعها في هذا الجزء
تناولنا في كل من الجزء الثامن والتاسع والعاشر من هذا الملف، الوضع في الخارج. نواصل في هذا الجزء الـ 11، متابعة الوضع في الجزائر، والخيارات التي كانت مطروحة أمام القيادة آنذاك.
انتهى كل أمل بنجاح الثورة. كان الفقيه البصري ومن معه واعون بأن الأحداث سارت على عكس ما كانوا يريدون، وأن حلم النجاح أصبح موؤودا. انفض كثير من الرفاق، وعادوا إلى ديارهم بعد أيام من التجمع في الجزائر العاصمة… راودهم فيها حلم الزحف.
في تلك اللحظة، قفز اقتراح آخر للواجهة: تغيير ميدان القتال، وفتح جبهة جديدة على النظام في المغرب.
تزامنت هذه الفكرة مع بداية موسم تندوف، الذي كانت تحضره القبائل الصحراوية، الخاضعة آنذاك للاحتلال الإسباني. أرسل الفقيه البصري آيت قدور وبنيحيى إلى الموسم، لجس نبض زعماء لقبائل. كانت الفكرة التي تراود الفقيه البصري هي إطلاق حرب تحريرية في الصحراء ضد اسبانيا المحتلة، ومن ثم… توجيهها ضد الحسن الثاني.
عاد الرسولان (آيت قدور وبنيحيى)، وأكدا للفقيه البصري وجود مؤشرات لنجاح الفكرة. لكن الأمر يستلزم مساندة من الجزائر أو، على الأقل، حيادا إيجابيا منها؛ فانطلقت المفاوضات مع السلطات الجزائرية التي كان ردها غامضا.
في الآن نفسه، بدأ التنظيم يتداول اسم المرشح لقيادة الحرب التحريرية، حيث قفز اسم الوالي مصطفى السيد، الذي كان قد جنده محمود بنونة في وهران، وانتقل الى ليبيا حيث تكون عسكريا.
حرب المخابرات بين المغرب والجزائر
كانت للجزائريين حساباتهم، فقد بدأت أعينهم تتجه صوب الصحراء في مرحلة مبكرة. لهذا أرسلوا رئيس الأمن الجزائري آنذاك، في رحلة إلى الصحراء، للتعرف على الأماكن الصحراوية، ودراستها والبحث في إمكانيات التنسيق مع القبائل الصحراوية. لكن رمال الصحراء ابتلعت رئيس الأمن الجزائري “الدراعيا” في رحلة تيه طويلة، أوقعته في أيدي القوات الاسبانية التي اعتقلته، وكادت أن تنشب حرب ديبلوماسية بين الجزائر وإسبانيا، قبل إفراج الأخيرة عنه.
اكتشف الجزائريون حينها أن لا علاقة لموحى بالصحراء، وأنه… مجرد رجل مخابرات مغربي. سارعت الجزائر إلى اعتقاله، لكنه تمكن من الفرار من الجزائر العاصمة… بجواز سفر مالي، قبل القبض عليه.
من جهة أخرى، استقطبت الجزائر مصطفى الوالي السيد، الذي كان محمود بنونة قد جنده، وكانت سلطات قصر المرادية تفكر في دعم حركة مسلحة بالصحراء، تضمن لها الهيمنة في مجال جغرافي كان بعيدا عنها لحدود تلك اللحظة. لكنها، في الآن نفسه، لم تكن تنظر بعين الرضا إلى الوالي السيد، فهو ابن الحركة الاتحادية، وقد وجه مذكرة لقادة الأحزاب الوطنية المغربية، كما أنه كان قريبا من القذافي.
في تلك الأثناء، ظهر شخص جديد على مسرح الأحداث. إنه إدواردو موحى، زعيم حركة الرجال الزرق، وهي حركة قيل إنها تضم عددا من الصحراويين الساعين إلى إطلاق جبهة تحريرية ضد إسبانيا.
تخلت الجزائر عن مصطفى الوالي السيد، وقررت دعم موحى. مرت أشهر قبل أن تكتشف المخابرات الجزائرية أنها… وقعت في فخ، نصبته لها المخابرات المغربية.
كانت الاستخبارات المغربية تتابع عن كثب تحركات الجزائر في الصحراء. لهذا، قامت بتجنيد موحى ادواردو، الذي حمل أسماء عديدة، وجعلته يوهم الجزائريين بأنه ينشد تحرير الصحراء، قبل أن يكتشفوا اللعبة.
اكتشف الجزائريون حينها أن لا علاقة لموحى بالصحراء، وأنه… مجرد رجل مخابرات مغربي. سارعت الجزائر إلى اعتقاله، لكنه تمكن من الفرار من الجزائر العاصمة… بجواز سفر مالي، قبل القبض عليه.
صدمة أخرى ستتلقاها الاستخبارات الجزائرية. فبعدما عاد الدراعيا، رئيس الأمن الجزائري حينها، من رحلته التي أوقعته في أيدي الإسبان، كلف آيت قدور الباهي بالتفاوض مع الدراعيا لدعم تحرك التنظيم العسكري في الصحراء. بمجرد مفاتحته في الأمر، اعتقد مدير الأمن الجزائري أن التنظيم كشف الخطة السرية للقيادة الجزائرية، وأن الفقيه البصري يقوم بخطة استباقية. لم يصدق الدراعيا أن الأمر محض صدفة تكتيكية، وليست تسريبا استخباراتيا.
انكشاف الخطة واختراق المخابرات المغربية، جعل الجزائر تعود لدعم مصطفى الوالي السيد، الذي أسس البوليساريو في 10 ماي 1973. بعدها بعشرة أيام، شن أول هجماته على مركز إسباني بالخنكا.
صباح الخميس 2 غشت سنة 1973 اجتمع الفقيه البصري، عبد الرحمن اليوسفي، آيت قدور، أحمد الطالبي، بنيحيى، عباس والخصاصي، لبحث الوضع الجديد. الثورة فشلت، والمئات من مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية زج بهم في المعتقلات والتنظيم السري داخل المغرب… قطعت أوصاله. كما أن حالة من الإحباط واليأس تسود أطره خارجيا.
للحصول على دعم أقوى، حاول الجزائريون الزج بالتنظيم السري في معركة البوليساريو، لكن الفقيه البصري ومن معه، أخذوا مسافة من الجبهة.
آنذاك، افترقت السبل. الجزائر والبوليساريو ساروا في طريق انضم لها القذافي فيما بعد، والتنظيم السري سار في طريق آخر ستقوده لرحلة من التيه.
إقرأ أيضا: بعد ربع قرن على اغتياله… روح آيت الجيد ما زالت تلاحق حامي الدين كمتهم مساهم في إزهاقها! 2/1
اجتماع الثاني من غشت
صباح الخميس 2 غشت سنة 1973 اجتمع الفقيه البصري، عبد الرحمن اليوسفي، آيت قدور، أحمد الطالبي، بنيحيى، عباس والخصاصي، لبحث الوضع الجديد. الثورة فشلت، والمئات من مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية زج بهم في المعتقلات والتنظيم السري داخل المغرب… قطعت أوصاله. كما أن حالة من الإحباط واليأس تسود أطره خارجيا.
تداول المجتمعون في الوضع. حملوا المسؤولية للخيانة التي فعلت فعلها في التنظيم، واخترقته على أعلى مستوى، فالميد والبشير الفكيكي لم يكونا بعيدين عن شبهة التواطؤ مع الاستخبارات المغربية.
من جهته، كان اليوسفي يبحث عن إنقاذ الحزب الذي أوجعته ضربات المخزن، فاقترح مواصلة العمل تحت اسم الجبهة الوطنية لتحرير المغرب، من أجل فك الضغط على مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وكذلك كان.
كان الاجتماع تنظيميا بنفس أشبه بالاحتضار، فقد كان فشل انتفاضة 1973 فشلا لأشياء كثيرة معه. كانت القيادة في مأزق.
بعدما انتهى الاجتماع، تفرق المجتمعون… وذهبت سدى كل محاولات جمع التنظيم.
في الجزء الثاني عشر والأخير من هذا الملف، سنتطرق لما عرفه التنظيم الحضري من اعتقالات، ولأطوار المحاكمة وتنفيذ الحكم.
تنويه:
اعتمد في إنجاز حلقات هذا الملف على المصادر التالية:
– كتاب “الثورة الموؤودة” لمحمد لومة.
– كتاب “أبطال بلا مجد” للمهدي بنونة (نجل محمود بنونة).
– كتاب “ثورة لم تكتمل” لمحمد التوزاني
– التقارير المرفوعة لقيادة التنظيم السري من طرف الناجين من الاعتقال
o تقرير سي إبراهيم
o تقرير القاضي
o تقرير النجار
– العدد رقم 3 من جريدة الاختيار الثوري، مارس 1976
– العدد رقم 14 من جريدة الاختيار الثوري، مارس 1977.
– لقاءات شفوية مع كل من:
o محمد التوزاني
o بعض أهالي المختطفين والمعتقلين من مجموعة مولاي بوعزة والتنظيم السري المحلي بخنيفرة
لقراءة الجزء الأول: في ذكرى تنفيذ الإعدام في حق بعض المشاركين فيها: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة بالمغرب (1/12)
لقراءة الجزء الثاني: في ذكرى تنفيذ الإعدام في حق بعض المشاركين فيها: في الطريق إلى انتفاضة 1973. خلافات رفاق السلاح (2/12)
لقراءة الجزء الثالث: في ذكرى تنفيذ الإعدام في حق بعض المشاركين في انتفاضة 1973: الطريق إلى السلاح (3/12)
لقراءة الجزء الرابع: في ذكرى تنفيذ الإعدام في حق بعض المشاركين في انتفاضة 1973: أولى الرصاصات (4/12)
لقراءة الجزء الخامس: معركة أملاكو ومقتل محمود بنونة (5/12)
لقراءة الجزء السادس: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: معركة السونتات (6/12)
لقراءة الجزء السابع: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: الخيانة (7/12)
لقراءة الجزء الثامن: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: تشتت قيادة الخارج (8/12)
لقراءة الجزء التاسع: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: معارك تنغير (9/12)
لقراءة الجزء العاشر: رحلة بني ملال: خيبة أمل ونجاة (10/12)
لقراءة الجزء الأخير: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: المحاكمة والإعدام (12/12)