عمر بن اعمارة يكتب: من واقعنا السياسي المؤلم
لا نعمم، بل نقصد عينة من الكائنات السياسية التي أصبحت، مع الأسف، تشكل الأغلبية والسائد. المشهد العام صار رهينة لكائنات سياسية هجينة عارية من كل مصداقية: أحزاب بلا هوية، بلا …
لا نعمم، بل نقصد عينة من الكائنات السياسية التي أصبحت، مع الأسف، تشكل الأغلبية والسائد.
المشهد العام صار رهينة لكائنات سياسية هجينة عارية من كل مصداقية: أحزاب بلا هوية، بلا حدود كالمراتع هي، لا برامج للمستقبل، لا مبادئ، لا قيّم، لا سياجات إيديولوجية، مفتوحة في وجه أشخاص عابرين، هم ممن يتقنون فن الدندنة والاستمالة من أجل الظفر بالغنائم… يفتحون دكاكين للسمسرة وينشّطون الدورة السياسية ويزرعون دراهم معدودات ووعودا كاذبة ليقطفوا الوطن ويصادروا المستقبل.
هكذا يستثمرون في بؤس المواطنين وفقرهم وحاجاتهم وجهلهم.
هم مجرد أورام خبيثة عابرة، كالطحالب بدون جذور، كالحرباء لا لون لهم إلا لون المصلحة والدرهم.
ما الذي يجعل السياسي يكذب ويقدم وعودا هو أعلم من غيره أنها غير قابلة للإنجاز؟
ما الذي يجعل السياسي يتحول إلى بطل يعد الناس لو انتخبوه أن يأتيهم جارّا السبع من أذنيه؟
ما الذي يحول السياسي إلى وحش يلتهم كل الوجبات الدسمة ؟
ما الذي يحول السياسي إلى راقص بارع على جراح وآلام البسطاء؟
ما الذي يجعل السياسي يقترف جميع الوعود عدى أن يكون صادقا وهو الذي يردد في دواخله: “أنا لا أكذب. لكن، إن قلت الحقيقة، أصاب بصداع ووجع في الرأس”؟
مع زمان الانتخابات، يتحول السياسي فجأة من حيوان شرس إلى حيوان وديع وإلى مواطن من القاع: يمشي على قدميه تاركا سيارته الفخمة، يجوب الأسواق طولا وعرضا، يشق الدروب والأزقة، يطرق جميع الأبواب، يجلس على الحصير ويجالس العامة من الناس، يصبح آذانا صاغية ويحدث الجميع بلغتهم وهو حريص على انتقاء الكلمات المناسبة، يتقاسم الطعام البسيط (عدس-بصارة- لوبية-حرشة-السفنج…) مع البسطاء ويخاطب الناس بغير قليل من الأدب والغموض. يتألم لآلامهم ويبدي قدرا كبيرا من التعاطف مع قضايا الشعب. يحرص على أن يظهر للجميع مدى التزامه بأوقات الصلاة ويسعى جاهدا إلى أن يَظهر فائضٌ من التقوى والورع في مظهره وسلوكه وفي كلامه؛ بل حتى في نواياه. خاوي اليدين هو إلّا من رزنامة من الوعود الكاذبة وهو لا يطلب من المواطنين شيئا إلا أن يوقعوا له على شيك من بياض بعد أن يكون قد قدم نفسه كمنقذ للوطن (أنا وحدي نضوّي لبلاد) وغيره الجحيم. يستغفل الجميع ويعمل على أن يفقدهم ذاكرتهم حتى لا يتذكروا وعوده الزائفة ويواجهونه بها. ينتهك حرمة جميع الخطابات. تراه في ثوب قومي تارة وفي أخرى يصبح اشتراكيا حد النخاع كما قد يتأبط ملف الليبرالية والحداثة في وجبة ما؛ وإن دعت اللحظة أن يلبس جبة الإسلامي، فلا حرج له في ذلك. ينافح العشيرة و يناصر القبيلة ويزايد على الأممية ويتبنى قضايا حقوق الإنسان حد التطرف.
كالثقوب السوداء هم، يمتصون الوطن ويحولونه إلى أشلاء ويبذرون حياة المواطنين. ليس لهم ما يقدمونه للوطن لأنه، منذ زمن ليس بقريب، لم يعد هذا الرهط من السياسيين يحملون أي شيء من أجلنا ومن أجل الوطن.
مقالات قد تهمك:
- انتخابات 2021 والتّشبيب “المفترى عليه” !
- “قليب الفيستة”… سباق الأحزاب والهواجس الانتخابوية لــ2021!
- استحقاقات 2021 تحت مجهر مرايانا: حملات انتخابية سابقة لأوانها… ومُطعّمة بـ”الولائم” والتّرحال! 1\4
- انتخابات 2021 تحت مجهر مرايانا: بينَ شَبح العزُوف و”تحجيم” الظّاهرة الحِزبية! 2\4
- مع اقتراب الانتخابات في المغرب: هذه دول تعتمد التصويت الإجباري… وهذه مزاياه!
- Marayana TV: هشام روزاق: كفانا شر الانتخابات… النموذج التنموي يكفي
- سعيد بنگراد: إدريس الأزمي تنكّر لله ذاته ومنطق الريع شبيه بـ”كل ما من شأنه”