بين الأسطورة والعلم… لماذا تحدث لنا الأشياء السيئة في الواقع؟ 4/4 - Marayana - مرايانا
×
×

بين الأسطورة والعلم… لماذا تحدث لنا الأشياء السيئة في الواقع؟ 4/4

الأشياء جميعها، إذ تحدث، لا وسيلة لديها لمعرفة قوة رغباتك، كما لا رغبة لديها في إعاقتها أو تحقيقها… العلم لديه تفسير في هذا الباب لكيفية حدوث الأشياء، سيئة كانت أو جيدة، كما سنعرف في هذا الجزء الرابع والأخير.

بعد الجزء الأول الذي أوضحنا فيه كيف غير العلم من إدراك الإنسان للواقع، والجزء الثاني الذي رأينا فيه تصور العلم وكذا الأسطورة لواقع بداية الكون، والجزء الثالث الذي خصصناه لبداية البشرية، نتابع هذا الملف في جزئه الرابع مع سؤال: “لماذا تحدث الأشياء السيئة في الواقع؟”

نشير قبل ذلك مرة أخرى إلى أن ما يرد في هذا الملف، نعتمد فيه على كتاب عالم الأحياء البريطاني، ريتشارد دوكينز، “سحر الواقع”.

إذا حدثت كارثة مروعة، زلزال مثلا، ستسمع من الناس من يقول كلاما كهذا: “إنه لظلم! ماذا فعل هؤلاء المساكين ليستحقوا هذا المصير؟”، أو إذا أصيب رجل طيب بمرض عضال وتوفي بسببه، بينما ظل رجل طالح بصحة جيدة، ربما تجد أحدهم يتساءل: “أين العدل في هذا؟”.

حسنا، قد يصعب مقاومة هذا الإحساس بأنه ينبغي أن يكون ثمة عدل طبيعي، إلى حد ما… كأن تقع الأشياء الطيبة للطيبين، والأشياء الضارة، إذا كان لا بد أن تقع، للأشرار من الناس.

اقرأ أيضا: في العبقرية: ما كنه هذا السر الغامض الذي يسمى عبقرية؟ 1\2

لكن الأشياء السيئة دائما ما تحدث، للطيبين كما للأشرار، فما السبب يا ترى؟

يعتقد أناس كثيرون أن آلهتهم كانت تنوي خلق عالم مثالي، بيد أنه حدث خطأ ما، لا يعرفون ماهيته… قبيلة الـ”Dongon” في غرب إفريقيا مثلا، تعتقد أنه في بداية العالم، كانت توجد بيضة كونية فقست ليخرج منها توأمان.

كانت الأمور لتمضي جيدا لو أنهما خرجا في آن واحد، لكن لسوء الحظ، جاء فقس أحدهما بسرعة عن الآخر، ففسدت خطة الآلهة. هذا طبعا، بالنسبة لهذه القبيلة، سبب حدوث الأشياء السيئة.

الواقع أن كل ما يحدث وراءه سبب معلوم. بمعنى ما، فهذا حقيقي. السبب يأتي دائما قبل الحدث… تحدث مثلا الأعاصير بسبب وقوع زلازل تحت سطح البحر، والزلازل تحدث نتيجة الإزاحات في الصفائح التكتونية وهكذا.

الحقيقة أن السؤال الأكثر معقولية هو “لماذا تحدث واقعة ما؟”، بغض النظر عن كونها سيئة أو جيدة… أم أن الأمور السيئة تحدث بمعدل يفوق ما ينبغي أن نتوقعه لها بالمصادفة وحدها؟

حسنا، لعلك سمعت يوما ما بقانون مورفي Murphy’s Law.

ينص هذا القانون على أنه “لو استطاعت الأشياء أن تمضي في الطريق الخطأ فإنها ستفعل ذلك”. كمثال عن ذلك: “إذا سقطت قطعة خبز وعليها بعض المربى، فإنها دائما ستقع على الجانب الذي به مربى”.

غالبا ما يتناول الناس هذا القانون من باب التفكه، لكن بعضهم يؤمنون به حقا على نحو يتجاوز المزاح.

لكنه، علميا وعلى نحو بسيط، لن يكون القانون مثيرا للدهشة إذا ما حللنا مثال قطعة الخبز المدهونة بالمربى… ببساطة، يحدث أن تسقط القطعة على الجانب الذي به مربى، أكثر من الجانب الفارغ؛ نظرا لأن الموائد ليست على ارتفاع شاهق.

هكذا، إذا كان يفترض أن الجانب الذي به مربى يكون للأعلى، فإن وقت سقوط القطعة يسمح لها بنصف دورة في الهواء وحسب قبل أن تقع في الأرض… على الجانب الذي به مربى!

اقرأ أيضا: عن التزامن: فكرت فجأة في شخص لم تره منذ ثلاثين عاما، ثم في ذلك اليوم، حدث أن رأيته… كيف حدث ذلك؟ 2/1

مقابل هذا القانون “المتشائم”، لدينا قانون التفاؤل المفرط Pollyanna’s Law؛ أي الاعتقاد بأن الأشياء عادة ما تذهب في الجانب الصحيح.

هذا القانون يدعى أيضا التفاؤل الساذج Pangloss’s Law، وبانكلوس هذا شخصية اخترعها الكاتب الفرنسي فولتير، وكان يعتقد أن كل شيء، من بين كل الاحتمالات، يذهب في الاتجاه الأفضل.

ثمة نوعان من الاعتقاد يخصان حدوث الأشياء، لكننا يمكن أن نستخلص مما سبق أن الأشياء جميعها، إذ تحدث، لا وسيلة لديها لمعرفة قوة رغباتك، كما لا رغبة لديها في إعاقتها أو تحقيقها.

إضافة إلى أن ما يكون سيئا لشخص ما، قد يكون ربما لشخص آخر حسنا… لاعبا التنس المتنافسان مثلا، يصلي كل منهما بحرارة ليفوز على الآخر، لكن… لابد لأحدهما أن يخسر!

السؤال الحقيقي إذن كما ذكرنا، ليس “لماذا تحدث الأشياء السيئة؟” أو “لماذا تحدث الأشياء الحسنة؟”، إنما هو “لماذا يحدث كل شيء؟”.

اقرأ أيضا: “حجر الفلاسفة”… هذه قصة مادة إذا صنعت، خلد الإنسان!

الواقع أن كل ما يحدث وراءه سبب معلوم. بمعنى ما، فهذا حقيقي. السبب يأتي دائما قبل الحدث… تحدث مثلا الأعاصير بسبب وقوع زلازل تحت سطح البحر، والزلازل تحدث نتيجة الإزاحات في الصفائح التكتونية وهكذا.

لكن كثيرين يفهمون “السبب” بكونه “الغرض من حدوث الشيء”. لذا، ستجدهم يقولون مثلا “كان التسونامي عقابا لنا على خطايانا”، أو “أنه حدث ليهدم الحانات ونوادي العراة وغيرها من أماكن الإثم”.

هذا بالتأكيد خاطئ، وربما كان ذلك من آثار الطفولة… علماء نفس الأطفال يوضحون أن الأطفال بالغي الصغر، إذا سئلوا لماذا الصخور محدبة؟ يستبعدون الأسباب العلمية ويقولون: “كي تتمكن الحيوانات من حك جلودها”.

هناك أسباب منطقية لحدوث الأشياء، يفسرها العلم بعد أو قبل حدوثها. قناعاتك، التعويذة التي يمكن أن تضعها في مكان ما على جسدك، معتقداتك، موروثك الثقافي، مخاوفك… كل هذا لا يساهم إلا في طمأنتك نفسيا، أو العكس. ما عدا ذلك، فللعلم تفسيراته الخاصة بكل ظاهرة!

وماذا عن “سوء الحظ” إذن؟ هل بعض الناس أكثر حظا من الآخرين؟ في الواقع، يمكن حل هذه المسألة بقانون المتوسطات، فكل شيء لديه احتمالات لحدوثه… إذا رميت قطعة نقدية 100 مرة، ثمة احتمال مبدئي لتحصل 50 مرة على وجه، و50 مرة على الوجه الآخر.

لكن ذلك حتما سيتفاوت بحسب الاحتمالات التي يمكن حسابها رياضيا…

اقرأ أيضا: لغز الأحلام… بين تصورات القدماء واعتقاد المسلمين ونظريات العلماء ! 2/1

سيكون من العبث إذن أن تفكر في ارتداء تعويذة لجلب الحظ حول رقبتك، هذه الأشياء لا أهمية لها إطلاقا في التأثير على ما يحدث لك، بيد أنك ربما ستشعر بشيء ما… هذا الشعور النفسي بالطمأنينة قد يمنحك ثقة إضافية في تهدئة أعصابك. لكن الأكيد أن لا علاقة له إطلاقا بالحظ.

هكذا، إذا حدث زلزال مثلا في مكان توجد به، فالزلزال لا عقل له ليفكر في أن يحدث لكي ينال منك… أما من يمضي بعيدا في اليقين بأن العالم موجود في الخارج لكي ينال منه، فإنه مصاب بجنون الارتياب؛ أي أنه بارانويا Paranoid.

باختصار، هناك أسباب منطقية لحدوث الأشياء، يفسرها العلم بعد أو قبل حدوثها. قناعاتك، التعويذة التي يمكن أن تضعها في مكان ما على جسدك، معتقداتك، موروثك الثقافي، مخاوفك… كل هذا لا يساهم إلا في طمأنتك نفسيا، أو العكس. ما عدا ذلك، فللعلم تفسيراته الخاصة بكل ظاهرة!

لقراءة الجزء الأول: بين الأسطورة والعلم: الحواس خادعة… كيف غير العلم من إدراك الإنسان للواقع؟ 4/1

لقراءة الجزء الثاني: بين الأسطورة والعلم: كيف كانت بداية الكون في الواقع؟ 4/2

لقراءة الجزء الثالث: بين الأسطورة والعلم: كيف كانت بداية البشرية في الواقع؟ 4/3

تعليقات

  1. مها أهم

    لا أدري أين قرأت ذالك لكن المعنى هو المهم
    لكل انسان عمران
    عمره البيولوجي و عمر آخر أكثر حضورا و تأثير في حياته إن عمره الإنثربولجي أي عمر أفكاره المسبقة
    اعتقد أننا لا ننطر إلى كوننا و كينونتنا بما هما حقا و لكن بما يستجيب لأفكارنا المسبقة عنهما و هي أفكار لم نصنعها بقدر ما تصنعنا أي بقدر ما نصنع تصورنا للعالم وفقها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *