رغم التجريم والسياسات التنموية… المغرب الأول عربيا في أعداد المتسولين! - Marayana - مرايانا
×
×

رغم التجريم والسياسات التنموية… المغرب الأول عربيا في أعداد المتسولين!هل استسلم المغرب حيال تفاقم ظاهرة التسول؟

يؤكد علم الاجتماع أن التسول طريق يسلكها الشخص تحت وطأة العوز، مع أن هذه ليست بقاعدة، وما إن يحصل على بعض الربح، حتى يبدأ في اتخاذ الأمر كمهنة… في البدء، يشعر ببعض الاستحياء إذ يأتي فعل التسول أمام الملأ، ثم سرعان ما يشعر بأن العوز (أو ادعاء العوز) رأسماله.

أنْ يمرّ يوم في المغرب دون أن تقابل متسولا، لحظةٌ نادرة يصعب اقتناصها، فحيثما رحت ستقابل أحدهم، كما لو أن الأمرَ حتميٌّ…

إن ركبت حافلة، فلن تنطلق، ثمة متسول سيصعد؛ وحين سينزل، فقط، يمكن للحافلة أن تنطلق…

إن كنت ماض إلى مشاغلك في الشارع، ثمة متسول أو أكثر سيعترضون طريقك…

إن جلست في مقهى، ثمة متسول سيظهر بعد قليل…

وحتى حين تكون بمنزلك، ثمة أحدهم ينادي بالخارج متسولا…

لوهلة ما، تظن أن التسول شبح يطاردك!

أما يوم الجمعة، فهو عيد المتسولين.

نعم، ليس في الأمر أي مبالغة… بلغة الأرقام، وفق تقرير أعدته قناة “العربي الجديد”، وهو التقرير الذي ينبني، في الواقع، على آخر الأرقام الرسمية بالمغرب والتي تعود لعام 2007، فإن عدد المتسولين بالمغرب يبلغ 195 ألفا، بما يبوئه المرتبة الأولى عربيا!

قد لا يكون المتسول فقيرا، كما أن هيأته قد لا تبدي عاهة ولا مرضا. لذا، يلجأ إلى متعهدين يضمنون له أطفالا أو عجزة، يستخدمهم في التسول، على أن يحصل المتعهد على فائدة ما.

ما قد نجده غريبا هنا، أن دولة مثل مصر، يفوق تعدادها السكاني المغرب ثلاث مرات، يبلغ عدد المتسولين فيها 41 ألفا وحسب. لكن سرعان ما تتبدد هذه الغرابة، إذا ما علمنا أن التسول في المغرب قد أصبح مهنة، وليس أي مهنة… كيف؟

اقرأ أيضا: جريمة الاغتصاب… بين “الحشومة” والعقوبات القانونية التي لا تكبح جماح الجناة! 3/1

في شتنبر/أيلول من سنة 2018، مثلا، أوقفت عناصر الشرطة بمدينة أكادير امرأة تمتهن التسول؛ ذلك أنه بعد مراقبتها، تبين أنها تمتلك منزلا خاصا بها، وسيارة “رفيعة” تتنقل بها بين المساجد… ولا تكلف نفسها في ذلك، سوى تغيير ملابسها الجميلة بأسمال بالية حتى تستعطف المصلين.

قصص مثل هذه، تتداولها الألسن على نحو واسع… بعض النُدّل في المقاهي دأبوا للحاجة على استبدال الأوراق النقدية بالقطع المعدنية التي يأتي بها المتسولون، وإن سألتهم؛ أكدوا لك أن بعض المتسولين تصل أرباحهم إلى 500 درهم في اليوم الواحد.

من المسؤول؟

في الواقع، يؤكد علم الاجتماع أن التسول طريق يسلكها الشخص تحت وطأة العوز، مع أن هذه ليست بقاعدة، وما إن يحصل على بعض الربح، حتى يبدأ في اتخاذ الأمر كمهنة… في البدء، يشعر ببعض الاستحياء إذ يأتي فعل التسول أمام الملأ، ثم سرعان ما يشعر بأن العوز رأسماله.

بعض التقارير تشير إلى أن المتسول قد لا يكون فقيرا، كما أن هيأته لا تبدي عاهة ولا مرضا. لهذا، يلجأ إلى متعهدين يضمنون له أطفالا أو عجزة، يستخدمهم في التسول، على أن يحصل المتعهد على فائدة ما.

اقرأ أيضا: بعد سنوات من انطلاقها… المغاربة ما زالوا “يهابون” التبليغ عن الرشوة في الخطوط الخضراء 1/2

فما الذي يمكن إذن أن يحد شخصا رأسماله عوزه، أو ادعاؤه العوز؟

يؤاخذ على الحكومة عجزها عن سن سياسات تنموية ناجعة للحد من ظاهرة التسول، وغياب المواكبة وإحصائيات حديثة، وذاك ما أكده مسؤول في الوزراة الوصية لـ”مرايانا”؛ إذ قال إنها لا تشتغل على الموضوع بشكل مباشر حاليا، مبررا ذلك بالإكراهات الميدانية.

وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، بسيمة الحقاوي، أكدت في جلسة أسئلة شفوية سابقة بمجلس النواب، أن التسول ظاهرة اجتماعية خطرة، لا يمكن الحد منها إلا بتضافر الجهود، موضحة أن الأطفال الذين يتسولون إنما تدفعهم عائلاتهم إلى ذلك، أو يكونون دون عائلات ومأوى.

المسؤولة الحكومية أبرزت أن الوزارة اتخذت تدابير وإجراءات لإنقاذ الأطفال من التسول، وبررت تفاقم هذه الظاهرة في المغرب بالتحولات المجتمعية التي عرفها الأخير في العشرية الأخيرة.

لكن المعارضة آنذاك رأت أن الوزارة عاجزة عن سن سياسات تنموية ناجعة للحد من ظاهرة التسول، كما سجلت غياب المواكبة وإحصائيات حديثة، مؤكدة أن عدد المتسولين الرسمي بالمغرب، وإن كان مخيفا، لا يعكس إلا بعض حقيقة هذه الظاهرة في الواقع.

وذاك ما أكده مسؤول في الوزراة لـ”مرايانا”؛ إذ قال إنها لا تشتغل على الموضوع بشكل مباشر حاليا، مبررا ذلك بالإكراهات الميدانية.

التسول جريمة يعاقب عليها القانون

يقول البعض إن أصل التسول في اللغة من التساؤل، وهذه المفردة من فعل سأل والسؤال ما يسأله الإنسان. أما حديثا، فالتسول يعرف بكونه طلب العطية والإحسان، والمتسول شخص يعتاش من التسول.

اقرأ أيضا: العنف المدرسي بالمغرب: واقع اجتماعي”صعب” وغياب حلول “ناجعة”…

التسول جريمة في المغرب، وهي منظمة في باب الجنايات والجنح ضد الأمن العام، من الفصل 326 إلى الفصل 333 من القانون الجنائي المغربي. لكن المشرع لم يعرفه وترك ذلك للفقه والقضاء، فيما أشار إلى مجموع الأفعال التي يعد بها جريمة.

التسول وإن كان يساءل جنائيا، النصوص التي تنظمه كجريمة، وفق بعض القانونيين، قد تكون ولدت “ميتة” في ظل ارتفاع أعداد المتسولين، وندرة القضايا ذات الصلة بالتسول التي تعرض على القضاء.

في الفصل 326 مثلا، كل من لديه وسائل التعيش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأي وسيلة مشروعة، ولكنه تعود على ممارسة التسول في أي مكان كان، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر.

وفي بعض الحالات، كما يفردها الفصل 327، يمكن أن تصل العقوبة إلى سنة حبسا، ولو كان المتسول ذا عاهة أو معدما، إذا هدد أو “تظاهر بالمرض أو ادعى عاهة”، أو استصحب طفلا من غير فروعه، أو دخل مسكنا دون إذن مالكه أو شاغره.

لكن البعض يرى أن هذا النص فيه بعض من التناقض؛ إذ قال المشرع إنه يُعاقب كل متسول ولو به عاهة، ثم أتى على ذكر “التظاهر بالمرض وادعاء العاهة” كحالة ترفع العقوبة.

اقرأ أيضا: استخدام المغاربة للشبكات الاجتماعية… حينما يصبح الافتراضي واقعا!

الملاحظ أيضا وفق بعض من انتقد هذا النص، أن المشرع يرفع عقوبة المتسول إذا استصحب طفلا من غير فروعه وحسب. هكذا، يتساءل هؤلاء إن كان المشرع يبيح استصحاب طفل من الفروع بغاية التسول.

المؤكد أن التسول وإن كان يساءل جنائيا، إلا أن النصوص التي تنظمه كجريمة، وفق بعض القانونيين، قد تكون ولدت “ميتة” في ظل ارتفاع أعداد المتسولين، وندرة القضايا ذات الصلة بالتسول التي تعرض على القضاء.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *