محمد علي لعموري يكتب: هكذا “تعشش” فينا… البيدوفيليا! - Marayana - مرايانا
×
×

محمد علي لعموري يكتب: هكذا “تعشش” فينا… البيدوفيليا!

البيدوفيليا ترخي بظلالها، في مجتمع غير متماسك للعناية بالطفولة، كرهان مستقبلي لجيل سليم من الأمراض والاضطرابات والعصابات ذات المنزع الجنسي المقموع والمكبوت.
هي جريمة، تقتات من بقايا اعتداءات سابقة لم تعالج، لغياب ثقافة الوقاية من جهة، وثقافة العلاج المبكر من جهة ثانية.

موضوع حساس لا يكتب فيه إلا القليل من البحاثة بمنطقتنا العربية، لأنه مسكوت عنه، ويتم التغاضي عن الحديث فيه بشكل يتيح للمرء فهم بعض الفروقات بين المثلية والبيدوفيليا، بين البيدوفيليا والاغتصاب، بين المثلية والشذوذ…

بداية، قد لا نجد لكلمة “بيدوفيليا” مرادفا عربيا يفي بالغرض، إلا عند مقاربة الترجمة بمعناها الذي ترومه الكلمة (بيدوفيليا) في لغتها الفرنسية.

الكلمة تعني… عشق الأطفال والميل العاطفي/الجنسي لهم، وتعني الانجذاب نحو الأطفال والتفكير في لمس أعضائهم الجنسية، أو إثارة مواضيع جنسية معهم، أو استعمال إيحاءات جنسية تدخل ضمن التحريض والإثارة التي تجعل الطفل عرضة للاستغلال والتلاعب بسنه ومستوى إدراكه.

وهنا… وجب التمييز بين عشق الأطفال، وبين الاعتداء عليهم جنسيا، فالميول يدخل ضمن الاضطراب الجنسي/النفسي، والاعتداء يندرج ضمن الجرائم التي تعاقب عليها جميع القوانين.

حين نتسامح مع شخص بالغ في مداعبته لطفل لا يمت له بصلة، ويجلسه فوق ركبتيه، وحين نترك أطفالنا عرضة لتقلبات وتفاعلات الشارع… وحين لا نفتح حوار الثقة والنقاش الهادئ مع أطفالنا، نكون كمن يرخص لظهور هذه الأعطاب التي تطال براءة الطفل، وتنتهك حقه في المعرفة، وفي التكوين السليم والتوجيه المنضبط لخصوصياته.

كثيرا ما يتم الخلط بين المثلية الجنسية والبيدوفيليا. وهذا خطأ شائع، وعدم تمحيص في الفرق، لفهم الميول الجنسي الحاصل بين طرفين بالغين عاقلين من نفس الجنس، وهذا ما يسمى مثلية، وبين الميول الذي يدخل ضمن الاضطراب الجنسي، حيث يتم العشق والاشتهاء من طرف بالغ نحو طرف قاصر، محسوب على فئة الأطفال.

المثلية، ميول جنسي طبيعي حسب ما هو معترف به علميا وطبيا، حتى لو عرفت تجريما لها في سياقات سوسيو- ثقافية عربية/إسلامية… وهذا نقاش آخر.

أما البيدوفيليا، كميول جنسي تجاه الأطفال، فيحسب ضمن الاضطرابات الجنسية التي تحتاج لتدخل علاجي تقويمي…

إقرأ أيضا: جريمة الاغتصاب… بين “الحشومة” والعقوبات القانونية التي لا تكبح جماح الجناة! 3/1

بالمقابل، هناك البيدوفيليا… التي تندرج ضمن الجرائم الموجهة ضد الطفولة، حين يتحول حب الأطفال إلى اعتداء جنسي عليهم.

هناك لبس يغشى ظاهرة الاغتصاب، فيتم خلطها بالبيدوفيليا؛ غير أن هذه الأخيرة هي اغتصاب يكون ضحيته طفلا أو طفلة، بينما الاغتصاب، بشكل عام، هو كل اعتداء جنسي يقع على شخص ما، سواء كان قاصرا أو بالغا.

… بالنسبة لكلمة شذوذ، فيمكن اعتبار البيدوفيليا نوعا من أنواع الشذوذ، لأنه يخرج عن الإطار الطبيعي الذي تسمح به المواضعات المتوافق بشأنها كونيا، وهي العلاقات الرضائية، التي تبنى بين طرفين متساويين في الإرادة والعقل، فلا يكون أحدهما مرغما أو تحت الضغط أو المساومة أو التهديد أو التلاعب به، ولا يكون فاقدا للأهلية، أو ناقصا عقليا أو معتوها أو أحمقا أو مريضا عقليا… ففي مثل هذه الحالات، يدخل كل سلوك جنسي تجاه أي طرف من هذه الحالات، ضمن الشذوذ الجنسي.

البيدوفيليا تنتشر، ثم تستفحل في المجتمعات التي لا تحظى فيها الطفولة بالعناية اللازمة، ويكون الإهمال والفقر والجهل والهشاشة، من العوامل التي تجعل الطفل يقع فريسة لها.

كثيرا ما يتم الخلط بين المثلية الجنسية والبيدوفيليا. وهذا خطأ شائع، وعدم تمحيص في الفرق، لفهم الميول الجنسي الحاصل بين طرفين بالغين عاقلين من نفس الجنس، وهذا ما يسمى مثلية، وبين الميول الذي يدخل ضمن الاضطراب الجنسي، حيث يتم العشق والاشتهاء من طرف بالغ نحو طرف قاصر

كما يمكن أن نضيف لهذه العوامل غياب الثقافة الجنسية، والتربية السليمة للأطفال، وسيادة منطق الاستغلال الجنسي والكبت، وتشكل شبقيات مضطربة داخل مخيلة الطفل. كذلك، فإن وقوع سوابق في الاعتداء الجنسي والاغتصاب عند أطفال سابقين، دون تدخل الطب النفسي بسبب غياب ثقافة العلاج النفسي، وإهمال تلك الحالات لتتفاقم مع مرور الوقت، يجعلها تصبح قنبلة موقوتة تتكرر من طرف نفس الضحايا السابقين لحصد العديد من الضحايا الجدد. كل هذا يشكل في النهاية خلفيات وسوابق وأسباب لا نأخذها بعين الاعتبار، وهي التي تعطينا تلك الحالات العديدة من البيدوفيليا المتفشية بيننا، والتي لا ندركها إلا بعد وقوع اعتداء شنيع أو اغتصاب مقيت.

إن البيدوفيليا ترخي بظلالها، في مجتمع غير متماسك للعناية بالطفولة، كرهان مستقبلي لجيل سليم من الأمراض والاضطرابات والعصابات ذات المنزع الجنسي المقموع والمكبوت، وهي تقتات من بقايا اعتداءات سابقة لم تعالج، لغياب ثقافة الوقاية من جهة، وثقافة العلاج المبكر من جهة ثانية.

إقرأ أيضا: تزويج القاصرات: حين يشرعن القانون الرق… والاتجار بالبشر!

 وهي أيضا… نتاج مجتمع عليل، مزدحم ببشر فوضوي في سلوكات أفراده، ثقافته تشجع هذا النوع من الشبقية المضطربة.

فحين نتسامح مع شخص بالغ في مداعبته لطفل لا يمت له بصلة، ويجلسه فوق ركبتيه، وحين نترك أطفالنا عرضة لتقلبات وتفاعلات الشارع حيث يقضي الطفل من وسط فقير في حي شعبي معظم وقته متسكعا، لا يعود إلى البيت إلا في وقت متأخر من الليل، وحين لا نفتح حوار الثقة والنقاش الهادئ مع أطفالنا ونعتبر ذلك تنازلا غير جدير بالتطبيق، نكون كمن يرخص لظهور هذه الأعطاب التي تطال براءة الطفل، وتنتهك حقه في المعرفة، وفي التكوين السليم والتوجيه المنضبط لخصوصياته.

… بالتالي، تعشش البيدوفيليا وتصبح متعايشة بين ظهرانينا ولا نلتفت إليها إلا بعد وقوع المحظور.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *