سناء العاجي الحنفي: حريات… لا أولويات
كم من الوقت والجهد سنستنزف حتى نقتنع بأن المجتمعات لا يمكن أن تتقدم ما لم تؤمن بالفرد وحريته…؟ كم من الفضائح سنتابع وكم جرحا سنرسم في مسارات الأفراد، قبل أن نعي بأن حياتهم الجنسية وصيامهم ومعظم اختياراتهم الفردية، لا يفترض أن تعنينا كأفراد ولا كحكومات ولا كأمنيين؟
الحريات الفردية ليست ترفا!
لنتفق مبدئيا على هذه النقطة الأساسية.
وجود قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية وحقوقية على الطاولة، لا يعني أن هناك تراتبية في الأولويات ولا أن تلك القضايا أكثر أو أقل أهمية من سؤال الحريات الفردية.
الذين يعتبرون الحريات الفردية ترفا أمام قضايا البطالة والتعليم والصحة، فيم يختلفون في النهاية عمن يعتبرون أن البناء الديمقراطي لا يتأتى قبل الخبز والماء؟
باختصار، القضايا التي نتبناها وندافع عنها لا يمكن أن تصنف إلا بشكل أفقي: “هذه القضية تختلف عن تلك وتلتقي معها في مواضع أخرى”؛ وليس بشكل عمودي يفيد بأن تلك أهم أو أسبق من الأخرى.
نحتاج للخبز (وبعض الجبن والفواكه) كما نحتاج لتعليم جيد وللحب دون خوف، ولحرية التعبير عن المواقف السياسية والدينية.
نحتاج أن يقرر المرء بنفسه إن كان يريد أن يشرب نبيذا أو عصير برتقال… على أن يلتزم بالقانون فيما قد يسبب أذى للآخرين (كالسياقة في حالة سكر مثلا).
نحتاج لأن يقرر المرء بنفسه إن كان مؤمنا أو لا، وأن لا يحتاج للعب أدوار لا تشبهه مخافة أعين الآخرين. آخرون يصبحون فجأة أهم من الله، نخاف من رقابتهم أكثر مما نعبر عن إيمان حقيقي أو ممارسة دينية عن اقتناع…
اقرأ لنفس الكاتبة: هاجر الريسوني وقوانين القرون الوسطى
في مغرب اليوم، من غير المقبول أن نستمر في وضع السيوف على الرقاب من خلال سجن أشخاص راشدين بسبب اختيارات شخصية لا تؤثر على أمن واختيارات الغير.
وجود قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية وحقوقية على الطاولة، لا يعني أن هناك تراتبية في الأولويات ولا أن تلك القضايا أكثر أو أقل أهمية من سؤال الحريات الفردية.
ما معنى أن نفرض الإيمان بقوة السجن وأن نسلب الحرية من شخص بسبب قناعة فكرية أو إيديولوجية؟ ما معنى أن نسلب الحرية من راشدين بسبب اختيارات جنسية مثلية أو غيرية؟
هل نتخيل قدر النفاق الذي نفرضه على الآخرين بممارسات وقوانين كهاته؟
ليس دور الدولة أن تنشغل بالرغبات الجنسية والعلاقات الرضائية (المثلية أو الغيرية) للأشخاص الراشدين وبما يحدث في غرف النوم، اللهم إذا تعلق الأمر باغتصاب أو اعتداء جنسي على راشدين أو على أطفال.
اقرأ أيضا: بوسبير: استغلال جنسي، فصل عنصري… وخلايا مقاومة وطنية 3/3
يفترض أن توجه الدولة ترسانتها التشريعية والقانونية لما يحمي أمن المواطنين فعليا، لا لما يحرس أسِرّة نومهم وأجهزتهم التناسلية. يفترض أن تعاقب الدولة المتحرشين واللصوص والمغتصبين، لا من اختاروا أن يعيشوا حريتهم بالشكل الذي يناسب قناعاتهم الدينية أو الجنسية.
الذين يعتبرون الحريات الفردية ترفا أمام قضايا البطالة والتعليم والصحة، فيم يختلفون في النهاية عمن يعتبرون أن البناء الديمقراطي لا يتأتى قبل الخبز والماء؟
نقاش الحريات الفردية اليوم يستنزف طاقات فكرية نحتاج أن نوجهها لقضايا أخرى، ليس لأنه نقاش ثانوي… بل لأنه نقاش يفترض أن نكون قد تجاوزناه!
هل يعود هذا النقاش بقوة في المغرب وهل له حظوظه؟ مع كل حادثة اعتداء على الحريات الفردية للآخرين، مهما كانت تياراتهم الإيديولوجية، سيعود النقاش بقوة للمغرب ليبرز كم هي متخلفة قوانيننا عن واقع الممارسات. سيعود بقوة ليفضح التيارات التي ترفض الحريات الفردية، ثم تعيش بعضها في السر؛ وليفضح دولة تبذر مجهوداتها في التلصص على أسرة وقناعات المواطنين. سيعود هذا النقاش بقوة في كل مرة لكي يفضح هوسنا بالجنس وبمراقبة الحياة الخاصة للآخرين.
اقرأ أيضا: من مصر، سارة أحمد فؤاد تكتب عن هاجر الريسوني: عزيزتي هاجر، فلتسقط إرادتك!
بدل أن يطور المرء قناعاته وقيمه الشخصية وأن يسعى للتناسق مع اختياراته (في الإيمان وعدمه، في الامتناع عن الجنس خارج الزواج أو في ممارسته بحرية، في استهلاك الكحول من عدمه، وفي غيرها من تفاصيل الاختيارات الشخصية)، نستنزف جميعنا جهدا رهيبا في مراقبة الآخرين والتربص بسقطاتهم أو تناقضاتهم: فاسقة تنجب طفلا قبل الزواج. ديوث لم يقتل أخته حين خرجت مع صديقها. مثلي يمارس الرذيلة. إمام يمارس الجنس خارج الزواج…
نحتاج أن يقرر المرء بنفسه إن كان يريد أن يشرب نبيذا أو عصير برتقال… على أن يلتزم بالقانون فيما قد يسبب أذى للآخرين (كالسياقة في حالة سكر مثلا). نحتاج لأن يقرر المرء بنفسه إن كان مؤمنا أو لا، وأن لا يحتاج للعب أدوار لا تشبهه مخافة أعين الآخرين. آخرون يصبحون فجأة أهم من الله، نخاف من رقابتهم أكثر مما نعبر عن إيمان حقيقي أو ممارسة دينية عن اقتناع…
السؤال الآن لا يتعلق بحظوظ هذا النقاش وهل سينجح يوما في تحقيق مطلب الحريات الفردية… هذا الأمر آت لا محالة. السؤال الحقيقي هو: كم من الوقت والجهد سنستنزف حتى نقتنع بأن المجتمعات لا يمكن أن تتقدم ما لم تؤمن بالفرد وحريته…؟ كم من الفضائح سنتابع وكم جرحا سنرسم في مسارات الأفراد، قبل أن نعي بأن حياتهم الجنسية وصيامهم ومعظم اختياراتهم الفردية، لا يفترض أن تعنينا كأفراد ولا كحكومات ولا كأمنيين؟
اقرأ أيضا: خارجون عن القانون
يبدو لي أن الهوس بالجنس وبالعلاقات الشادة يؤجج رغبات العديدين لسن قوانين تجعلهم أحرارا و الحرية بدون عقال فوضى… أما سؤال الحرية الفردية الفضفاض والخالي من أي معنى أسمى للإنسانية الحقة، فأولى البحث عن حقوق أخرى كحق التعبير و الاختلاف في المواقف و مساءلة الثروات وخيرات البلاد… أم أننا لا نحتاج الا للتعبير عن مكبوتاتنا وبكل حرية والقبل امام قبة البرلمان و حق السحاقيات في إقامة حفلات الغرام وبالعلن ومثلهم الشواد و حق الخيانة الزوجية و الفوضى الحيوانية، المجتمعات الإنسانية بحاجة إلى تماسك وترابط مبني على قيم معقولة تسمح بعيش كريم بعيد عن الفوضى، لأننا بسر ولسنا حيوانات بشرية… كثيرا ما أتا مل في هذا الموضوع و أقول لربما سيأتي علينا زمن نجيز فيه البيدوفيليا وزنا المحارم بداعي الحرية لا طالما هناك رضائية… وسيتبجح الاباء بحق علاقتهم الجنسية بأبنائهم وبناتهم بدافع الحرية…
ويشبع الاخ نزوة اخيه أو أخته بدافع الحرية… أنها الفوضى و البعد عن الآدمية فالفطرة السليمة ليست كذلك لا عند المتدين أو غير المتدين…
أما وربطك التحليل بمسألة الحرية الجنسية فهو تحليل أعمى وساذج فلم تحاكم هاجر لأنها أجهضت… تحليل مناثل يجهض العقل والمنطق.
لنفترض أن الحريات الفردية ستقود الى انحراف المجتمع وسيادة الفوضى وبقليل من العقل لماذا لا نجد هذه النتائج في الدنمارك والسويد مثلا أليست نماذج ناجحة يسيل لعاب شباننا وشاباتنا لبلوغ حدودها والظرف برضاها والعيش في كنفها والأكل من خيراتها الوافرة..
الاشكال في المجتمع المتخلف أو الجاهل هو أن الحرية تعتبر مكسب فوضوي . السكر حتى العربدة السياقة في حالة سكر .. الجنس فوق القانون وبدون مراقبة طبية الدعارة العشوائية.. وربط الحرية الجنسية بزنا محارم .. لا بد من الموازاة بين التربية الجنسية وفنون العيش تعليميا والممارسات السلوكية داخل المجتمع.. سنرقى ولكن العلم والتعلم الناجع والناجح هو السبيل الوحيد