تقاسم النفقات بين الزوجين: مسؤولية مشتركة عن الأسرة أم استغلال لمؤسسة الزواج؟
تشارك الأعباء واقتسام نفقات البيت، شروط بات يطرحها عدد من الأزواج، من منطلق أن الظروف تغيرت، والتحولات الاقتصادية أرخت بظلالها على مفهوم الأسرة.
تتفق بعض النساء حول ذلك. ينظرن إلى أن مؤسسة الزواج مسؤولية مشتركة في كل شيء، ولا ضرر أن تساهمن أيضا في تدبير الاحتياجات، وأن الأمر ليس عيبا يطال الرجل.
في حين ترفض أخريات هاته الفكرة، وتنظرن إلى أن الأمر مجرد استغلال، وأن قوامة البيت ومسؤوليته تظل على عاتق الرجل، سواء كانت المرأة عاملة أم لا.
على امتداد عقود، ارتبطت القوامة في المخيلة الاجتماعية بالرجل. هو الفرد الملزم داخل الأسرة بتوفير احتياجاتها.
مفاهيم وتصورات بدا أنها صارت تتراجع، مع ما أضحت المرأة تشكله في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، علاوة على خطط التنمية التي تسعى إلى إشراك المرأة بشكل أكبر اقتصاديا.
تحولات أثرت على النظرة إلى مؤسسة الزواج، ومفاهيم العيش المشترك، نحو صناعة عقليات جديدة تؤمن بمفهوم الشراكة.
نمط حياة جديد يمكن من التغلب على مصاعب الحياة الحديثة.
لكن… من جانب آخر، لم تغير هذه التطورات من نظرة بعض النساء إلى مؤسسة الزواج. في نظرهن، القوامة للرجل، وما عدا ذلك، طمع واستغلال.
مصير مشترك؟
تبلغ زينب من العمر أربعين سنة، قررت منذ بداية زواجها أن تكون مصاريف البيت مشتركة بينها وبين زوجها بالتساوي.
تقول زينب، موظفة في قطاع بنكي، في تصريح لمرايانا: “فكرة أن تكون المصاريف مشتركة، كانت فكرتي منذ الخطوبة. لم يكن زوجي موافقا، بحكم طبيعة عمله، التي توفر له قدرا مهما من المال يلبي جميع الحاجيات. لكني لم أوافق، فكان القرار أن تكون حياتنا الزوجية مشتركة في كل شيء”.
تضيف زينب: “بحكم أننا نقطن بمدينة الدار البيضاء، فالاحتياجات كثيرة. فتحنا حسابا مشتركا نضع فيه ما يكفي من المال لتغطية حاجياتنا، أضف إلى ذلك أنه، مع وجود الأبناء وارتفاع أسعار المواد الأساسية، فالأمور ستكون مكلفة له”.
وفق زينب، هذه القرارات لا تمس في شيء بقيمة الرجل ووضعه. لا بد أن ندرك أن الزواج مسؤولية عظيمة، يشارك الزوج والزوجة تفاصيلها الصغيرة والكبيرة.
على غرار زينب، اتخذت سلوى هذه الخطوة بعد ثلاث سنوات من زواجها.
سلوى تبلغ من العمر 33 سنة، موظفة في قطاع التعليم. تقول في تصريح لمرايانا: “في فترة خطوبتنا، لم نناقش الأمر نهائيا، كانت الفكرة السائدة مجتمعيا مسيطرة علينا، قوامة البيت للرجل.
تضيف سلوى: “لمدة ثلاث سنوات، لم أكن أساهم إلا بالقدر القليل من احتياجات المنزل، خصوصا ما يتعلق بالأكل، في حين يتكلف زوجي بما تبقى من ملبس وتطبيب وتنقل وسفر…”.
نقطة التحول، وفق سلوى، ستكون بعد إنجابها لطفلتها الثانية. في تلك اللحظة، تأكدت أن طفلة أخرى معناه احتياجات أكثر. اقترحت فكرة تقاسم نفقات البيت على زوجها، فوافق على ذلك دون تردد، إدراكا منه أيضا، أن الظروف تغيرت والأمر يحتاج إلى تقاسم المسؤولية معا.
حين سألنا محمد حول أهم شرط يريده في شريكته حياته، لم يتردد في القول إن أهم شرط، هو الشغل.
يقول محمد، البالغ من العمر 28 سنة، في تصريح خص به مرايانا: “أهم شرط بالنسبة لي في الشريكة، هو الشغل، غلاء المعيشة والأزمات الاقتصادية التي نعيشها، سبب في وضعي لهذا الشرط ضمن الأولويات“.
يضيف محمد: “تغيرت الحياة، وازداد حجم الإنفاق. لذلك، يجب أن تكون المسؤولية واحدة وموحدة، على أنني أيضا سأتقاسم معها مسؤوليات المنزل الداخلية، من طبخ وتنظيف إلى غير ذلك”.
القوامة للرجل؟
التقت رحاب، التي تمتلك محلا لبيع العطور، بأحد الموظفين في إحدى الشركات، للتعارف بِنيّة الزواج.
تحكي رحاب لمرايانا، صدمتها حول طبيعة الأسئلة التي طرحت عليها: “اقترح علي منذ البداية أنني سأساهم بقدر من الأموال التي تتطلبها المعيشة. لم أكن رافضة لذلك. لكن، انهالت علي الأسئلة حول احتياجاتي الشهرية ونفقاتي الخاصة. بعد ذلك، قام بعمليات حسابية اقتطع من خلالها مصاريفي الشخصية من مدخولي، حتى تتشكل لديه فكرة عن قدر المال الذي سأوفره للمعيشة”.
تضيف رحاب: “أدركت حينها أن نية الشاب كانت الحصول على قدر من المال يمكنه من توفير ما عجز عنه، وأن نية الزواج عنده مشروع مثمر يوفر له قدرا ماليا آخر”.
من جانبها، ترى نهال أن الحسابات الضيقية وقسمة المصاريف مناصفة لا تولد سوى المشاكل والصراعات.
تقول الممرضة في تصريحها لمرايانا: “كنت صريحة منذ البداية مع خطيبي، الحاجيات الأساسية للبيت ينبغي أن ينفق عليها هو. قد أشارك أحيانا. لكن، أن تكون النفقة مناصفة، فذلك شيء أرفضه“.
تضيف نهال: “موقفي هذا نابع من عقيدتي أولا، القوامة خاصة بالرجل، هو القائم على مصالح زوجته وأبنائه بالتدبير والصيانة والإنفاق، كما أن نمط الحياة والمحيط الذي عشت ضمنه لا يسمح لي بتقبل الأمر. غير ذلك بالنسبة لي فليس سوى طمع واستغلال”.
لكن، ألا يطرح هذا الاختيار، وهو مشروع، سؤالا أساسيا يتعلق بتبعاته؟ فإذا كانت القوامة للرجل، حسب نهال وغيرها، هل سيقبلن في نفس الوقت بباقي ما تمنحه الشريعة من شروط للقوامة، لصالح الرجل؟