المهدي بن تومرت من طلب العلم إلى الملك 1 - Marayana - مرايانا
×
×

المهدي بن تومرت من طلب العلم إلى الملك 1\2

يعد المهدي بن تومرت، واحدا من أبرز الشخصيات التي طبعت تاريخ المغرب، إذ إليه يرجع الفضل في وضع أركان الدولة الموحدية، التي ستصبح واحدا من أهم الامبراطوريات في التاريخ.
كانت شخصية المهدي بن تومرت مزيجا من المتناقضات، مكنته من توظيف الدين في السياسة، للوصول للحكم، في هذا الملف تسلط مرايانا الضوء على شخصية المهدي بن تومرت، ومسيرته من طلب العلم إلى طلب الحكم

يعتبر المهدي بن تومرت واحدا من أبرز الشخصيات التي بصمت تاريخ المغرب، إن لم نقل الغرب الإسلامي كاملا، ذلك أنه كان مؤسس دولة الموحدين، التي تحولت على يد خلفائه إلى إمبراطورية كبيرة، لعبت أدوارا هامة في التاريخ.

لم يكن المهدي بن تومرت رجل سياسة عادي، بل أقام صرح الدولة بناء على أسس عقدية وفكرية متنوعة تعكس غزارة علمه؛ ما جعله، وإلى اليوم، مثار جدل كبير…

في هذا الملف، نتتبع بعضا من خيوط سيرة المهدي بن تومرت في مساره من رحلة العلم، إلى طلب الملك.

من إيجلي إلى المشرق: البداية

اختلف المؤرخون في أصول ابن تومرت، هل كان منحدرا من النبي أم أمازيغيا. تنوعت مواقفهم بتباين علاقتهم مع الدولة الموحدية… لكن أغلب الآراء تذهب إلى أنه لم يحمل لقب المهدي إلا عندما أعلن مهدويته وبايعه الناس؛ أما قبل ذلك، فكان اسمه محمد بن عبد الله بن عبد الرحمان؛ وذهب ليفي بروفنسال إلى أن المهدي كان حاملا لاسم أمازيغي، استبدله في مرحلة متأخرة باسم محمد ثم المهدي.

لا تزودنا المصادر بخط الرحلة التي سلكها بن تومرت. لكن، حسب الإشارات المصدرية، فقد انطلق من المغرب صوب الأندلس، التي أمضى بها فترة قصيرة، درس فيها المدرسة الحزمية في الفقه والعقيدة؛ ومن ثم اتجه إلى مدينة المهدية بإفريقية (تونس) ثم الإسكندرية في مصر، التي درس فيها على يد أبي بكر الطرطوشي؛ ومن ثم أدى فريضة الحج في مكة.

أشار ابن القطان إلى أن المهدي لقب في صغره بـ”أسفو”، التي تعني الضياء، وذلك لأنه عرف بملازمته لإيقاد القناديل في المسجد للصلاة والقراءة، بينما أشار ابن خلدون إلى أن والده لقب في صغره بـ”أمغار” الذي يعني الشيخ.

اختلف المؤرخون أيضا في تاريخ ميلاد المهدي بن تومرت، وتنوعت الآراء بين سنتي 469 هجرية و491 هجرية، كما اختلف في تحديد سن وفاته، وقد تراوحت الآراء بين أنه توفي في سن الخمسين أو الخامسة والخمسين.

لا تذكر المصادر الشيء الكثير عن أسرة المهدي بن تومرت باستثناء أن والده اسمه تومرت، أو عبد الله وحمل اسم أمغار أيضا؛ وأن أمه كانت كنيتها أم الحسين؛ كما كان للمهدي ثلاثة من الإخوة الذكور، هم أبو موسى عيسى وأبو محمد عبد العزيز (سيثوران فيما بعد على عبد المؤمن بن علي) وأبو العباس أحمد الكفيف؛ وأخت واحدة هي زينب أم أبي بكر.

الرحلة إلى المشرق: طلب العلم أم طلب الدولة

كانت الرحلة إلى المشرق مطلبا أساسيا لاكتساب العلم والمعرفة عند أهل المغرب في تلك المرحلة، ولم يستطع المؤرخون تحديد دوافع الرحلة، هل كانت سياسة أم علمية محضة، كما لم يحددوا التاريخ الدقيق لهذه الرحلة. لكن، على العموم، يمكن تحديدها في أواخر القرن الخامس الهجري أو بدايات القرن السادس.

كما لا تزودنا المصادر بخط الرحلة التي سلكها بن تومرت. لكن، حسب الإشارات المصدرية، فقد انطلق من المغرب صوب الأندلس، التي أمضى بها فترة قصيرة، درس فيها المدرسة الحزمية في الفقه والعقيدة؛ ومن ثم اتجه إلى مدينة المهدية بإفريقية (تونس) ثم الإسكندرية في مصر، التي درس فيها على يد أبي بكر الطرطوشي؛ ومن ثم أدى فريضة الحج في مكة.

تختلف المصادر في حقيقة لقائه بأبي حامد الغزالي، إذ بينما رجح البعض احتمال لقائهما في الشام، نفى البعض هذه الفرضية.

كانت للغزالي سمعة كبيرة في المغرب، منذ أن أصدر فتوى تجيز ليوسف بن تاشفين ضم بلاد الأندلس وتوحيد بلاد الغرب الإسلامي. بيد أن هذه السمعة عرفت منحى آخر مع كتابه إحياء علوم الدين، الذي هاجم فيه الغزالي الفقهاء الذين يأخذون بالفروع؛ ما أدى إلى خلق نقاش واسع في صفوف الفقهاء المغاربة الذين كانوا يأخذون بالفروع حتى أدى الأمر بالمرابطين إلى إحراق كتاب إحياء علوم الدين.

سواء تم اللقاء بين الغزالي والمهدي، أو كان الأمر ضمن الأدوات الدعائية للموحدين فيما بعد، فإن المؤكد أن ابن تومرت تأثر بآراء الغزالي ومنهجه، ومن ثم قصد بغداد التي كانت آنذاك منارة علمية، حيث أمضى سنوات في الدراسة والتعلم.

العودة من المشرق إلى الملك

بعد سنوات من طلب العلم، قرر المهدي بن تومرت العودة إلى المغرب، حاملا لواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

استغرقت رحلة عودته حوالي أربع سنوات، تخللتها عدد من الاحداث والمواجهات، إذ تعرض للطرد من مدن عديدة، بسبب مبالغته في إنكار السلوكات السائدة؛ من ذلك مثلا تعرضه للطرد من الإسكندرية. كما تروي المصادر قصصا أسطورية عن مواجهته مع ركاب السفينة التي نقلته من الإسكندرية.

بعد الإسكندرية، حل بن تومرت بطرابلس التي كان يدرس فيها الناس العقيدة الأشعرية، منكرا على علماء المغرب نبذهم لهذا المذهب؛ ومن ثم انتقل إلى المهدية التي أخذ يدرس فيها علم الأصول، بعدما ساد علم الفروع لسنوات. كما تناسلت الروايات عن قيام المهدي بن تومرت بتكسير عدد من آلات اللهو والطرب، وتفريق مجالس اللهو، وهو ما ألب عليه عددا من الفقهاء، وسبب له عددا من المواجهات مع الناس والفقهاء والسلطان.

تطنب المصادر (خاصة الموحدية) في سرد حكايات مواجهات المهدي بن تومرت مع السلطات الحاكمة ومع الناس والفقهاء، من ذلك مثلا أنه عندما كان في فاس، أمر سبعة من رفاقه بإحضار عصي وتكسير الدفوف والعيدان وغيرها من آلات اللهو والطرب الموجودة في الحوانيت أو عند المارة؛ أما في مدينة مكناس فقد كان نصيبه أن “أوقع به” بعض من أراد نهيهم عن المنكر فأوجعوه بالعصا.

خلال رحلته داخل المغرب، كان المهدي بن تومرت يحرص على تخير الرجال الذين ينتقيهم بعناية بالغة ليكونوا أساسا لدعوته. بوصوله لفاس، كان معه سبعة من الأصحاب هم: “عبد المؤمن بن علي الكومي، عبد الواحد الشرقي، الحاج عبد الرحمان، الحاج يوسف الدكالي، أبو بكر الصنهاجي (المعروف بالبيدق)، عمر بن علي، عبد الحق بن عبد الله”.

الحرب الفكرية مع المرابطين

بعد وصوله لبلاد المغرب الأقصى، انطلق المهدي بن تومرت في معارضته للمرابطين بالتشنيع عليهم تحت ستار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد ركز على ممارستين كانتا شائعتين في بلاد المغرب آنذاك، وهما: اختلاط الرجال والنساء خاصة في مجالس اللهو والطرب، وشرب الخمر.

تطنب المصادر (خاصة الموحدية) في سرد حكايات مواجهات المهدي بن تومرت مع السلطات الحاكمة ومع الناس والفقهاء، من ذلك مثلا أنه عندما كان في فاس، أمر سبعة من رفاقه بإحضار عصي وتكسير الدفوف والعيدان وغيرها من آلات اللهو والطرب الموجودة في الحوانيت أو عند المارة؛ أما في مدينة مكناس فقد كان نصيبه أن “أوقع به” بعض من أراد نهيهم عن المنكر فأوجعوه بالعصا.

بعد فاس، انتقل المهدي بن تومرت إلى مراكش. من هناك، سيبدأ مسارٌ جديد في تاريخ المهدي بن تومرت، ومعه المغرب ككل…

وهو ما سنتوقف عنده في الجزء الثاني والأخير من هذا الملف.

لقراءة الجزء الثاني:المهدي بن تومرت من العلم إلى الملك: المهدوية في اتجاه الدولة 2\2

مقالات قد تهمك

“نصوص متوحشة”: هكذا وضع ابن تومرت لمسته على خطاب التكفير في التراث الإسلامي 4/3

خيرونة الفاسية… “زعيمة” المذهب الأشعري بالمغرب

موقع الدين في نظام الحكم بالمغرب: إمارة المؤمنين، حكاية البدايات.. 2/1

زينب النفزاوية: زوجة ابن تاشفين ومهندسة توسع دولة المرابطين! 2/1

التكفير والتطرف… من ابن تيمية إلى محمد بن عبد الوهاب وسيد قطب. أصل المأساة!

“المخزن”… تاريخ طويل من الأسئلة! (الجزء الأول)

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *