1945م… عام الجوع والهجرة الكبرى من الريف 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

1945م… عام الجوع والهجرة الكبرى من الريف 2/2

هذه الحالة الطويلة من القحط لم تكن أمرا عاديا… الشيوخ المغاربة يقولون عن عام الجوع إنهم لا يتذكرون قحطا كهذا.
مشاهدة الحقول عطشى والأنهار ناشفة، ورؤوس الماشية جثثا هامدة على ضفاف المجاري اليابسة، والقرى خالية… كل هذا، ألّف مشهدا لا ينسى!

نتحدث في هذا الملف، كما تابعنا في الجزء الأول، عن عام البون، سنة 1945م، الذي عصف فيه قحط شديد بالمغرب، فأرخت مجاعة فظيعة ببراثنها على المغاربة، الذين مات منهم 50 ألف شخص جراء ذلك، بحسب تقرير لإدارة الصحة العمومية الفرنسية آنذاك.

في هذا الجزء الثاني، نواصل خوضنا في وثيقة “قحط في المغرب… معركة الحنطة في المنطقة”، التي تعود لعام 1946م، وتعمل على الدعاية لإسبانيا التي “هبت لنجدة المغرب”، حيث نتابع كيف تعاملت مع الهجرة الكبرى من الريف.

أخذت النتائج الوخيمة للجفاف تظهر أول ما ظهرت، في تربة الريف “الخشنة”، فأبادت كل غلاتها وجففت كل ينابيعها، فاضطر الكثير من الريفيين إلى الرحيل نحو مناطق كان فيها الجفاف أخف وطأة.

… ثم ما لبث أن امتد الجفاف إلى مقاطعة الكرت (شرقي الريف).

“كانت أنظارنا تقع في الطرقات على مشاهد مؤثرة، تذكرنا بتلك الأوصاف البليغة التي وردت في التوراة بشأن المجاعات في العهد القديم”.

الريف والكرت، كما تابعنا في الجزء الماضي، هما المقاطعتان اللتان اجتازتا بنوع خاص أزمة كانت لتؤدي إلى عواقب وخيمة في المنطقة برمتها.

حين أُعلمت الإدارة الإسبانية بخطورة الموقف، وحددت مداه، تقول الوثيقة، أسرعت في العمل لكيلا يستفحل الأمر، بعدما بدا أن الخوف قد أخذ يتسرب إلى القبائل.

كان السكان يشدون رحالهم لمغادرة منازلهم. عائلات بأكملها كانت تبيع كل ما لا تقدر على حمله، وتباشر الرحيل مصحوبة بماشيتها سعيا وراء الماء.

اقرأ أيضا: التاريخ الإسلامي لإسبانيا… من حضارة غير مسبوقة إلى محنة الدم والدين والطرد 1\10

تصف الوثيقة ذلك قائلة: “كانت أنظارنا تقع في الطرقات على مشاهد مؤثرة، تذكرنا بتلك الأوصاف البليغة التي وردت في التوراة بشأن المجاعات في العهد القديم”.

هذه الحالة الطويلة من القحط لم تكن أمرا عاديا… الشيوخ المغاربة يقولون، بحسب الوثيقة، إنهم لا يتذكرون قحطا كهذا.

مشاهدة الحقول عطشى والأنهار ناشفة، ورؤوس الماشية جثثا هامدة على ضفاف المجاري اليابسة، والقرى خالية… كل هذا، ألّف مشهدا لا ينسى!

أمام هذا الوضع، أول ما شغل نيابة الأمور الوطنية (تمثيلية الاحتلال الإسباني)، هو التصدي لهذه الهجرة بإيجادها العمل للمهاجرين وتجنب استقرارهم في المدن.

لا تحدد الوثيقة بدقة أين هاجر هؤلاء، لكن…

في ماي 1945م، هاجر 18579 من الريف، و4440 من الكرت… ثم في أكتوبر، هاجر من الريف 7871 شخص و8582 من الكرت. ثم أخذت الهجرة من الريف تنخفض، حيث بلغت في أبريل 1946م، 1285 شخص، بينما ارتفعت من الكرت إلى 16321.

طوال هذه المدة التي توردها الوثيقة، راوحت الأرقام بين كل شهر وآخر، بين نحو 18 ألف ونحو 27 ألف شخص.

أمام هذا الوضع، أول ما شغل نيابة الأمور الوطنية (تمثيلية الاحتلال الإسباني)، هو التصدي لهذه الهجرة بإيجادها العمل للمهاجرين وتجنب استقرارهم في المدن.

اقرأ أيضا: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: مجاعة 1738/1737 (الجزء السادس)

هكذا، تقول الوثيقة إن الغيرة أُثيرت في نفوس السلطات، وكذلك روح الأخوة بين مسلمي مقاطعات شفشاون وجبالة اللوكس، على نحو حمل كل واحد منهم على إيواء واحدة أو اثنتين أو ثلاث من عائلات المهاجرين، وإيجاده عملا لها ترتزق منه، أو مساعدتها بما تجتاحه من سبل العيش.

ويبدو أن الإسبان نجحوا في هذا التدبير، إذ بلغ عدد الذين آووا إلى القرى في أحد الأشهر، 19810 من أصل 27115 مهاجرا.

من بين الإجراءات المتخذة أيضا، تورد الوثيقة ملخصا لظهير يقضي بمنع بيع الأراضي في مقاطعتي الريف والكرت، وقبائل بني بوسرة وبني جرير وبني سميح ومتيوة، نشر في الجريدة الرسمية، عدد 10، بتاريخ 8 مارس 1946.

ولكي ينجو أكبر قدر ممكن من الماشية أيضا، درست مصلحة البيطرة طريقا تسلكه لنقلها إلى جبال كتامة وغمارة، حيث كان الكلأ ما زال موجودا.

المغاربة في البداية لم يكونوا مقتنعين باتباع هذا التدبير، بيد أن نصائح المراقبين المتكررة أقنعتهم في النهاية، تزعم الوثيقة… وهكذا، نقل أزيد من 40 ألف رأس من الماشية.

من بين الإجراءات المتخذة أيضا، تورد الوثيقة ملخصا لظهير يقضي بمنع بيع الأراضي في مقاطعتي الريف والكرت، وقبائل بني بوسرة وبني جرير وبني سميح ومتيوة، نشر في الجريدة الرسمية، عدد 10، بتاريخ 8 مارس 1946.

اقرأ أيضا: صناعة الجوع: هل الندرة مجرد خرافة؟ 4/1

مما ينص عليه هذا الظهير، أنه يمنع بيع الأراضي في المناطق أعلاه، في حالة عدم بقاء البائع بعد البيع مالكا، على الأقل، لهكتارين من أرض السقي أو لثمانية هكتارات من البعل… وهي المساحة التي تعتبر لازمة لضمان معيشة العائلة.

بغض النظر عن هذا الشرط، يعتبر البيع باطلا أيضا، حين يثبت أنه تم بثمن يقل كثيرا عن قيمة الأرض المبيعة.

أما العقوبات المسطرة لذلك، فهي أن لا يسترجع المشتري الثمن الذي اشترى به الأرض، وأن يغرم البائع بغرامة توازي ثمن المبيع، فيما سيكون الموظفون الذين ساهموا في إنجاز عقد البيع، مسؤولين عن مخالفتهم أمام رؤسائهم.

اقرأ أيضا: هل المغرب مقبل على أزمة ماء حقيقية؟ 1\2

ثم شرعت إسبانيا في تنفيذ عدد من المشاريع العمومية، وطلبت من الهيآت الصناعية أن تزيد قدر الإمكان عدد العمال المستخدمين، كما باشرت اللجان القروية أشغالا قيمتها نصف مليون بيزيتا.

فيما يتعلق بالكميات المرصودة لأجور العمال في الأشغال التي تقوم بها مصلحة الأشغال العامة في المقاطعتين المصابتين بالقحط، وحتى يتم تقسيمها بالمساواة، فقد قسم العمل لدورتين، مدة كل واحدة خمسة عشر يوما، بالمناوبة.

يقر البعض بأنه، لولا هذه الإجراءات التي اتخذتها إدارة الاحتلال لصد الجفاف، لكانت تلك السنين وبالا على المنطقة برمتها. بيد أن آخرين يشككون في عملية الإنقاذ هذه وفي أهدافها، بما يجعل الوثيقة مجرد دعاية. بل ويؤكدون أن الوجود الإسباني آنذاك في المنطقة، كان أكثر قسوة مما تسببت فيه المجاعة.

من بين تلك الأشغال، فكرت إسبانيا، تقول الوثيقة، بتنفيذ البرنامج المائي في المغرب.

هكذا، عند منتصف سنة 1946م، قامت بمباشرة بناء سد تقول إنه سيمكن من حصر 45 مليون متر مكعب من المياه، لكن الوثيقة لا تذكر اسم هذا السد.

بواسطة هذه الأشغال، وتلك التي نفذت في النكور (سد لتحويل مياه معبان وقناة ومركز كهربائي في إدردوشن، يستمد القوة من نهري الجيز والنكور)، سيُمكِن ري مرج الحسيمة وتزويد “بيا سانخورخو” (مدينة الحسيمة) بالماء الصالح للشرب، وتوليد القوة الكهربائية اللازمة لمقاطعة الريف.

اقرأ أيضا: تقارير: المغرب بعيد عن المجاعة لكن التغيرات المناخية تهدد أمنه الغذائي!

… سيمكن أيضا، تكملة ما تحتاج إليه مليلية ومقاطعة الكرت اللتين، رأت الوثيقة وقتها، لن يبقى نهر ملوية كافيا لزويدهما بالقوة الكهربائية اللازمة يوم يعم الري كل مرج زايو.

هكذا، تنتهي الوثيقة، إلى أن الريف سيتعرف إلى حياة أكثر سهولة ورغدا!

في الأخير، يقر البعض بأنه، لولا هذه الإجراءات التي اتخذتها إدارة الاحتلال لصد الجفاف، لكانت تلك السنين وبالا على المنطقة برمتها. بيد أن آخرين يشككون في عملية الإنقاذ هذه وفي أهدافها، بما يجعل الوثيقة مجرد دعاية. بل ويؤكدون أن الوجود الإسباني آنذاك في المنطقة، كان أكثر قسوة مما تسببت فيه المجاعة.

ملاحظة: صورة المقال تعبيرية فقط ولا تعود للمنطقة.

لقراءة الجزء الأول: 1945م… “عام الجوع” كما تؤرخ له وثيقة للدعاية الإسبانية 2/1

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *