هوشي منه… إنسان ينبض إصراراً: في استئناف فعل المقاومة 2\2
في الجزء الأول من هذا البورتريه، رأينا كيف كان إصرَار هوشي مِنه صلباً يُقاوم النّضوب، في حَربه لتَحرير بلده وبَاقي بُلدان الهِند الصّينية.
في هذا الجزء الثاني، نعاينُ كيف ظلّ هوشي منه يناضل حتى أصبح غير قادر على القتال ميدانياً. لكن، رغم انسحابه وحتى بعد موته، ظلت أفكاره راسخة في حرب تحرير بلده الفيتنام، حتى نيل الاستقلال التّام.
لعلّ من الأمور التي ينبغي الإشارة إليها، أن قوات فيت منه، التي تحدثنا عنها في الجزء الأول، بعد 7 دجنبر 1941، عقدت تحالفاً مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وعلى رأسهم بريطانيا، سيما عشية شنّ الطائرات اليابانية لهجوم على القواعد الأمريكية والبريطانية في المحيط الهادي، بما فيها مرفأ اللؤلؤ الأمريكي في جزر هاواي، ومرفأ سنغافورة البريطاني.
بناءً على هذا الهجوم، أخذت القوات الأمريكية والبريطانية، ومن مواقعها في شمال الهند وشمال برما، تمدّ قوات فييت منه بالأسلحة والذخائر الحية عبر الجو، وذلك لدحر اليابانيين في أكثر من موقع وإضعافهم.
هوشي منه: ما بعد الحرب
عند خروج اليابانيين في أوائل غشت 1945، غداة تجرّعهم مرارة الهزيمة خلال الحرب العالمية الثانية، اغتنم الثوار الفيتناميون فرصة هزيمة اليابان فاحتلوا هانوي عاصمة البلاد خلال غشت 1945. أرغموا الإمبراطور “باوداي” على التّنحي عن الحكم، وأعلَن هوشي منه استِقلال فيتنام الشّمالية وتكوين جمهورية فيتنام الدّيمقراطية ، وإنشاء الحُكومة الفيتنامية المستقلة.
وافق هوشي منه على أن تكون فييتنام عضوا في الاتحاد الفرنسي، الذي يضم المستعمرات السابقة، بسبب إمبراطور الصين المُزعج، تشانكي تشيج، الذي عرف بحقده غير الطبيعيّ على الشيوعية، ومدّ للفرنسيين بزهاء 200 ألف جندي، لمساندتهم في تصفية الشيوعيين.
يعتبر الرواة بأن هوشي كان على يقين بأنه بمقدوره محقُ الفرنسين كما السّابق. إلا أن الأمر، عملياً، يحتاجُ إزالة تواجد الصينيين من الحرب وإنهاء حضورهم الوازن بتلك الأعداد الغفيرة.
قبل الزّعيم بالمطالب الفرنسية، نظير وعد بأن تحصل الفيتنام على استقلال مشروط، أي أن تكون تحت حمايتهم وتابعه لهم بشكل غير مباشر.
فرنسا كعادتها… تعنّتت وطمحت إلى السّيطرة على حُكومة الفيتنام الشمالية، وطرحت نفسها وصية على شتى القرارات السيادية التي تتخذها الحكومة ذات المرجعية الشيوعية، ووضعت عراقيل جمّة في طريق هذه الحكومة، لإبقاء البلد مفكّكا وضعيفاً قصد ضمان المزيد من بسط النّفوذ الامبريالي.
المثير أن هجوم فرنسا على مظاهرة لسكان فيتنام بمدينة هيفونج، كان بمثابة النّقطة التي أفاضت الكأس، وتزامن مع ذلك نُضج الفكر الشيوعي في الصّين، وبالتالي باتت الأخيرة حليفاً موثوقاً للحكومة الشمالية بالفيتنام.
دعمت أيضاً حكومة الاتحاد السوفياتي بزعامة ستالين، حرب هوشي منه ضد فرنسا.
خلال سنة 1954، وجدت فرنسا أنها تكبّدت خسائر فادحة على المستويين العسكري والبشري واللوجستيكي، فانسحبت رسمياً، وتم تفكيكُ الفيتنام لدولتين، شمالية شيوعية، يرأسها هوشي منه، وأخرى جنوبية رأسمالية.
بعد طرد فرنسا، تحوّل حلم هوشي منه إلى وجهة توحيد البلد. لهذه الغاية، قام باكتساح مدينة لاوس، المتواجدة في الحدود بين الفيتنام الشمالية والفيتنام الجنوبية.
كان هدف هوشي منه أن يعضّد التّحالف العسكري مع رفاقه في الشّطر الجنوبي، والذين يحلُمون أيضاً بتوحيد الشطرين، والقضاء على الفوارق الطبقية ووحشية الرأسمالية والامبريالية.
بعد توغّل الزعيم الشيوعي، أبدى نظيره الحاكم بالجنوب نيّتَه في الجلوس إلى طاولة المفاوضات، قصد إنهاء الصّراع والإفراج عن فيتنام واحدة مُتماسكة.
هذا القرار كان بمثابة صدمة مدوية في بيت الولايات المتحدة الأمريكية، راعية المد الرأسمالي إبان فترة الحرب الباردة، فأعلنت تدخلها العسكري في الفيتنام، ليكون عدو هوشي منه الجديد هو الجيش الأمريكي.
ظلت فيتنام بمثابة أرض خصبة للحرب بالوكالة بين المعسكرين الغربي والشرقي، إذ دعمت الصين والاتحاد السوفياتي هوشي منه لوجستيكيا وعسكرياً لمواجهة التّدخل الأمريكي.
اتضح حينها أنه، في بلد صغير كالفيتنام، كان ثمة حلم كبير جداً، يتوارى خلف قوته وإرادته، فظلّ هوشي منه يردد: “فيتنام بلد واحد، والشعب الفيتنامي شعب واحد. الأنهار يمكن أن تنضب، والجبال يمكن أن تتقوض. لكن هذه الحقيقة ستظل ثابتة لن يعتريها التّغيير”…
في عزّ الحرب، أُصيب هوشي منه بالوهن الصّحي، ولم يعد قادراً على استئناف الحرب، رغم أن الكفة كانت مائلة لصالحه ضد الأمريكيين.
رحل الزّعيم الشيوعي هوشي منه في الثّاني من نونبر من عام 1962.
رحل… بعد سنوات مشرّفة من الكِفاح ضد المُستعمر الفرنسي ثم الياباني، فالفرنسي وبعدهما الامبريالية الأمريكية.
عاش بطلاً ومات كذلك.
انتهت حرب فيتنام عام 1975 بتحرر البلد، وبدا بوضوح أنه حتى بعد وفاة هوشي منه، بقي اسمه وبقيت أفكاره حاضرة في الصّحف والإذاعات، وتم الاعتماد عليها لتجييش الحس الوطني الفيتنامي، وبقاء إصراره النموذجي في صلب الواقع والمقاومة…
الفيتنام، على غرار البشرية جمعاء، استفادت من هوشي منه ومن نضاله ومن قيمه، حياً وميتاً.
مقالات قد تثير اهتمامك:
- جهاز الاستخبارات السّوفياتي… أهلاً بكم في وكْر الجواسيس! 3/4
- هل لازالت المخابرات الرّوسية تحملُ “بعض” بقايا النّظام السياسي السوفياتي؟ 4/4
- القسوة: كيف يستطيع الإنسان أن يرتكب الفظاعات؟ 1/3
- جميلة بوحيرد.. الجزائرية التي جلدت بنضالها مقصلة المستعمر الفرنسي! 2/1
- فاطمة نسومر… حينَ تكون المُقاومة من توقيع امرأة!