هل ولى عمر بن الخطاب، الشفاء بنت عبد الله، قاضية للحسبة في عهده؟ - Marayana - مرايانا
×
×

هل ولى عمر بن الخطاب، الشفاء بنت عبد الله، قاضية للحسبة في عهده؟

يقول البعض إن عمر بن الخطاب كان يجل الشفاء بنت عبد الله بنت عبد الله ويقدرها، بل وينظر رأيها في مسائل كثيرة، حتى إنه ولاها على نظام الحسبة في السوق. لكن كثيرين أنكروا هذا الخبر، فربما به ضرب للكثير من المسلمات التي أنتجتها أدلجة الدين، وعلى رأسها… المشكوك في صحته: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”، كما نتابع في هذا البورتريه.

جرت عادة المسلمين على القول إن قريشا قبل الإسلام كانوا في جاهلية… إضافة إلى معنى الضلال، كانوا “جهلاء” كما بُلّغنا في كتب التاريخ، والتاريخ كما هو معروف؛ يكتبه المنتصر!

وسط هذا الحكم العام، ثمة امرأة أفلتت من العدم بإسلامها… بعبارة أوضح، كان يمكن أن تكون اليوم نسيا منسيا. لكنها، خلاف ذلك، حاضرة؛ ذلك أن التاريخ الإسلامي دون بعضا من صنيعها.

صنيع لا ننسبه إلى الإسلام ولا إلى “الجاهلية”؛ فهي ببساطة، صنعت نفسها فبنفسها… اسمها الشفاء بنت عبد الله، وفي هذا البورتريه، نتعرف عمن تكون.

 الشفاء بنت عبد الله…  وأفلح قوم ولوا عليهم امرأة؟!

اسمها ليلى بنت عبد الله، العدوية القرشية. تلقب بأم سليمان إحالة على ابنها، وأيضا بصاحبة النّملة، إذ دأبت على مداواة من مسّهم مرض النّملة الجلدي. أما أشهر أسمائها إطلاقا؛ فهو الشّفاء.

درج الناس أن ينادوها الشفاء؛ ذلك أنها كنت ترقي أو تداوي المرضى في مكة قبل ظهور الإسلام… ولأن هؤلاء كانوا يجدون لديها ضالتهم؛ أي الشفاء، صارت تسمى الشفاء.

يقول البعض إن عمر بن الخطاب كان يجل الشفاء ويقدرها، بل وينظر رأيها في مسائل كثيرة، حتى إنه ولاها على نظام الحسبة في السوق، وجعلها تفصل بين الناس في قضاياهم التجارية والمالية، فجرى وصفها بأول قاضية في الإسلام.

يَجهل التّاريخ، اليوم، أيّ أيامه ولدت فيه الشفاء… ولولا الإسلام، ربما، لما كنا لنعرف شيئا عنها؛ فشخصيات عديدة صعدت إلى ركح التاريخ بما رافق ظهور الإسلام من مرويّات، احتفظت بها الألسن قبل أن تستقر في المؤلفات وتحملها إلينا.

حين ظهر الإسلام في مكة، لم تلبث الشفاء كثيرا حتى أسلمت وبايعت الرسول محمد، حتى إنها تحملت معه ما كابده المسلمون الأوائل أمام قريش، ثم كانت من المهاجرات إلى الحبشة مع زوجها.

اقرأ أيضا: المرأة “الزوجة” في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام… 3/1

لاحقا، بعد الهجرة إلى المدينة، أقطعها النبي بيتا هناك سكنته وابنها سليمان. بالمناسبة، كانت الشفاء زوجةً لرجل اسمه أبو حثمة بن حذيفة، وأنجبت منه سليمان، ثم تزوجت من أخ زوجها، مرزوق بن حذيفة، وأنجبت منه أبا حكيم.

كان للشفاء أيضا ابنةٌ لم تشر المصادر التاريخية إلى اسمها، تزوجت من قائد في جيش أبي عبيدة بن الجراح، اسمه شرحبيل بن حسنة.

معلمة وطبيبة

أول ما نزل من قرآن كان “اقرأ”… في مستوى ما من دلالات هذا الفعل، نستقرئ الأهمية التي أولتها رسالة محمد للقراءة والكتابة. هكذا، يُقدّر أن يكون لمن يجيد ذلك منزلة خاصة بين الناس، بخاصة في مجتمع كالذي كانته مكة.

واحدة من هؤلاء، كانت الشفاء… منذ عهدها بـ”الجاهلية”، عرفت القراءة والكتابة في مثال يكاد يكون نادرا؛ فالكتابة بين العرب حينذاك لم تكن منتشرة… وأن يحظى الإسلام وَعُوده لم يشتدْ بعد بامرأة متعلمة، كان، بطريقة ما، مكسبا.

هكذا، ما لبث أنْ تحول البيت الذي أقطعه الرسول للشفاء في المدينة، إلى مركز علمي تؤمه نساء المسلمين، يتعلمن فيه القراءة والكتابة، كما هو شأن ابنة عمر بن الخطاب وزوجة الرسول، حفصة.

يَجهل التّاريخ، اليوم، أيّ أيامه ولدت فيه الشفاء… ولولا الإسلام، ربما، لما كنا لنعرف شيئا عنها؛ فشخصيات عديدة صعدت إلى ركح التاريخ بما رافق ظهور الإسلام من مرويّات، احتفظت بها الألسن قبل أن تستقر في المؤلفات وتحملها إلينا.

اليوم، تُعرّف كتب التاريخ الإسلامي، الشفاءَ، بأنها أول معلمة في الإسلام. بجانب ذلك، وكما يدل على ذلك الاسم الذي اشتهرت به، كانت الشفاء طبيبة، وإن ليس بمعايير اليوم.

عرفت الشفاء بأنها تداوي بعض الأمراض، أبرزها “النّملة”؛ وهي قروح تنتأ في جانبي الجسد تبث شعورا كدبيب النمل، كما كانت تخرج مع الرسول محمد في غزواته لتداوي جرحى المسلمين.

اقرأ أيضا: البيمارَسْتانات… مستشفيات العرب في صدر الإسلام! 1\3

الحق أن الشفاء بعد أن أسلمت، لم تكن وفية للقبها؛ ذلك أنها تركت التطبيب، حتى عرفت حكم الدين الجديد فيه. بعدما أجاز لها الرسول ذلك، عادت لتكون الشفاء.

أما قصة ذلك؛ فيروى عن حفيد لها، اسمه أبو بكر، أن أنصاريا كانت به نملة فدلوه على الشفاء، فسألها أن ترقيه فرفضت وقالت له “والله ما رقيت منذ أسلمت”. قصد الأنصاري الرسول فأخبره بذلك، فدعا الأخير الشفاء يطلب منها أن تعرض عليه ما تقوم به، ثم قال لها “ارقيه وعلميها حفصة”.

قاضية الحسبة؟

مع كل ما بذلته الشفاء للمسلمين في صدر الإسلام، إلا أنه يمكن القول إن ما دون عنها كان مجحفا في حقها… مجحف لأنه شحيح؛ فما وصل من أخبارها إلا القليل.

بعض من ذلك، تم التعامل معه بكثير من التعتيم، كما هو الحال مع حكاية عن توليتها قاضية للحسبة على السوق في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.

إيديولوجيا الاعتراف بتعيين امرأة على رأس مسؤولية ما، يعني ببساطة، ضرب الكثير من المسلمات التي أنتجتها أدلجة الدين، وعلى رأسها… المشكوك في صحته: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.

يقول البعض إن عمر بن الخطاب كان يجل الشفاء ويقدرها، بل وينظر رأيها في مسائل كثيرة، حتى إنه ولاها على نظام الحسبة في السوق، وجعلها تفصل بين الناس في قضاياهم التجارية والمالية، فجرى وصفها بأول قاضية في الإسلام.

قد يكون هذا صحيحا، لكن ما من مصدر واضح له… يقول ابن حجر العسقلاني في “الإصابة في تمييز الصحابة” إن عمرا كان يقدم الشفاء في الرأي ويرعاها ويفضلها و… ربما ولاها شيئا من أمر السوق!

ابن سعد، مثلا، يقول في “الطبقات الكبرى”: “يقال إن عمر ولاها أمر السوق”، ويستطرد متابعا: “ولكن ولدها ينكرون ذلك ويغضبون منه”.

اقرأ أيضا: من مصر، محمد حميدة يكتب: إنهم يأكلون النساء يا رسول الله

نعم… فإيديولوجيا، الاعتراف بتعيين امرأة على رأس مسؤولية ما، يعني ببساطة، ضرب الكثير من المسلمات التي أنتجتها أدلجة الدين، وعلى رأسها… المشكوك في صحته: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.

أيا كان القول، تظل الشفاء، وفق العسقلاني، من أعقل النساء وفضلائهن، وهي اليوم مَعْلم بارز في المراجع التاريخية عن الدور الذي لعبته المرأة في صدر الإسلام…

دون تفاصيل تذكر، كانت نهاية الشفاء في خلافة عمر بن الخطاب، وقد توفيت تحديدا عام 20 للهجرة.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *