صحيح البخاري… صحيح حقا؟ 2\2
في صحيح البخاري نصوص تحط من قيمة الإنسان والإنسانية جمعاء، أسست لبنية ذهنية عربية قوامُها: التطّرف، والصراع، والتفكك الأخلاقي
تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف، كيف طرح جمع الأحاديث النبوية مجموعة من الإشكالات التي تطرق لها الكثير من الباحثين والمهتمين، وعرضنا بعض أهم هذه الإشكالات.
في هذا الجزء الثاني، نتوقف عند واحد من أهم مصنفات جمع الحديث، “صحيح البخاري”، والأسئلة التي يطرحها الكثير من الباحثين حوله.
لا يخفى ما يُشكله كتابُ البخاري: “الجامع المُسند الصحيح المُختصر من أمور رسول الله وسننه وأيامه” الشهير بـ: “صحيح البُخاري” من قُدسية داخل الثقافة الإسلامية، تراكمت عبرالعصُور والحِقب، كونُه – حسب البعض – أصح الكتب بعد القرآن الكريم، والمصدرُ الثاني من أصول التشريع بعد القرآن، بل لعله، أحيانا، يُصنف، إلى جانب القرآن، تصنيفا واحدا.
من هو البخاري؟
هو: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجُعفي، وُلد سنة 194 هــ؛ أي قُرابة القَرنين من وفاة الرسول. اختلف الرّواة حول أصله، إلا أن أبا الوليد الباجي في كتابه: “التعديل والتخريج لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح”، يذهبُ إلى أنه فارسي الأصل نِسبة إلى جده الأكبر بَردِزبَه. سُمي البُخاري نسبة إلى موطنِ نشأته بُخارى، إحدى مُدن أوزبكستان حاليا.
يروي عنهُ الذهبي في كتابِه: “سير أعلامِ النبلاء”، أنه ألهم – أي البخاري – حفظ الحديث منذُ عشر سنين. في ذلك يقول الذهبي: “وبالسند الماضي إلى محمد بن أبي حاتم، قال: قلت لأبي عبد الله: كيف كان بدء أمرك؟ قال: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب. فقلت: كم كان سنك؟ فقال: عشر سنين، أو أقل”.
ومما يُروى عنهُ أيضا، ما جاء في كتاب “تغليق التعليق” لابن حجر قولُه: “قال محمد بن الأزهَر السِّجستاني: كُنت في مجلس سُليمان بنِ حرب، والبُخاري معنا يسمعُ ولا يكتبُ، فقيل لبَعضهم: ماله لا يكتبُ؟ فقال: يرجعُ إلى بُخارى ويكتبُ من حِفظه”.
هذه الرِّوايات وغيرِها، يعتمدُها المُدافعون عن البُخاري وصحيحه، خصُوصا عند الحديث عنْ سعة حفظه للأحاديث، وسُرعة تذكره لها، وبذلك يُبررون قُدرته على جَمع ما يُقارب 600 ألف حديث، أو 800 ألف حسب الروايات في ستة عشر سنة.
البُخاري: قُدراته التي تُشكك في صحة كتابه:
لرواية الحديث ضوابطُها ومُحدداتها، لا يصح الحديث إلا بها، وجلها ترتبط بالرواة، ومن ذلك:
صدقُ الرواة وصلاحهم، خلو الحديث من الشذوذ؛ أي مخالفة الراوي لمن هو أحفظ منه، اتصال السند؛ بمعنى أن يكون كل راو سمع ممن فوقه من الراوة دون واسطة، رواية الحديث حرفيا بمعناه ولفظه.
هذه الشروط الدقيقة، جعلت النقاد يُشككون في قُدرة البُخاري على جمع 600 ألف حديث في 16 عشر سنة وفق ما جاء في كتاب: “هدى الساري لمقدمة فتح الباري” لعلي بن حجر العسقلاني.
المُلفت هو أن كُتب التُّراث، حدثتنا عن قُدرة البُخاري الحِفظية منذ طفولته، تبريرا لقدرته على جمع هذا الكم من الأحاديث في ستة عشر سنة، ووفق معايير رواية الحديث.
الآن، لنقم بعملية حسابية، آخذين فيها بعين الاعتبار طبيعة البيئة الجُغرافية التي عاش فيها البُخاري وطبيعة المواصلات، ثم رحلتُه في شبه الجزيرة العربية من أجل التقصي عن الأحاديث. إذا كان البخاري يراجع الحديث الواحد في ست دقائق وفقا للشروط سالفة الذكر، فإن البُخاري يحتاج إلى 21 سنة في جَمع 600 ألف حديث، وفق عملية رياضية، إليكم تفاصيلها:
3600000= 6×600000 (أي ثلاثة ملايين و600 ألف دقيقة؛ أي 60.000 ساعة).
لو فُرض أن البخاري يعمل 8 ساعات في اليوم، فإنه يحتاج إذن لـ 7500 يوما نحسبها كالتالي:
7500 يوما = 8 ÷ 600000
وباعتبار أن السنة الهجرية تساوي 355 يوما، فإن:
21.1267 = 355 ÷7500
إذن، 21 سنة مُدة جمع البُخاري لهذه الأحاديث، وفق العملية المُبسطة التي قدمناها أعلاه؛ وهذا يفترض أن البخاري كان يشتغل 7 أيام في الأسبوع وأنه لم يمرض ولم يسافر ولم يتأخر عن جمع والتحقق من الأحاديث ولو يوما واحدا خلال هذه الفترة.
هذا من جانب. من جانب آخر، يذهبُ النووي في كتابه: “فتحُ المغيث بشرح علوم الحديث”، أن عدد أحاديث صحيح البخاري تقدر ب: 7275 بالمُكرر منها.
إذن، من 600 ألف حديث صَحَّ منها سبعة آلاف؛ أي أن أزيد من 98% غير صحيحة، مما يُشكك بالفعل في مصداقية 2% المُتبقية.
أحاديث مُتناقضة مع القرآن:
أهم ما ما يُنكر على البُخاري قي صحيحه، أنه شَمل أحاديث تُناقض القرآن الكريم، بل إن الأمر يصلُ أحيانا، حد مُخالفة الشرائع والأحكام القرآنية، ومن ذلك قول الله تعالى في سورة النور: “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ”.
الحكمُ هنا واضح لا يحتاجُ إلى التأويل، غير أن البُخاري في صحيحه، يورد حُكما في هذه النازلة، تفرد به عن القرآن. ففي الجزء الثامن في باب “رجم المُحصن”، يورد البخاري: “حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن بن شهاب قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رجلا من أسلم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه أنه قد زنى فشهد على نفسه أربع شهادات فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم وكان قد أحصن”.
الإشكال المترتب عن مثل هذه الأحاديث، أن بعض الدول الإسلامية – لعل أبرزها أفغانستان إبان حكم طالبان – تأخذُ بحكم البخاري، لا بحُكم القرآن.
كذلك، انطلاقا من قول الله تعالى في سورة فاطر: “لا تزر وازرة وزر أخرى”، يُمكن رد مجموعة من الأحاديث؛ حيث يذهب ابن كثير، في تفسير هذه الآية، إلى أن كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب، فإنما عليها وزرها لا يحمله عنها أحد. والآية لا تضعُ استثناءات في هذا الحُكم. وبذلك يُشكك في حديث البخاري قوله:
“أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى”.
أحاديث تُناقض القيم الإنسانية:
فكك الفكر التنويري جُملة من المفاهيم التي كانت سائدة في المُجتمع الأوروبي، وكانت سببا في تضعضع إنسانية الإنسان، ليَحل محلها، بعد صراع مع الذات والجماعة والأنظمة، مفاهيمُ أخرى أسست لمشروع فكري قوامُه القيم الإنسانية الكونية.
في كتاب البُخاري نصوص تحط من قيمة الإنسان والإنسانية جمعاء، أسست لبنية ذهنية عربية قوامُها: التطّرف، والصراع، والتفكك الأخلاقي.
لا شك أن المرأة اليَوم جنبا إلى جنب مع الرجل، يُسهمان في بناء المُجتمع وتطَوره. غير أن هناك أحاديث تُفسر السبب وراء النّظرة الإقصائية للمرأة في مُجتمعاتنا العربية. من ذلك قول البُخاري:
“حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم“.
ومنه أيضا: “عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا دعا الرجلُ امرأتَه إلى فِراشِه فأَبت أن تَجِيء فبَات غَضبَانا، لعَنَتها الملائكةُ حتى تُصبِح).
أحاديث وأخرى تبين كيفيية تعامُل بعض كُتب التراث الديني مع المرأة، كوْنُها تحت وصاية الرجل، نفيا لفطرة الإنسان الصافية.
من زاوية أخرى، تُشكل بعضَ الأحاديث مرتعا خِصبا لنمو فِكر التطرف والوصاية العقائدية، ولعل الحديث المَشهور: “من بدل دينه فاقتلوه” دليل على ذلك.
التعامُل مع الخطاب الديني الحديثي، على أنه خطاب وَضعي، لا سماوي مُقدس، كفيل بإعادة تشكيل البنية الذهنية المسلمة، وربما… تحريرها من عدد كبير من شوائب القيم اللاإنسانية التي علقت بها، بسبب أحاديث كثيرة مشكوك فيها.
هذا دون الحديث عن الأحاديث المتضمنة في صحيح البخاري والتي تتحدث عن محاولة الرسول الانتحار، والتي كنا قد خصصنا لها مقالا خاصا على مرايانا.
المراجع:
ــ أبو الوليد الباجي: التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب.
ــ محمد بن أحمد الذهبي: سير أعلامِ النبلاء، بيت الأفكار الدولية.
ــ ابن حجر العسقلاني: تغليق التعليق على صحيح البخاري، دار عمار 1985.
رشيد إيلال: صحيح البخاري نهاية أسطورة، دار الوطن، ط1، 2017.
لقراءة الجزء الأول: جمعُ الأحاديث وتصنيفها: لماذا يطرحُ إشكالات؟ 1\2
مقالات قد تهمك:
- من اليمن، حسين الوادعي يكتب: حول البخاري وأصحابه
- الأصول الفقهية… هكذا حرم فقهاء السنة زواج المتعة وحللوا المسيار
- الفقهاء والجنس: التلذذ بالآدمية والاستمتاع بزوجة رجل آخر (1\2)
- الفقهاء والجنس: جواز الزواج من البنت والأم وباقي المحارم (2\2)
- من اليمن، حسين الوادعي يكتب: الوصايا العشر لإصلاح علاقة الإسلام بهذا العصر