الأصول الفقهية… هكذا حرم فقهاء السنة زواج المتعة وحللوا المسيار 3/4 - Marayana - مرايانا
×
×

الأصول الفقهية… هكذا حرم فقهاء السنة زواج المتعة وحللوا المسيار 3/4

بعض الصحابة جاؤوا إلى الوجود من باب المتعة، إذ يُشير ابن حجر العسقلاني إلى ذلك فيقول:
“عن سعيد بن جبير، سمعت ابن الزبير يُعرّض بابن عباس فقال: إن هاهنا قوما أعمى الله أبصارهم وهم يُفتون في المتعة أنه لا بأس بها، فقال ابن عباس: أما لا، فليسأل أمه، فسألها، فقالت: صدق ابن عباس قد كان ذلك، فقال ابن عباس: لو شئت أن أسمي ناسا من قُريش ولدوا منها لفعلت”.

في الجزأين الأول والثاني من هذا الملف، تعرضنا لظاهرة زواج المسيار، وقد وجدنا أنها إحدى التجليات الحديثة لزواج المتعة. أما في الجزء الثالث، سنتطرق إلى ظاهرة زواج المتعة والأصول الفقهية للظاهرة، وإشكالية تحريمها، محاولين تفكيك البنية التي اعتمد عليها المتأخرون في تحريم زواج المتعة خلال موقعة خيبر، والانتقائية الشديدة التي تم التعامل بها مع الأحاديث الأخرى، مسلطين الضوء على أحد الظواهر الشاذة التي تُشير إلى محدودية نظرة فقهاء الإسلام إلى المرأة بشكل خاص، وإلى عملية التطور التي تخضع لها المجتمعات بشكل عام.

عندما نخوض غمار البحث عن الأصول الفقهية والعملية لزواج المسيار، نجد أقرب عملية في تاريخ الإسلام للعملية التي نحن بصدد تشريح فصولها وتبيان ماهيتها تمثلت في زواج المتعة وزواج الليلية والنهارية. فزواج المتعة كان معمولا به بفتوى من الرسول، إذ نجد في مسند الإمام أحمد بن حنبل ما يلي: “حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا إسماعيل، عن قيس، عن عبد الله، قال: كنا نغزو مع رسول الله، وليس لنا نساء، فقلنا: يا رسول الله، ألا نستخصي؟ فنهانا عنه، ثم رخص لنا بعدُ في أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: يا أيها الذين أمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين [المائدة: الآية 87][1]”. كما تُشير أسماء بنت أبي بكر إلى تشريع هذه العملية قائلة: “حدثنا يونس، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شُعبة، عن مسلم القري، قال: دخلنا على أسماء بنت أبي بكر، فسألناها عن متعة النساء، فقالت: فعلناها على عهد النبي[2]”.

اقرأ أيضا: من مصر، محمد حميدة يكتب: إنهم يأكلون النساء يا رسول الله

 يُشير البعضُ إلى كون تحريم زواج المتعة حدث يوم خيبر، إذ أن أحد الأحاديث المُدونة في صحيح مسلم يُشير إلى ذلك، فنجد ما يلي: “حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير: حدثنا أبي: حدثنا عبيد الله، عن ابن شهاب، عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما، عن علي أنه سمع ابن عباس يُلين في متعة النساء، فقال: مهلا، يا ابن عباس! فإن رسول الله نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية[3]”، وقد كانت موقعة خيبر في السنة السابعة للهجرة؛ بينما نجد في مواضع أخرى أن زواج المتعة ظل معمولا به بعد موقعة خيبر بمباركة الرسول، إذ لم يتم تحريمه في موقعة خيبر إلا في حديث واحد…

بينما يُشير حديث آخر إلى ممارسة زواج المتعة في موقعة أوطاس، ونصه كالتالي: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا يونس بن محمد: حدثنا عبد الواحد بن زياد: حدثنا أبو عميس، عن إياس بن سلمة، عن أبيه قال: رخص رسول الله، عام أوطاس، في المتعة ثلاثة، ثم نهى عنها[4]”، وقد كانت سرية أوطاس في السنة الثامنة للهجرة.

رب قائل يشير إلى خاتمة الحديث، لكن الحديث الذي أشرنا إليه أو الأحاديث القادمة لا تحتوي على تاريخ النهي بالتحديد، مما يوجب تمحيصها، إذ تشير بعض المراجع إلى كون تحريم زواج المتعة كان وراءه عمر بن الخطاب ولم يُحرمه رسول الإسلام[5]، بل إن عمر بن الخطاب أقحم الرسول في تأكيده، ولو كان نكاح المتعة محرما فيما قبل، لما كان عمر بن الخطاب نهى عنه في فترة خلافته، إذ كان القاصي والداني سيعلم التحريم عبر التواتر الذي لم تتعد مدته العقد.

نجد حديثا آخرا يشير إلى كون التحريم قادمٌ من عند عمر بن الخطاب، ونصه كالتالي: “حدثنا حامد بن عمر البكراوي: حدثنا عبد الواحد (يعني ابن زياد)، عن عاصم، عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد الله، فأتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله، ثم نهانا عنهما عمر، فلم نعد لهما[6]”. بينما نجد حديثا آخرا يُشير إلى تحريم زواج المتعة في السنة الثامنة للهجرة، وتحديدا يوم فتح مكة، ونصه ما يلي: “حدثنا إسحاق بن إبراهيم: أخبرنا يحيى بن آدم: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن عبد المالك بن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه، عن جده قال: أمرنا رسول الله بالمتعة عام الفتح، حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها[7]”؛ بينما يُشير حديث آخر إلى عدم تحريم المتعة في عهد الرسول أو عهد عمر بن الخطاب، إذ يقول: “حدثنا الحسن الحلواني: حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج قال: قال عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمرا، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا المتعة، فقال: نعم: استمتعنا على عهد رسول الله، وأبي بكر وعمر[8]”.

أخوات الصفا: منظمة نسائية تأخذ مواقف جريئة من قضايا الزواج والتحرش والحجاب في خمسينيات القرن الماضي (2/3)

وقد كان تعاطي عمر بن الخطاب مع الآليات التي تُسير عملية عيش المسلمين آنذاك قويا، إذ كان يهدد كل متزوج يُمارس زواج المتعة بالرجم[9]، مما يدل على كون زواج المتعة ظل معمولا به بعد وفاة الرسول، بل يُمكننا القول إن الرسول لم يُحرم زواج المتعة حسب المراجع السنية المتقدمة. بينما توجد عدة أحاديث تثبت جواز زواج المتعة في المراجع السنية، لكن، بغية تبسيط المفاهيم والتقليل من عدد السطور، سنكتفي بما سبق ذكره.

وكي نختم باب زواج المتعة، نُشير إلى كون بعض الصحابة جاؤوا إلى الوجود من باب المتعة، إذ يُشير ابن حجر العسقلاني إلى ذلك فيقول: “عن سعيد بن جبير، سمعت ابن الزبير يُعرّض بابن عباس فقال: إن هاهنا قوم أعمى الله أبصارهم وهم يُفتون في المتعة أنه لا بأس بها، فقال ابن عباس: أما لا، فليسأل أمه، فسألها، فقالت: صدق ابن عباس قد كان ذلك، فقال ابن عباس: لو شئت أن أسمي ناسا من قُريش ولدوا منها لفعلت[10]”.

 

لقراءة الجزء الأول: المسيار… زواج المتعة عند المسلمين السنة 1/4

لقراءة الجزء الثاني: زواج المسيار… نشأ في السعودية وتحول إلى عملية ابتزاز بعنوان “الجنس مقابل العمل” 2/4

لقراءة الجزء الرابع: زواج المسيار… تهافت الثراث الفقهي 4/4

 

 

[1] أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، الجزء السابع، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ص 93
[2] أبو داود الطيالسي، مسند أبي داود الطيالسي، الجزء الثالث، تحقيق محمد بن عبد المحسن التركي، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة الأولى، الجيزة، 1999، ص 208
[3]  مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقيق نظر محمد الفاريابي، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، الرياض، 2006، ص 635
[4] نفسه، ص 633
[5] محمد ناصر الدين الألباني، صحيح سنن ابن ماجه، الجزء الثاني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، الرياض، 1997، ص 154
[6] مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، مرجع مذكور، ص 633
[7] نفسه، ص 634
[8] نفسه، ص 632
[9] ابن ماجه، سنن ابن ماجه، الجزء الأول، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، ص 631
[10] ابن حجر العسقلاني، إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة، الجزء السابع، تحقيق يوسف عبد الرحمن، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، الطبعة الأولى، المدينة المنورة، 1996، ص 180

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *