الحجاج… طاغية بني أمية
تجمع الكثير من المصادر التاريخية على أن الحجاج نشأ مُعظّما للقرآن على نحو قل نظيره، حتى قيل إن عمر بن عبد العزيز، رغم وصفه إياه بـ”عدو الله”، قال فيه: “ما أحسده على شيء حسدي إياه على حبه للقرآن”.
مع ذلك، يندر أن تجد نقطة ضوء في سيرة الحجاج، عدا في نظر من ولّاه، حيث كان الرجل المناسب للمكان والزمان المناسبين.
كان الحجاج خبرا غير عادي في الدولة الأموية… كان في عين من ولاه الرجل المناسب دون منازع، وكان في أعين الناس نذير شؤم يرجفون بذكره، يرجون موته ليستردوا صفو الحياة…
قبل أن يلقب ويشتهر بـ”الحجاج” لفرط ما حطم من العظام، كان اسمه كُليب بن يوسف الثقفي… وكليبٌ هذا، ابن قبيلة ثقيف التي تقع بمدينة الطائف، حيث رأى النور عام 40 هـ [1].
يقول ابن كثير: “كان فيه (ويقصد الحجاج) حب لسفك الدماء، لأن أول ما ارتضع ذلك الدم الذي لطخ به وجهه”…
تقول الحكاية إن الحجاج، بعد ولادته، ظل مُضربا عن ثدي أمه حتى ظنوا أن الموت يترصده، فحدث أن أشار أحدهم على أبيه بأن يسقيه دم جدي ثم دما يقطر من سلاح… حين فعل بذلك، استجاب أخيرا!
عام 95هـ، ظفر الحجاج بسعيد بن جبير، فأمر بضرب عنقه… وكان آخر رجل يقتله الحجاج، فبعد أيام، سيخرج من معدته الدود!. كان ذلك سرطان المعدة بلغة العصر، وقد حاول طبيب الحجاج “تياذوق” جاهدا أن يشفيه دون جدوى.
المصادر التاريخية أجمعت على أن الحجاج نشأ مُعظّما للقرآن على نحو قل نظيره، حتى قيل إن عمر بن عبد العزيز، رغم وصفه إياه بـ”عدو الله”، قال فيه: “ما أحسده على شيء حسدي إياه على حبه للقرآن”.
مع ذلك، يندر أن تجد نقطة ضوء في سيرة الحجاج، عدا في نظر من ولّاه، حيث كان الرجل المناسب للمكان والزمان المناسبين.
كان الحجاج، استنادا إلى سيرته، أحد الولاة القساة، طاغية، ما قتل أحد مثله من معارضي الدولة الأموية. لذلك كان المناسب، فالدولة عاشت أوقاتا حالكة بعد وفاة مؤسسها، معاوية بن أبي سفيان.
أول ما للحجاج من حضور مؤثر على مسرح التاريخ الإسلامي، كان حين ثار عبد الله بن الزبير (ابن العوام) على الدولة الأموية… أما عن تأثيره، فبعضهم يقول إن الولادة الجديدة للدولة كانت على يديه.
الذي حدث أن قائد الشرطة، نوح بن زنباع، قربه إليه ورقاه على أصحابه، فأخذهم بالشدة وضبطهم وأمرهم بالطاعة المطلقة لأولي الأمر… ولما رآه كذلك، قدمه إلى الخليفة عبد الملك بن مروان.
حين قرر الأخير أن يتخلص من عبد الله بن الزبير، جعل الحجاج قائدا لمعركة مكة، التي قتل فيها عبد الله… كان ذلك عام 73هـ.
يومها، جاء الحجاج أسماء بنت أبي بكر يسألها رأيها عما حل بابنها عبد الله، فقالت له كما يروى: “سمعنا رسول الله يقول إنه يخرج من ثقيف رجلان، الكذاب والمُبير. وأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير (المبيد) فلا أظنه سواك”.
وكان بعد ذلك أن وُلّي على العراق، حيث بنى مدينة “واسط” وجعلها عاصمته، وقد ظل واليا هناك لعشرين عاما حتى مات…
أول ما نزل بالكوفة، أمر أن يجتمع الناس بالمسجد، ثم دخل عليهم ملثما بعمامة حمراء، واعتلى المنبر ثم جلس واضعا سبابته على فمه ينظر إليهم… ولما ضاق بهم صمته، خلع على حين غرة لثامه، وقال خطبته الشهيرة: “يا أهل العراق، يا أهل النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق… إلخ”.
أماط في خطبته هذه اللثام أيضا عن شخصيته وبَيّن سياسته الشديدة، ملقيا بذلك الرعب في أهل العراق، التي حكم منها باقي الجزيرة العربية؛ فقد قاتل الخوارج ومن ثاروا على الدولة الأموية في معارك شتى، كانت الغلبة فيها دائما تؤول إليه.
شدة الحجاج على الناس بلغت حد أن خاطبهم الإمام الحسن البصري قائلا: “إن الحجاج عذاب الله، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع فإنه تعالى يقول: “ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون”.
مات الحجاج… لكنه ظل يحير الناس بتناقضاته حتى بعد موته؛ فطاغية بني أمية، يذكر ابن عساكر، لم يخلف لورثته سوى ثلاثمائة درهم، ومصحفا وسرجا ورحلا ومائة درع موقوفة!
“كان فيه شهامة عظيمة وفي سيفه رهق[2]، وكان يغضب غضب الملوك…”، يصف ابن كثير شدته، مضيفا: “كان جبارا عنيدا مقداما على سفك الدماء بأدنى شبهة، وقد رويت عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر، فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها، وإلا فهو باق في عهدتها ولكن يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه…”.
بعض من تلك الزيادة، مثلا، ما قيل عن وضعه ذات خطبة لمقام الخلافة فوق مقام النبوة.
أما سفكه للدماء بأدنى شبهة، فتلك كانت عقيدته، هو نفسه يفصح عن ذلك، كالذي قاله ذات يوم على المنبر: “والله لو أمرت الناس أن يخرجوا من باب من أبواب المسجد فخرجوا من باب آخر لحلت لي دماؤهم وأموالهم…”.
الترمذي في سننه يروي أنه أحصي ما قتل الحجاج فبلغ مائة وعشرين ألف قتيل… بذلك يقول الحافظ الذهبي إن الحجاج كان أحد ذنوب عبد الملك بن مروان.
عام 95هـ، ظفر الحجاج بسعيد بن جبير، فأمر بضرب عنقه… وكان آخر رجل يقتله الحجاج، فبعد أيام، سيخرج من معدته الدود!
كان ذلك سرطان المعدة بلغة العصر، وقد حاول طبيب الحجاج “تياذوق” جاهدا أن يشفيه دون جدوى.
ومات الحجاج…
مات في رمضان[3] 95هـ وهو يدعو ربه يقول: “اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل”.
مات وما أن عم خبر موته، حتى عم الفرح الناس… تقول الروايات إن عمر بن عبد العزيز خر على الأرض ساجدا شاكرا، وكذلك الحسن البصري، فيما بكى إبراهيم النخعي من شدة الفرح.
مات… لكنه ظل يحير الناس بتناقضاته حتى بعد موته؛ فطاغية بني أمية، يذكر ابن عساكر، لم يخلف لورثته سوى ثلاثمائة درهم، ومصحفا وسرجا ورحلا ومائة درع موقوفة!
[1] قيل أيضا عام 39هـ وقال آخرون عام 41هـ.
[2] الهلاك والظلم.
[3] وقيل في شوال.
مواضيع قد تهمك:
- دولة “الإسلام”: من العدل والرحمة إلى الجور والاستبداد… حكم “السفاح المبيح” 3/3
- أبو العباس “السفاح” ونبش قبور بني أمية… حكاية “إعدام” الموتى!
- في مفهوم “الطاغية”: من سلطان الله في أرضه إلى “الرئيس المُخلّص”! 5/5
- توريث جاه النبوة: سياسة للناس، توسيع للنفوذ ومراكمة للثروات! 3/2
- من نقد التراث إلى نقد العقل: الجابري يفكك عقل الغنيمة، القبيلة وشرعنة الاستبداد 3/3
الحجاج منتوج لعصره المطبوع بكثرة الفرق ، وتكرار ظواهر الخروج عن مركزية الدولة، من إبن لزبير إلى الأشعث، وطبيعي أن يكون كذلكــ، وأن بحظى في سياساته بمباركة الخليفة عبد الملكـ لدرجة أن هذا الأخير ، وهو على فراش الموت ، أوصى ولي عهده الوليد، بالإعتناء به والأخذ برأيه، وبما يقدم عليه من الأمور
هدا رائع
لاحول ولاقوة الا بالله العلي العضيم
Bien
مواضيع مهمة