نساء مخترعات: ابتكارات بتاء التأنيث! 2\2
نحتاج ربما للتذكير بأمر بديهي مفاده أن الأسماء التي نقدمها في هذا الملف ليست حصرية، إذ لا شكّ أن هناك أسماء نسائية كثيرة، في مجال الاختراع…
تابعنا في الجزء الأول حكاية المخترعة ماركريت ويلكوكس، التي اخترعت نظام التدفئة في السيارات، وميليتابنتز، التي شيدت باختراعها إمبراطورية للقهوة.
في هذا الجزء الثاني، نتابع حكاية المخترعات آنا كونيلي، التي ابتكرت فكرة الدرج الخارجي في منازل الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى المبتكرة تابيثا بابيت، التي أبدعت المنشار الدّوّار، انتهاء بقصة هيدي لامار، التي انتقلت من السينما إلى الابتكار، بإبداع.
السّلامة للجميع
توصف بمساعدة المواطنين، لأن فكرة الدرج الخارجي، الذي نراه كثيراً في أمريكا، يعود إلى بنات أفكارها.
تلكَ آنا كونيلي التي كانت واحدة من أوائل النساء اللائي قدمن فكرة إلى مكتب براءات الاختراع في عام 1887، في وقت لم يُسمح فيه للنساء بالتّصويت أو حتى العمل خارج المنزل في الولايات المتّحدة الأمريكية حينها.
خطرت لها فكرة السلم خارجي، أي درجا يكون خارج كلّ بيت تحسّبا لأي حريق محتمل. ولا يزال اختراعها معمولاً به في الولايات المتحدة إلى اليوم، فخارج كلّ بيت هناك درج فولاذيّ خارجي. وهو أمر حيويّ للسلامة.
أدى اختراعها هذا، في نهاية المطاف، إلى إعادة النظر في قوانين البناء الأولى في نيويورك. وكان هذا السلم متضمّنا في القانون، فأي بيت مطالبٌ بوضع وسيلة ثانية للناس، لضمان إمكانية الهروب من المباني في حالة الطوارئ، أي “سلم الحريق”.
آنا كونيلي كانت، حينها، واحدة من أوائل النساء اللائي قدمن براءة اختراع في البلد بعد الحرب الأهلية، عندما سُمح للنّساء أخيراً بتقديم براءات الاختراع بأنفسهنّ ووضعها بأسمائهنّ. وكان تصميمها طريقة ثورية لجعل المباني أكثر أمانًا، حيث تكون هناك حماية استباقية، تنجي السكان من السقوط أو القفز من طوابق شاهقة في حالة طارئة.
اختراع كونيلي كان يُعرف تقنيا باسم “جسر النجاة من الحريق”، ويكون عمليا محاطًا بسور وبه فتحات في النّهاية، فهيكل الدرج، الذي يشبه الجسر، يربط المباني المجاورة. وإذا اندلع حريق وتمكن الأشخاص من الوصول إلى الجزء العلوي من المبنى، فيمكنهم الهروب عبر الجسر للوصول إلى المبنى المجاور بأمان.
لم تقدم كونيلي الدرج كحل فقط، بل عزّزته بجوانب فولاذية أو حديدية، لكي يمنع الناس من الانزلاق أو السقوط يمينا أو شمالاً، خلال عمليات الهروب من الحريق.
في النهاية، كونيلي لاتزال حاضرة في حياة معظم الأمريكيين… ولعلّها مسؤولة بشكل مباشر عن إنقاذ حياة الآلاف من الناس منذ ما يقرب من 150 عاما.
أصل المنشار الدّوّار
تقف المخترعة تابيثا بابيت ووراء اختراع آلة، تعتبر في مناطق كثيرة “رجولية” بشكل خالص: المنشار الدوار. وحتى حين اخترعته، عام 1810، لم تكن النساء وقتها تمارسن أعمالاً تتعلق بالنجارة مثلاً، وبالتالي لم يكن اتصالهنّ بالآلات رائجا.
لكن… تبعا لملاحظتها للصّعوبات التي يواجهها الرّجال مع المناشير التقليدية، أثناء قطع الأخشاب والنجارة، أدركت أن المنشار الدوار سيكون بالتأكيد أكثر نجاعة بأقل جهد بدنيّ ممكن. بحثت بابيت عن طريقة للعمل بذكاء وليس بقوة.
وصفت من طرف محيطها بأنها كانت “لبقة، دقيقة الملاحظة، موهوبة وواحدة من أكثر نساء الطائفة ذكاء”.
هكذا، وضعت تابيتا تصميما للجزء الأول من المنشار، ثم صنعت النصل (أسنان المنشار) بشكل دائريّ، ثم عملت على تركيب تلك الأسنان على عجلة يمكن أن تدور بسرعة كبيرة، لذلك يقطع المنشار الخشب في كل حركة يتحركها. وكان هذا ابتكارا هائلا يمكن أن يستخدم بسهولة من طرف النساء والرجال على حد سواء.
في صيف عام 1948، تم عرض نسخة من منشار بابيت، في معرض شاكر في فينيمور هاوس في كوبرستاون، نيويورك، على سبيل الإعارة من متحف ولاية نيويورك.
في آخر الحكاية، لم تحصل بابيت على براءة اختراع لمنشارها الدوار، والإشارة إليها موجودة فقط في تقاليد شاكر (تفسير)، كما أن هناك جدلا حول ما إذا كانت هي أول مخترع للمنشار. بل هناك روايات تقول إنّ فرنسيان حصلا على براءة اختراع للمنشار الدائري في الولايات المتحدة بعد قراءتهما عن منشار بابيت في مجلات شاكر.
مشوّشة الإشارات اللاسلكية
قبل أن تلج عالم الاختراع، دخلت هيدي لامار إلى عوالم السينما مبكراً، إذ تم منحها الدور الرئيسي في فيلم غوستاف ماتشاتو “النشوة” (إكستاسي)، وهي في سنّ الثامنة عشرة. غير أن بدايتها كانت متعثرة لأن هذا الفيلم أحدث ضجّة لما يتضمنه من مشاهد “جنسية فاضحة” و”خليعة”، بمعايير ذلك الوقت.
غير أن الفيلم اعتبر في جميع أنحاء أوروبا، عملاً فنيا. أما في أمريكا، فقد تم اعتباره عملا جنسيًّا بشكل مفرط وحظي بدعاية سلبية، خاصة بين بعض المجموعات النسائية، فجرى حظره هناك وفي ألمانيا.
في غشت 1933، تزوجت لامار من ماندل في كارلسكيرش. كانت تبلغ من العمر 18 عاما وكان يبلغ من العمر 33 سنة. في سيرتها الذاتية “أنا وإكستاسي”، وصفت ماندل بأنه زوج متحكم للغاية اعترض بشدة على مشهد النشوة المزيفة في فيلم إكستاسي ومنعها من متابعة مسيرتها المهنية كممثلة. اعتبرت نفسها محتجزة في قلعته وحريتها مكبلة كليا.
كان لماندل علاقات اجتماعية وتجارية وثيقة مع الحكومة الإيطالية، حيث كان يبيع الذخائر للحكومة، وعلى الرغم من أن والده كان يهوديا مثل هيدي، إلا أنه كان له أيضا علاقات مع النظام النازي في ألمانيا. كتبت لامار أن الديكتاتوريين من كلا البلدين حضروا حفلات فخمة في منزل ماندل.
على هامش ذلك، رافقت لامار ماندل في اجتماعات العمل، حيث تحدثت مع العلماء والمهنيين الآخرين المشاركين في التكنولوجيا العسكرية. وكانت هذه اللقاءات بمثابة دروس مقدمة للامار في مجال العلوم التطبيقية. تركت زوجها، الذي كان قريبًا جدًّا من النازيين، بهروبها عام 1937، واستأنفت مسيرتها الفنية في الولايات المتحدة.
في بداياتها في الولايات المتحدة، واعدت هيدي بعض أشهر رجال هوليوود، بما في ذلك هوارد هيوز، الطيار ورجل الأعمال، الذي يشاع أنه اصطحبها للقيام بجولة في مصانع الطائرات، وطلب منها المساهمة في وضع تصميم ونظرية للطيران.
لكن، بحلول عام 1942، توصلت العقلية الإبداعية لهيدي إلى اختراع غير مسبوق، حيثُ فكرت في إنشاء إشارات تردد لا يمكن تعقبها أو تشويشها. اتصلت بصديقها، الملحن وعازف البيانو جورج أنثيل، لمساعدتها على تطوير جهاز للقيام بذلك، ونجح في مزامنة البيانو المصغر مع إشارات الراديو. وتم استخدام هذا الاختراع في الحرب العالمية الثانية.
أيضًا، في خضم الحرب، كانت والدتها اليهودية عالقة في فيينا، بينما هيدي موجودة في الولايات المتحدة الأمريكية وخائفة على والدتها من أن تسقط في قبضة النازيين الذين ينكّلون باليهود. حاولت أن تساعد والدتها للوصول إلى أمريكا. كان الطريق البحري من لندن إلى أمريكا غير آمن، فالنازيون يفجرون كل سفينة أمريكية.
هيدي الخائفة على والدتها خلال قصف لندن، لم تدّخر أيّ جهد فكري لابتكار طوربيد متقدم للغاية قابل للتحكم به عن بعد، ويمكنه رصد وتدمير كل غواصة نازية في المحيط الأطلسي. سيفتح ذلك طريقا آمنا بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. كما صمّمت “نظام اتصال سري” لا يمكن اختراقه، ويعيق أي محاولة للنازيين من اختراق الإشارة اللاسلكية. ونالت عليه براءة الاختراع تحت اسم هيدي كيسلر ماركي (ماركي هو الاسم الذي حملته عن زوجها).
ختاما، نحتاج ربما للتذكير بأمر بديهي مفاده أن الأسماء التي قدمناها في هذا الملف ليست حصرية، إذ لا شكّ أن هناك أسماء نسائية كثيرة، في مجال الاختراع، على غرار الأمريكية آدا لوفلايس التي اخترعت برمجة الحاسوب، وكذلك ماري أندرسون التي ابتكرت ماسحات زجاج السيارة الأمامي، ناهيك عن الممثلة الأميركية من أصل كندي فلورنس لورنس، التي اخترعت أضواء تغيير الاتجاه، كما كانت جوزفين كوشران أول مخترعة لغسالة آلية لتنظيف الصحون.
إضافة إلى ليليان مولر غيلبرت التي ابتكرت دواسة فتح غطاء سلة المهملات، وحصلت ليتيسيا منفورد غير على براءة اختراع أول حقنة لضخ الدواء في الجسم وبيد واحدة، وكثير من الابتكارات التي لازالت تخدم البشرية!
مقالات قد تثير اهتمامك:
- حصريا لمرايانا: سيلفيا لوبيز إيكرا، المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في المغرب: المساواة بين الجنسين ليست قضية أنثوية حصرًا، بل يجب أن تهمنا جميعًا
- التمييز بين الجنسين: هل يظل هدف المساواة بين الرجل والمرأة في المغرب مجرد حبر على ورق؟ 2/2
- هشام روزاق يكتب. شكيب بنموسى؟ درس قديم في فبركة السراب
- المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: لا يزال هناكَ عدد من أشكال التّمييز القَائم على الجِنس
- المساواة في الإرث في المغرب: الإرث…التاريخ … القوامة وسقوط العلة 3/3
- انعدام المُساواة الجندرية في سوق الشّغل بالمغرب… كم يكلّف اقتصاد البلد؟