يواجهون الإذلال اليومي بابتسامة مزيفة: عن “محنة” حراس الأمن الخاص بالمغرب
سيبدو الأمر “مرعبا”، حين نعرف أنّ تقديرات الفاعلين النقابيين والجمعويين تقول بأنه يوجد في المملكة المغربية ما يزيد عن مليون و200 ألف شخص، يقفون في مداخل وأبواب الشركات والمؤسسات والمعاهد والفنادق والوكالات كحراس أمن. لكنّ، لماذا سيصبح الوضع “مرعبا” يا ترى بما أنها مجرد عملية إحصائية؟
الأمر خطير، إن لم نقل “كارثي”، لأن النسبة الكُبرى من هؤلاء الحراس، ذكوراً وإناثاً، يشتغلون في ظلّ وضعية صعبة تنتفي فيها أدنى شروط العيش الكريم، وتنعدم فيها، أيضا، أبسط الحقوق العادية في نطاق الشغل: أجرة محترمة وتصريح في الضمان الاجتماعي وحقّ في العطل الدّينية والوطنيّة، وتحديد ساعات العمل… كل هذه الأشياء غير موجودة.
“المأساة” من أفواههم
لا يتردد عزيز، الحارس بأحد أبناك العاصمة الرباط، في وصف حياة حراس الأمن الخاص بـ”المأساة”. ليس لأنها مأساة شغل فحسب، بل “هي مأساة مجتمعية حقيقية. فالمعاناة التي نعيشها كحراس لا تمسّ مصالحنا في سوق الشغل ومداخيلنا، بل أيضا تمسّ كرامتنا لأنها بمثابة إذلال يوميّ نواجهه بابتسامة مزيّفة”.
عزيز في تواصله معنا يؤكّد أنّ أجرته هي 1800 درهم، ويتمّ تأخير صرفها أحيانا لشهرين أو أكثر: “الشّركة في الحكاية لا تهتمّ لما نُعانيه ولا تعير قيمة لمشاغلنا، رغم أنّ الأدوار التي أقوم بها تتجاوز الحراسة، فيعهدُ إليّ تنظيم الناس في البنك”.
يضيف المتحدث بألم: قد يرسلونني لطبع بعض الأوراق في حال عدم وجود الشبكة في البنك، وقد أساعد المواطنين في الشباك الأوتوماتيكي. كلها أدوار خارج اختصاصاتي، لكن الأصعب بينها أن الموظفين يطلبون مني إحضار القهوة. هكذا ينظرون إلينا كحرّاس، كخدم فقط.
حين يفاتح عزيز ربّ شركة المناولة عن الزّيادة في الأجر بسبب أقدميّته التي تعدّت ثلاث سنوات، يقول له ما مفاده أنه لا بديل بالمطلق عن أجرته الحالية، بحجة أنه مسجّل في الضمان الاجتماعي.
هذا ما يفسره لنا عزيز مبيّنا أنّه “حتى التّسجيل في الضّمان الاجتماعي في حالته خاضع للتلاعب، حيث تصرح الشركة بأن أجرتي هي 2700 درهم، بينما هذا غير صحيح. لكن هذا التسجيل جعلني أنظر إليه بنوع من الامتياز، لأنني أعرف أن آلافا من الحراس غير مسجلين في الضمان الاجتماعي”.
المأساة التي حدثنا عنها عزيز، يتقاسمها معه ابراهيم الذي يشتغل حارسا بإحدى مؤسسات التّعليم العالي بالرباط. يقول مؤكداً: أجرتي الحالية هي 2000 درهم، لكن دون تصريح به في الضّمان الاجتماعي. يقول لي الكثيرون أن أسلك مسطرة القضاء، لكني أعرف أن المسار مكلف ماديا ومعنويا، وقد يكلفني أيضا مهنتي الحالية.
يعتقد ابراهيم أنه لو قاضى الشركة، التي يشتغل معها لخمس سنوات دون تصريح ودون حماية اجتماعيّة أو تأمين عن الحوادث، فسيكون عاجزاً عن توفير صوائر المتابعة القضائية، في حين أن الشّركة لن تخسر سوى تكليف محامي لمتابعة القضية.
يمضي المتحدث قائلا: “نعيشُ حياتنا اليومية والأسرية بصعوبة، ونضطرّ إلى الاقتراض كل شهر. لديّ أربعة أطفال، فلو كنتُ أتقاضى عنهم أجر التصريح، كان سيكون أفضل لي. الأجرة الحالية هزيلة جدا، ولا وزن لها أمام مصاريف الكراء وغلاء الأسعار. الآن تذهب بـ200 درهم للسوق، تحسّ كأنك تحمل في جيبك 20 درهما”.
ثمّة نقابة تحاول الدفاع عن حراس الأمن الخاص، لكنّ الانتماء إليها صعبٌ حسب ما شرحه ادريس، وهو حارس بأحد الفنادق بالرباط. يقول إدريس: أردتُ ولوج النقابة، وحين بلغ إلى علم مشغّلي هددني بالطرد، واستهزأ بالشأن النضاليّ مؤكداً أنه لن يحقق لنا أي شيء، فقط نضيع وقتنا. أعرف أنه يفقدني الأمل فقط، وأعرف أنّ النقابة في الأصل تدافع عن مصالحنا.
“في النهاية، قررتُ العدول عن الانخراط في العمل النقابي. معارفي يقولون إنّ الأمر يتطلب التضحية والشجاعة؛ لكنّ هذا قوتنا ورزقنا ولا شجاعة أمام تكالب الزمان والدّولة علينا”، يقول المتحدث.
المشكلة الأخرى، التي يشدّد عليها إدريس، هي أنّ المواطن ينظر لمهنتنا بنوع من الاحتقار، قد تدخُل معه في مشادّة كلاميّة عاديّة، ويعتبرك الحلقة الأضعف في المنظومة، وأيضا الهندام الخاص بنا كحراس يجب توحيده والاعتناء به.
الحلّ الذي يبدو للمتحدث منصفا أنه على إدارة أيّ مؤسسة أو شركة أو مقاولة تتعاقد مع شركة مناولة، أن تتمتع بحسّ مواطناتي وإنساني، عبر مراقبة تعامل الشركة الوسيطة مع الحارس، وإذا رأت أي خلل أو تقصير أو خرق قانوني، فيجب أن يتمّ سحب المشروع من تلك الشركة مباشرةً.
مجالٌ بـ”فوضى” ملفتة؟
لبنى نجيب، الكاتبة العامة للنقابة الوطنية لأعوان الحراسة الخاصة والنظافة والطبخ، المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ترى في تصريح لمرايانا، أن هذا الملف من أعقد الملفات المطروحة اليوم على طاولة وزارة الشغل لمعالجتها.
نجيب تعتبر أنّ هذه الفئة تعيش وضعا ضبابيا، فمشكلها الأول أن حراس الأمن يشتغلون 12 ساعة في اليوم، وفق ما عايناه مرارا وتكرارا. لكن، المعضلة أنه لا يجري تعويضهم عن الساعات الإضافية، لأنهم تم استثناؤهم من مدونة الشغل. فحين وضعت المدونة لم تكن هناك شركات للأمن الخاص، وحين ذكر الحراس في مواد المدونة لم يتم تحديد أيّ حراس يقصدون، فظلت هذه الثغرة القانونية، تستغلها شركات المناولة التي تتعاقد مع مؤسسات من الباطن.
لكن، الحلّ وفق نجيب، “يكمن في وضع قانون خاص بهؤلاء الحراس، لأنه ليست هناك متابعة أو مراقبة لشركات الأمن الخاص، بحيث لاحظنا حسب متابعتنا أنّ أجهزة الرقابة ومفتشية الشغل لا تقوم بدورها، لتترك الحارس وحده في مواجهة الشركة، ولهذا فالأجور هزيلة، لم تصل يوما للحدّ الأدنى للأجور، المحدد في 2828 درهما”.
الملفات التي توصلت بها النقابة الوطنية لأعوان الحراسة الخاصة والنظافة والطبخ، تؤكد أنّ أجور الحراس تتراوح بين 1000 و2200 درهم. فالشركات المتعاقدة كثيرة ولا تصرح بالحراس في الضمان الاجتماعي، وبعض الشّركات تصرح ببعض الأيام فقط، في حين أنهم يشتغلون طيلة الشهر، حتى خلال السبت والأحد، وبعضهم يشتغل حتى في الأعياد الوطنية والدينية”.
جواد أغويلم، كاتب عام للجمعية الوطنية لحارسات وحراس الأمن الخاص بالمغرب، يذكر أنّ هناك ملاحظات كثيرة، منها أنّ بعض الشّركات تبرم مع الحارس عقوداً مفخّخة لا تكون في صالحه، لأنها لا تحميه مثلا من الطرد التعسفي، كأنها عقود شكلية، هذا مع وجود العديد من الشركات التي لا توقع معهم عقودا في الأصل.
بالإضافة إلى ذلك، يقول أغويلم في تصريحه لمرايانا، “إن هناك شركات يمكن أن تنقل الحارس لأي مدينة دون أية تعويضات أو حقوق ذات صلة بالنقل. لذلك نعتبر الأمر نقلا تعسفيا، أو طردا بطريقة غير مباشرة. وقانونيا لا يوجد ما يحميه، لأنه وقع على هذا البند في العقد. ليست هناك أية ضمانات للاستقرار في العمل”.
لهذا، يرى الكاتب العام للجمعية الوطنية لحارسات وحراس الأمن الخاص بالمغرب أنّ الشركات المخالفة للقانون، يجب أن تسحب منها الرخص لأنه، وفق تقدير الجمعية، توجد أكثر من 100 ألف شركة، وليس معروف كم شركة منها مرخّصة. هناك فوضى كبيرة في هذا المجال. هناك استغلال فاحش وبشع تقوم به معظم الشركات.
لكن هذا الملف يطرح مسألة محورية تتعلق بمشكل الصفقات العمومية للمؤسسات العمومية، التي تشجع على التعاقد مع شركات الحراسة الأرخص ثمنا، وفق ما يوضحه المتحدث، رغم أنها تدري أنّ ذلك سيكون على حساب أجرة حراس الأمن. هذا يجعل المنافسة غير شريفة لأنها تضرب في العمق مصالح شريحة مجتمعية مكونة من الحراس.
تعود لبنى نجيب لتؤكد أنّ “مؤسسات الدّولة المتعاقدة مع هذه الشركات، خصوصا المديريات الإقليمية لوزارة التعليم والمستشفيات التابعة لوزارة الصحة، تدري أنه نظرا لسعر الصفقة، فإن الشّركة لن تخصص أجرا للحارس يضمن كل حقوقه بما فيها التغطية الصحية”. لذلك تفضّل الفاعلة النقابية أن “يكون التعاقد مباشرة بين المؤسسة والحراس دون وساطة شركات المناولة. من العار أن تساهم مؤسسات عمومية في هذا الظلم وهذه المهازل”.
الحل، حسب خلاصة لبنى نجيب، رئيسة الجمعية الوطنية لحارسات وحراس الأمن الخاص بالمغرب، أن القانون المغربي يجبُ أن ينصّ صراحة ببطلان الصفقات العمومية مع شركات الأمن الخاص، التي لا تحترم حقوق الحراس، أي أن تشدد المؤسسات على الحد الأدنى للأجور في البلد.
ذلك سيمكنُ من أن تصبح هذه المهنة اعتبارية داخل المجتمع. هذا ما تعتقده نجيب وهي توصي بأن “يخضع الحراس للتكوين والتأطير. “لاحظنا أن بعضهم من ذوي السوابق العدلية، فيلجؤون للعنف ضد المواطنين. لكن المؤسسات المتعاقدة مع هذه الشركات عليها أن تضع هذه الأمور ضمن شروط التعاقد أيضا”.
مقالات قد تثير اهتمامك:
- عمال الإنعاش الوطني بالمغرب… حكاية “عبيد القرن 21″؟ 1\2
- العدالة الضريبيبة في المَغرب: أو حين يتعثرُ الحديثُ عن عدالة غير موجودة! 1\2
- العدالة الجبائية في المغرب: عدالة عنوانها الأكبر… تهرّبٌ ضريبيٌّ! 2\2
- المعامل “السّرية” في المغرب… زواجُ الاقتصاد غير المهيكل بنقيضه المُهيكل! 1/2
- المعامل “السّرية” في المغرب… باطرُونا على وزن “باندية”؟ 2/2
- العثماني: حملة الفحص عن كورونا في المقاولات تُسرّع الاستئناف الآمن للنشاط الاقتصادي