جبريل أو غابرييل… الملاكُ الذي لولاه لأسلمت اليهود؟ 1/3
الخلاف بين المسلمين واليهود يطال أيضا الملاك الذي جاء بالوحي…
اليهود، حسب عدد من الروايات الإسلامية، كانوا سيسلمون لو كان ميكائيل هو من أوحى لمحمد برسالته.
لينتصب السؤال … لماذا يعادي اليهود جبريل؟
لله ملائكة في الميثولوجيا الدينية، ومن أشهرهم في المسيحية جبرائيل أو غابرييل؛ الملاك نفسه الذي يدعوه المسلمون بـ”جبريل“.
… الملائكة إجمالا، وهذا أمر ينسحب على الديانات كلها، غير البشر؛ لها صفات وميزات فريدة مثل أنها قديرة القوة، فائقة السرعة، معرفتها أغزر، ثم إنها لا تتزوج ولا تتناسل…
أما إيجادها، تقول الميثولوجيا هذه، فكان لتُعِين… البشر أساسا ربّما!
نقرأ في سفر الخروج مثلا: “ها أنا مرسل ملاكا أمام وجهك ليحفظك في الطريق، وليجيء بك إلى المكان الذي أعددتُه“.
أو في القرآن، سورة الأنفال، “إذ تستغيثون ربَّكم فاستجاب لكم أني مُمِدّكم بألف من الملائكة مردفين“.
ميكائيل، إسرافيل، عزرائيل… جبرائيل، ملائكة من آخرين، كلّ أناط الله به مهمة يقوم بها.
لكن… لِمَ تنتهِ أسماؤهم جميعا بـ”إيل“؟ إيل هذه، ببساطة، من أوائل ألفاظ الجلالة كما أشرنا لذلك في ملف سابق عن ابراهيم.
تبعا لذلك، فالقسم الأول من أسمائهم يكشف عن مُهمّاتهم… في حالة جبرائيل، لدينا “جبر“، ومعناها في الآرامية أو العبرية، رَجُل أو قوّة أو أكثر من ذلك الجبروت.
هذا ما جرى عليه الفكر الديني المسيحي. أما في التفسير الإسلامي، فيُرجع بـ”جبر” إلى السريانية حيث تعني “عبد“.
أي لنقل إن الاسم يعني جبروت الله أو رَجُل الله، وأيضا عبد الله.
… وطالما أن كل المخلوقات أوجدت لتعبُدَ الله، كما تنص على ذلك مجمل الديانات، فلنخُضْ أكثر في “جبروت الله“.
الذي يظهر أن جبرائيل بهذا المعنى، ملاكٌ يُفصح به الله عن قوته وقدرته. المعنى ذاته يشي به “رَجُل الله“. تفاصيلُ هذا الملمح تبرز أكثر في المسيحية والإسلام كما سنتابع في الجزأين الثاني والثالث.
لكن… ماذا عنه في اليهودية؟
في العهد القديم نجد ما يدعم هذا الفهم، حيث نقرأ مثلا: “وكان لما رأيت أنا دانيال الرؤيا وطلبت المعنى إذا بشبه إنسان واقف قبالتي وسمعت صوت إنسان بين أولادي فنادى وقال: يا جبريل فهم هذا الرجل الرؤيا…“.
يعني ذلك أن اليهودية تؤمن بجبريل. بحسب ما قرأناه، كان جبريل ملاكا برتبة رفيعة يظهر ويتشكل على صورة إنسان.
تقول تفاسير أخرى بالمناسبة إن “روح الرب” أو “الروح القدس” يراد بهما أيضا جبريل حين تَرِدان في العهد القديم.
الحقيقة أنه كان ثمة نوع من التماهي بين الإله وملائكته في العهد القديم، إذ أن الفصل بينهما، وفقا لبعض المصادر التاريخية، لم يحدث سوى لاحقا إثر تأثر اليهودية بالمعتقدات المجاورة.
بالمجمل، غموضٌ شديد يكتنف ما انصرف من هذه المادة التاريخية الغابرة إلى ذِكر جبريل.
لكن… يظهر من القرآن، كتاب المسلمين، أنّ اليهودَ صاروا يُعادون جبريل!
نقرأ في سورة البقرة: “قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزّله على قلبك بإذن لله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين. من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين“.
الفقهاء في الإسلام أجمعوا على أن هاتين الآيتين نزلتا جوابا على زعم يهود يثرب بأن جبريل عدو لهم، وأن وليّهم ميكائيل.
لِمَ قالوا ذلك؟ هنا اختلف الفقهاء… ثمة من قال إن زعمَ اليهود هذا جاء في سياق نقاش لهم مع الرسول محمد، وثمة من قال إنه جاء في جدل مع بعض صحابته.
الذي حدث في الرواية الأولى، التي تروى عن ابن عباس بصيغ مختلفة، أن بعض اليهود جاؤوا إلى الرسول، وخلال حديثهم سألوه: “من وَليّكَ من الملائكة؟ فعندها نتابعك أو نفارقك“.
قال: فإن وليي جبريل، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه. قالوا: فعندها نفارقك ولو كان وليك سواه من الملائكة تابعناك وصدقناك. قال: فما يمنعكم أن تصدقوه؟ قالوا: إنه عدونا.
في صيغة أخرى، نقرأ أن الحبر اليهودي الذي سأل الرسول يدعى عبد الله بن صوريا، وأن تعقيبه كان: “ذاك عدونا من الملائكة، ولو كان ميكائيل لآمنا بك، إن جبريل نزل بالعذاب والقتال والشدة“.
الرواية الثانية تنحو الاتجاه ذاته، غير أن الذي حاجّ اليهود فيها كان عمر بن الخطاب.
ما نفهمه من كل هذا، أن الخلاف بين المسلمين واليهود يطال أيضا الملاك الذي جاء بالوحي… وأن اليهود، حسب هذا الرواية، كانوا سيسلمون لو كان ميكائيل هو من أوحى لمحمد برسالته.
إنّما يظل السؤال دائما… لماذا يعادي اليهود جبريل؟
الواقع أن الجدال الذي دخل فيه الرسول مع اليهود، كما ترويه المصادر الإسلامية، كان يمضي إلى غلبة الرسول على نحو قد يُفهم منه أن اليهود تعلقت بقشة الملاك كآخر حل لرفض رسالته.
إلا أن البحث يقودنا إلى البداية ثانية، فجبريل في العهد القديم كُلّف بتخليص بني إسرائيل من الغم والحزن. شرط أن يلتزموا بالعهد الإلهي، وإلا… انقلب ضدهم!
هكذا، حين نقرأ سفر إشعياء، نطالع:
“وقد قال حقا: إنهم شعبي، بنون لا يخونون. فصار لهم مخلصا. في كل ضيقهم تضايق، وملاك حضرته خلصهم. بمحبته ورأفته هو فكهم ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة“.
فما الذي حدث؟
يتابع السفر في إصحاحه الـ63: “ولكنهم تمردوا وأحزنوا روح قدسه، فتحول لهم عدوا، وهو حاربهم”!
… وهذه كانت حكاية اليهود مع جبريل.
لقراءة الجزء الثاني: جبريل أو غابرييل… ملاكُ البشائر العظمى في المسيحية 2/3
لقراءة الجزء الثالث: جبريل أو غابرييل… ملاكُ الوحي لدى المسلمين 3/3
مقالات قد تهمك:
- فكرة “الشيطان” في اليهودية
- الحريديم، الأكثر التزاما بالديانة اليهودية والأكثر تشددا على النساء. “طالبان” اليهود؟ 2/1
- “الأصولية” في اليهودية: بين لعنة المنفى وغواية الأرض
- من الولايات المتحدة الأمريكية، عمر بوم يكتب: مستقبل الديانة اليهودية في نسختها المغربية
- إدمون عمران المالح… المغربي اليهودي الذي اتخذ الكتابة سلاحا لفضح الصهيونية!
- ميمونيدس.. مفكر يهودي أم مفكر إسلامي؟
- من اليمن، حسين الوادعي يكتب: لماذا نجح الإصلاح الديني اليهودي والمسيحي وفشل الإسلامي؟
- من رمزية جنسية إلى علم دولة: قصة النجمة السداسية (نجمة داوود)
- “الفتوحات” العربية في روايات المغلوبين: مؤامرة يهودية؟