مظفر النواب: هو الجوع أكبر من آبائنا الثائرين
اختار مظفر النواب لقصائده مقصدا وغرضا واحدا: “محاربة الطغاة بالكلمة”. دون أن ننسى مواقفه تجاه القضية الفلسطينية.
على غرار معظم الشعراء والمثقفين الذين جايلوا النكبة الفلسطينية ومأساة تهجير السكان الفلسطينيين، تسلّلت القضيّة الفلسطينية إلى قلم مظفر النواب، وقال فيها قصيدته (القدس عروس عروبتكم)… التي فاقت شهرة قصيدة “قفا نبكي” إبان السبعينات من القرن الماضي.
قلة من الشعراء ركبوا أمواج التمرد والتحديث على الشعر شكلا ومضمونا… قلة أولئك الذين حرروا الكلمة من سمة “الأخلاقية”، ليجعلوها عارية تُرسل سهامها نقدا ومعارضة.
مظفر النواب، الشاعر الرحالة، الذي ألهمت قصائده الأجيال منذ ستينيات القرن الماضي.
في هذا البرورتريه نستحضر سيرة شاعر الثورة والتمرد.
الولادة والنشأة
ولد مظفر عبد المجيد النواب في بغداد سنة 1934، من عائلة أرستقراطية عاشقة للفن والموسيقى، كانت تحكم إحدى الولايات الهندية قبل احتلال بريطانيا للهند.
نضال العائلة ضد الاحتلال البريطاني للهند، أدى بها نحو اختيار النفي، فكان المستقر العراق.
في بلاد الرافدين، ولد مظفر، وتفتقت موهبته الشعرية منذ الطور الابتدائي، فأضحى ينشر قصائده في المجلة الحائطية المدرسية، بتشجيع وصقل من مدرسيه.
أكمل النواب دراسته بعد ذلك في جامعة بغداد، وأصبح من بعدُ مدرسا بها قبل أن يتم طرده منها لدواع سياسية، فأصبح عاطلا عن العمل ثلاث سنوات.
شاعر الترحال: أكثر من 40 عام في المنافي
في ظل النظام الهاشمي، تعرض النواب لصنوف من التعذيب. لكن، بعد ثورة 1958 التي أطاحت بالنظام الملكي، عين مفتشا فنيا بوزاة التربية في بغداد، إلى جانب نضاله في الحزب الشيوعي العراقي.
بيد أن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن مظفر، إذ لم تكد تمضي 5 سنوات على انقلاب 14 يوليو/تموز 1958، والذي أدى لقتل العائلة الحاكمة وتحول نظام الحكم في العراق من الملكي إلى الجمهوري حتى جاء يوم 8 فبراير/شباط 1963 ليشكل علامة فارقة في تاريخ العراق السياسي الحديث، بإعدام عبد الكريم قاسم أحد أبرز رموز الانقلاب على الملكية العراقية.
اشتداد الصراع بين الشيوعيين والبعثيين (القوميين العرب)، جعل حياة النواب تُعلن عن أولى خطوات الترحال والنفي.
اضطر النواب إلى اللجوء نحو إيران. لكن، تم القبض عليه وتعذيبه قبل تسليمه للسلطات العراقية.
حُكم عليه بداية بالإعدام، قبل أن يتم تخفيف الحكم للسجن المؤبد. بعد الحكم وضع مع غيره من اليساريين في سجن “نقرة السلمان” الذي يقع في محافظة المثنى، قبل أن يتم نقله إلى سجن “الحلة” الواقع جنوب بغداد.
هُناك، قام النواب بحفر نفق، إلى جانب مجموعة من السياسيين، ليتوارى عن الأنظار في منطقة “الأهوار” جنوب العراق ويعيش مع الفلاحين، إلى أن تم إصدار عفو سنة 1969 عن المعارضين، فعاد إلى التدريس.
غادر بعدها بغداد نحو بيروت، ثم دمشق، وبدأ متنقلا مرتحلا بعدد من الدول الأوروبية والغربية، قبل أن يستقر به المطاف في بيروت.
شعر يطفح بالتمرد
اختار النواب لقصائده مقصدا وغرضا واحدا: “محاربة الطغاة بالكلمة”. دون أن ننسى مواقفه تجاه القضية الفلسطينية.
على غرار معظم الشعراء والمثقفين الذين جايلوا النكبة الفلسطينية ومأساة تهجير السكان الفلسطينيين، تسلّلت القضيّة الفلسطينية إلى قلم مظفر النواب، وقال فيها قصيدته التي فاقت شهرة قصيدة “قفا نبكي” إبان السبعينات من القرن الماضي.
القدس عروس عروبتكم؟
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها؟
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم،
وتنافختم شرفاً
وصرختم فيها أن تسكت صونًا للعرض؟
فما أشرفكم!
أولاد القحبة أتسكت مغتصبة؟
أولاد القحبة
لستُ خجولا حين أصارحكم بحقيقتكم
إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم
تتحرك دكة غسل الموتى أما أنتم
لا تهتز لكم قصبة
الآن أعريكم…
بلا أدنى شكّ، عرّضت هذه القصيدة مظفر النواب للعداء النفسي من طرف الكثير من الحكام العرب، فمُنع تقريباً من دخول كلّ الدول “العربية” آنذاك.
وصف بالشاعر الثوري، نظرا لكون شعره حافلا بالرموز الثورية، وإثارة المشاعر العامة ضد الأنظمة، إضافة إلى لغة لاذعة اتسمت بنوع من “العنف اللفظي”، متخليا عن عباءة التقليد والأخلاقيات.
له 53 قصيدة، جمعت في ديوانه الشعري.
ترجل النواب عن صهوة الحياة في عمر 88 في مستشفى بالإمارات العربية المتحدة، يوم 20 ماي 2022، ليوارى الثرى في العاصمة بغداد.
نتف من شعره:
بيان سياسي
ليست تسوية أو تسوية بل منظور رؤوس الأموال
ومنظور الفقراء أعرف من يرفض حقًّا
من تاريخ الغربة والجوع بعينيه وأعرف أمراضَ التخمة
يمكنني أن أذكر بعض الأسماء
لن تصبح أرض فلسطين لأجل سماسرة الأرضيين
وإن حمي الاستنماء
لا تخشوا أحدًا في الحق
فما يلبس حق نصف رداء
ليس مقاتل من يدخل نجد بأسلحة فاسدة
أو يجبن
فالثورة ليست خيمة فصل للقوات
أفضحهم
لا تقهر انتفاضتي
وموقعي
في موقعي
ولا أزاح
جهنم الحمراء
ملك قبضتي
أوجّه الزمان
مثلما توجّه السفائن، الرياح
أقتلع المحتّل
والمختّل بالتطبيع
والذين مارسوا الخنا
إن علنا
او خفية
او بين وبين!!!
هذا حجري يوشك بالصياح
أفضحهم…
قد غسلوا وجههم ببولهم
بولوا عليهم….
علّهم يصحون من غبائهم
ولست مازحا
إرادة الشعوب تكره المزاح
قد أذّن الدم الزكيّ :
أن ” محمد الدرة ” من يؤمكم
فيا رجال !
يا رجال !
وحدوا الصفوف خلفه
حيّ على السلاح
جئت من التاريخ كلّه
مقالات قد تهمك:
- أحمد مطر: فيلرمِ السّلطةَ… من كان بيتُه من شِعر!
- محمود درويش… وبقيّ الشّعر وحيداً
- العربي باطما… نغمة مهمومة مثل صيف…
- نزار قباني… الشّاعرُ الذي هَدّتْ قصَائدهُ طابوهات القيّم العربيّة!
- غسان كنفاني… زغرودة فلسطين التي لا تموت!
- إدمون عمران المالح… المغربي اليهودي الذي اتخذ الكتابة سلاحا لفضح الصهيونية!
- حسين مروة: صوت الفكر الذي اغتاله الرصاص
- أحمد فؤاد نجم… شاعرُ الثّورة