زمن الأنترنت… هل يعيش الإنسان خريف خصوصيته؟
المشاكل المتعلقة بخصوصية المستخدمين تشكل أهم التحديات التي تواجهها شركات الأنترنت العملاقة؛ ذلك أنها لم تكن في البدء تتوقع ظهورها… تماما كما قتل زجاج السيارات عددا كبيرا من الأشخاص عند ظهورها مثلا… لكن، يظهر أن هذه الشركات تستغل جيدا ما لم تتوقع ظهوره!
طالما أن عينيك قد وقعتا على هذا المقال، فأنت مستخدم للأنترنت؛ وعلى الأرجح، مستخدم دائم. تستعين به للقيام بأمور عديدة، كأن تقرأ جديد الأخبار، مطالعة علبة رسائلك البريدية، التواصل مع أصدقائك، تسديد فواتيرك، التسوق…
كل هذا قد تفعله من منطقة قصية في العالم، أو غالبا من غرفتك، وتظن أن لا أحد يعرف عنك شيئا، فتبحر في الأنترنت وأنت مطمئن على خصوصيتك…
حسنا، لا شك أنك قد تساءلت يوما: ما الذي يستفيده مقدمو الخدمات عبر الأنترنت إذا كان أغلب هذه الخدمات مجاني؟
هنا تكمن المعادلة الصعبة، وهنا أيضا… يكمن حلها!
اقرأ أيضا: محمد علمي يكتب: حين تتحكم الرياضيات في الحب وتصنعه
دعنا نتفق قبل ذلك أن إجابتك على هذا السؤال، إذا خلصت إلى أن استخدامك لـ”فيسبوك” مثلا، أو “يوتوب” أو “جوجل” أو “أمازون” وغيرها؛ مجاني وحسب، أو لأن هذه الشركات وجدت فقط لتيسر الحياة البشرية… فأنت واهم!
إذا كنت تريد أن تكون عضوا فاعلا في المجتمع، فإنك، وفق الباحث الأمني كريس فيكري، لن تكون لديك القدرة على تقييد كمية البيانات التي يتم الحصول عليها منك إلى مستوى معين.
لنقترب من الإجابة… لنفترض مثلا أنك تود شراء ساعة يدوية. ثم، من خلال محرك بحث على الأنترنت، رقنت “ساعة” ورحت تطالع تشكيلات مختلفة منها، ثم بعد ذلك أنهيت بحثك.
بالنسبة للأنترنت، الأمر لم ينته بعد؛ فهذه المعلومة جد مهمة عنك، وستلاحظ بعد ذلك أن جل الإعلانات في الأنترنت قد تحولت إلى إعلانات ساعات…
نفس الشيء سيحدث إن بحثت عن أسعار تذاكر لوجهة معينة، أو عن سيارات مستعملة للبيع، أو عن فنادق في مدينة ما، وغير ذلك من المنتجات.
كل تحركاتنا إذن على الشبكة العنكبوتية تخلف وراءها آثارا… آثار لا تمحى ولا يفلتها مزودو خدمات الأنترنت وأصحاب المواقع والتطبيقات التي نرتادها.
اقرأ أيضا: إدمان التكنولوجيا الرقمية: صناعة تستعبدنا ولها مخاطر أم أن المخاطر مجرد ادعاء؟
الأمثلة أعلاه مجرد نقطة في بحر، فبحسب تقارير عالمية، هؤلاء يعرفون عنا وبمحض إرادتنا… كل شيء!
الثمن الذي ندفعه إذن مقابل الخدمات “المجانية” التي نستخدمها بالأنترنت هو: الخصوصية.
بعض من ذلك
كشفت منظمة الخصوصية الدولية Privacy International، عام 2016، أن فيسبوك تتجسس على معلومات الكثير من مستخدمي الهواتف الذكية، حتى لو لم يكن لديهم حساب على فيسبوك.
دراسة للمنظمة خلصت أيضا إلى أن 20 من 34 تطبيقا من تلك التي تم تحميلها حتى 500 مليون مرة، تقوم بمشاركة معلومات ومعطيات معينة مع الفيسبوك دون موافقة مستخدمي تلك التطبيقات.
في حادثة اشتهرت باسم “كامبريدج أناليتيكا” عام 2018، اتهمت فيسبوك ببيع بيانات نحو 87 مليون شخص من مستخدميها لشركة بريطانية للاستشارات السياسية عام 2016، لدعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حملته للانتخابات الرئاسية ذات السنة.
إذا كنت تظن أن استخدامك لـ”فيسبوك” مثلا، أو “يوتوب” أو “جوجل” أو “أمازون” وغيرها؛ مجاني وحسب، أو لأن هذه الشركات وجدت فقط لتيسر الحياة البشرية… فأنت واهم!
نهاية عام 2018 اعترفت فيسبوك أيضا أنها اكتشفت خللا يسمح لمطوري التطبيقات الذين يستخدمون برمجياتها، بالوصول إلى الصور التي حملها مستخدمو الفيسبوك دون أن يشاركوها، قائلة إن ذلك أثر على 6.8 مليون شخص.
أيضا، عام 2018، خلصت دراسة أجرتها شركة تدعى “كليكز”، استخدمت خاصية “غوستري” لمكافحة التتبع الإلكتروني، إلى أن شركة جوجل تتعقب عبر خدماتها المختلفة 64 بالمائة من كل التصفح الإلكتروني.
اقرأ أيضا: الشبكات الاجتماعية… فضاءات حرة لسلطة مضادة عمادها المواطنون! 1\3
كل هذا غيض من فيض، وسلسلة انتهاك الخصوصية هذه يبدو أنها لن تنتهي، فبداية عام 2019، رُفعت دعوى في الولايات المتحدة ضد شركة “IBM” صاحبة تطبيق “ويذر” الذي يقدم أخبار الطقس، إذ اتهمت ببيع بيانات مستخدمي التطبيق لطرف ثالث، بخاصة في ما يتعلق بمواقعهم، وجني أرباح طائلة من وراء ذلك.
هل أنهى الأنترنت خصوصية الأفراد؟
تعني الخصوصية قدرتنا على التحكم في مدى وتوقيت وظروف مشاركة حياتنا مع الآخرين[1]… في الواقع، كان الأمر سهلا في زمن ليس به أنترنت، عدا إن وظفت جواسيس لتعقبك.
أما في زمن الأنترنت، فقد بات لدينا خصوصية رقمية؛ وتوصف بها حماية بياناتنا الشخصية… كل البيانات التي نستخدمها في تفاعلنا على الأنترنت، من قبيل البريد الإلكتروني، الصور الشخصية، معلومات عن العمل والمسكن[2]… وغيرها كثير.
المشاكل المتعلقة بخصوصية المستخدمين تشكل أهم التحديات التي تواجهها شركات الأنترنت العملاقة؛ ذلك أنها لم تكن في البدء تتوقع ظهورها وفق مؤسس مايكروسوفت، بيل غيتس[3]… لكن يبدو أن هذه الشركات تستغل جيدا ما لم تتوقع ظهوره!
يقول المحقق الأمريكي ستيف رامبام إن: “الخصوصية ماتت… وعلينا دفنها”، معتبرا بذلك كل ما يحكى عن إجراءات تقنية وقانونية لحماية معطياتنا الشخصية على الأنترنت، مجرد خرافات.
أرفيند نارايانان، أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة برينستون[4]، يؤكد أنه بمجرد أن تحصل إحدى الجهات على بياناتنا، فإنها تعمل على تخزينها إلى الأبد، موضحا أن هناك شركات تتخصص في جمع البيانات عنا من مصادر مختلفة لإنشاء ملفات افتراضية وإنشاء تطبيقات لاستخراج البيانات للتأثير علينا بطرق مختلفة.
مع ذلك، وفق غيتس، فإن جل الابتكارات التكنولوجية التي حدثت في المائة عام الأخيرة، رافقتها مفاجآت في سلامة الاستعمال، أصبح لاحقا من اللازم التغلب عليها… السيارات أدت إلى مقتل أشخاص وصعقات الكهرباء أسفرت عن وفيات آخرين مثلا.
اقرأ أيضا: استخدام المغاربة للشبكات الاجتماعية… حينما يصبح الافتراضي واقعا!
بحسب آن جونستون، وهي مديرة شركة متخصصة في مجال الخصوصية[5]، فإن أحد أوجه القصور في قوانين الخصوصية كونها تحمل الكثير من المسؤولية للمستهلك في بيئة ليست مجهزة بشكل جيد لفهم المخاطر، لذا ينبغي توجيه المسؤولية القانونية على نحو أكبر إلى المسؤولين عن حماية هذه البيانات، مثل الحكومات والباحثين والشركات.
لكن، إذا كان مؤسس مايكروسوفت يقول إنه ثمة الكثير مما يجب القيام به لتقنين الحق في الخصوصية، فإن المحقق الأمريكي ستيف رامبام[6] يقول إن: “الخصوصية ماتت… وعلينا دفنها”، معتبرا بذلك كل ما يحكى عن إجراءات تقنية وقانونية لحماية معطياتنا الشخصية على الأنترنت، مجرد خرافات.
الواقع أنه إذا كنت تريد أن تكون عضوا فاعلا في المجتمع، فإنك، وفق الباحث الأمني كريس فيكري[7]، لن تكون لديك القدرة على تقييد كمية البيانات التي يتم الحصول عليها منك إلى مستوى معين.
فهل يعيش الإنسان إذن، مع ظهور الأنترنت، آخر عهده بالخصوصية؟