أعوان السلطة: من الخلفاء إلى المقدمية 2 - Marayana - مرايانا
×
×

أعوان السلطة: من الخلفاء إلى المقدمية 2\2

سارع المغرب إلى تنظيم السلطة الإدارية، مباشرة بعد إعلان فرنسا عن استقلال المغرب في 2 مارس 1956، إذ صدرت أولى القوانين المنظمة للسلطات المحلية في 20 مارس 1956 (18 يوما بعد الاستقلال) ونشر في الجريدة الرسمية في 6 أبريل 1956؛ وقد نص في الفصل السابع، على أنه: “يساعد القواد في القيام بمهمتهم شيوخٌ، ويساعدهم خلفاء عند الاقتضاء. يعين هؤلاء الخلفاء ويعزلون بقرار يصدر من وزير الداخلية. أما الشيوخ، فإنهم يعينون ويعزلون بقرار يصدره عامل الإقليم باقتراح من القواد”.

توقفنا في الجزء الأول من هذا الملف عند أعوان السلطة بين إشكاليات المفهوم وندرة المصادر. نخصص هذا الجزء الثاني لتطور هذه الوظيفة منذ فترة الحماية إلى الآن.

 

المعروف أن البنيات الحديثة للمؤسسات في المغرب، تطورت وظهرت مع الحماية الفرنسية بالمغرب، إذ سارعت الإدارة الفرنسية إلى تأسيس الإدارة المخزنية في 1 فبراير 1913، ثم أتبعتها بتقسيم المغرب إلى بلديات، كما تم إنشاء عدد من الإدارات. اتخذت سلطات الحماية بعدها أعوانا من المغاربة، كما عرفت نفس السنة تأسيس البلديات في عدد من المدن المغربية.

لكن، يمكن القول إن هذه اللحظة عرفت انبثاق مفهوم الأعوان، إذ نجد، ابتداء من تلك الفترة، الحديث عن أعوان الموظفين وغيرهم. كما نستطيع القول إن مفهوم العون، هنا، كان لصيقا بشكل أساسي بالمغاربة، الذين كانت وظيفتهم (في شتى المجالات) لعب دور الوساطة بين الموظفين الفرنسيين و”الأهالي”.

أدركت سلطات الحماية أنها أمام وضع جديد، وأن الأمور أخذت تنفلت منها، خاصة أن عددا من الدراسات (مثل دراسة أشرف عليها روبير مونتاني حول ظهور البروليتاريا المغربية) قد نبهت إلى هذا الوضع.

في هذا السياق إذن، أعادت سلطات الحماية ضبط الجهاز الإداري المحلي وتعيين نواب للقياد، وخلفاء الأحياء (المقدمين). هكذا، سيصدر الظهير الشريف، المؤرخ في 4 أبريل 1949م، يقضي بإحداث خلفاء للحومات في كبريات المدن المغربية.

شيوخ حاضرون ومقدمين غائبون

من بين الملاحظات المهمة التي نتوقف عندها، أنه تمت الإشارة مرارا في بعض الظهائر والقوانين، إلى الأشياخ أو الشيوخ. من ذلك، مثلا، ظهير صدر سنة 1916، نص على استفادة الأشياخ من بضع سنتيمات من ضريبة الترتيب. كما نلاحظ أنه، بعد الثلاثينيات، سيبدأ الاهتمام أكثر بهذه الفئة، إذ تم تحديد الإعانات التي تمنح لهم من طرف سلطات الحماية الفرنسية (ظهير 14 دجنبر 1934 وظهير 13 أكتوبر 1939 على سبيل المثال).

لكن، في نفس الوقت، غابت الإشارة في هذه الظهائر إلى فئة “المقدمية”. لكن هذا لا يعني غيابهم الفعلي بقدر ما يؤشر على أنهم ظلوا خارج النسق الإداري، رغم أهميتهم التي تزايدت آنذاك، وإسناد وظائف ومهام جديدة لهم، أو أنهم –وهذا هو الأرجح- لم يكونوا بالصيغة المؤسساتية التي سيصبحون عليها فيما بعد.

تحولات صناعية تدفع لتقنين المقدمية

خلال فترة الحماية، سيعرف المغرب عدة تحولات ساهمت في بروز أعوان السلطة. مع بداية الحماية، كانت نسبة التمدن ضعيفة، وسكان المدن لا يمثلون عشر سكان المغرب، وكانت الأحياء أقرب ما تكون للدواوير، يحكمها نوع من التجانس، وتقطنها عائلات معروفة. بمعنى أن ضبطها والتحكم فيها كان سهلا نسبيا…

غير أن الأمر سيأخذ منحى آخر، إذ سيتدفق المغاربة على المدن، حتى بلغ عدد سكانها أكثر من 2.65 مليون نسمة سنة 1952، بينما لم يكن هذا العدد يتجاوز 420 ألف نسمة خلال بداية الحماية.

أدت هذه الدينامية إلى تغييرات مجالية جذرية طالت كل المستويات، يمكن رصد بعض من تداعياتها الاجتماعية في بحث عبد الرحمن المالكي المعنون بـ”السوسيولوجيا الكولونيالية أمام ظاهرة الهجرة القروية في المغرب”. من بين ما أشار إليه المالكي، تعبير “أندري آدم” عن الوضع الذي خلقته هذه الهجرات قائلا: “إن الثورة الكبرى التي عرفها المغرب في القرن العشرين، هي انتهاء الفصل التليد والتقليدي بين المدن والبوادي، بين الحضري والقروي. إن تنقل الناس والبضائع والأفكار قد توسع اليوم. إن المدن قد اكتسحت من طرف الهجرة القروية”.

أدركت سلطات الحماية أنها أمام وضع جديد، وأن الأمور أخذت تنفلت منها، خاصة أن عددا من الدراسات (مثل دراسة أشرف عليها روبير مونتاني حول ظهور البروليتاريا المغربية) قد نبهت إلى هذا الوضع.

في هذا السياق إذن، أعادت سلطات الحماية ضبط الجهاز الإداري المحلي وتعيين نواب للقياد، وخلفاء الأحياء (المقدمين). هكذا، سيصدر الظهير الشريف، المؤرخ في 4 أبريل 1949م، يقضي بإحداث خلفاء للحومات في كبريات المدن المغربية.

كما تم التنصيص على المنصب ذاته من جديد، في الظهير الشريف المتعلق بالإدارة المغربية الخاصة بالمدن، والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 13 ماي 1949، وقد نص في الفصل الثالث على أن: “الخلفاء المذكورين أعلاه، والذين يطلق عليهم اسم خلفاء الحومات والأرباض، ينوبون عن الباشا في الحومات والأرباض، ويقومون بأعباء وظائفهم بمساعدة المصالح البلدية…”. كما نص الظهير في الفصل الرابع على أنه: “يتعين على هؤلاء الخلفاء أن يرفعوا إلى الباشا جميع المسائل المتعلقة بإدارة الحومات والأرباض، وهم مكلفون تحت سلطة الباشا، بالسهر فيها على حسن سير المصالح الإدارية، وتنفيذ القرارات البلدية”.

إذا ما تأملنا القوانين التي صدرت خلال هذه الفترة، وربطناها مع طبيعة النظام الإداري، ومع المعطيات التاريخية المتوفرة، يمكن أن نستنتج أن مهام أعوان السلطة تجلت في بعدين أساسيين:

–        بعد إداري: بحكم إنشاء سجلات الحالة المدنية وغيرها من الوثائق الادارية، أصبحت الحاجة ملحة إلى “وسيط” بين الساكنة والإدارة، يكون على اطلاع تام بالسكان، ويحتك بهم بشكل مباشر (تسجيل الولادات والوفيات، والوافدين،…الخ).

نلاحظ أن ظهير 20 مارس 1956، لم يحدد وظيفة أعوان السلطة، وهو ما ينطبق على القوانين التي تبعته، وقد تناولت القوانين الصادرة بعدها مسألة الأجور والتعويضات الممنوحة لهذه الفئة، دون أن تتطرق لتحديد طبيعة مهامهم. بحسب وثيقة لم يتسن لنا التأكد من صحتها، ترجع لسنة 1959، فقد تم تكليف المقدمين بالأحياء والدواوير، برصد كل ما يتصل بحياة السكان وأنشطتهم وتبليغها للقائد.

–        بعد استخباراتي: كان هذا البعد هو الأبرز والمرتبط بما سبقه، فإذا كان المخزن قد بنى سلطته قبل الحماية على الضبط، من خلال الولاء والعقاب وسلطة الأشخاص (قيادا وشيوخ زوايا وأعيانا… إلخ)، والعقاب البعدي (الحركات السلطانية…)؛ فإن سلطات الحماية، أدركت أهمية التحرك الاستباقي وسلاح المعلومة؛ خاصة مع النشاط المتزايد للحركة الوطنية والمقاومة المسلحة، فجندت المقدمين للحصول على أي معلومات يمكن أن تفيد في جمع المعلومات؛ حتى طغى هذا الدور على باقي الأدوار ، إن لم نقل إنه ألغاها. ولعل هذا ما يفسر عددا من عمليات الاغتيال التي طالت عددا من المقدمين بسبب وشايتهم بالمقاومين المغاربة.

في نفس الوقت، كانت مهمة الأشياخ تجميع المعطيات القادمة إليهم من المقدمين (خلفاء القياد آنذاك) العاملين تحت إشرافهم. لكن، يمكن القول إن المقدمين كانوا في واجهة المدفع.

المقدمين بعد الاستقلال: مترصدو حياة الناس

سارع المغرب إلى تنظيم السلطة الإدارية، مباشرة بعد إعلان فرنسا عن استقلال المغرب في 2 مارس 1956، إذ صدرت أولى القوانين المنظمة للسلطات المحلية في 20 مارس 1956 (18 يوما بعد الاستقلال) ونشر في الجريدة الرسمية في 6 أبريل 1956؛ وقد نص في الفصل السابع، على أنه: “يساعد القواد في القيام بمهمتهم شيوخٌ، ويساعدهم خلفاء عند الاقتضاء. يعين هؤلاء الخلفاء ويعزلون بقرار يصدر من وزير الداخلية. أما الشيوخ، فإنهم يعينون ويعزلون بقرار يصدره عامل الإقليم باقتراح من القواد”.

نلاحظ أن ظهير 20 مارس 1956، لم يحدد وظيفة أعوان السلطة، وهو ما ينطبق على القوانين التي تبعته، وقد تناولت القوانين الصادرة بعدها مسألة الأجور والتعويضات الممنوحة لهذه الفئة، دون أن تتطرق لتحديد طبيعة مهامهم. بحسب وثيقة لم يتسن لنا التأكد من صحتها، ترجع لسنة 1959، فقد تم تكليف المقدمين بالأحياء والدواوير، برصد كل ما يتصل بحياة السكان وأنشطتهم وتبليغها للقائد.

حتى إذا لم تكن هذه الوثيقة صحيحة، فإن الدور الاستخباراتي للمقدمين ظل حاضرا، وبل وزادت حدته في ظل الصراع السياسي الذي عرفه مغرب ما بعد “الاستقلال”.

هنا، يجب أن نشير إلى ملاحظتين أساسيتين:

–        الأولى: أن الشيوخ ورد ذكرهم مرارا في القوانين والنصوص المنظمة والظهائر، خاصة ما تعلق بزيادات تعويضاتهم بدء من سنة 1956، مع غياب الإشارة للمقدمين. وهو ما تكرر مرارا.

–        الثانية: أن أقدم إشارة، على المستوى القانوني، للمقدمين، نجدها في المرسوم 2.75.880 الصادر في 30 دجنبر 1975، بمنح تعويض عن المهام للمقدمين القرويين، والذي حدد تعويضات المقدمين القرويين في 100 درهم شهريا، بينما أقدم إشارة للمقدمين الحضريين ترجع لسنة 1986 بموجب المرسوم 2.86.586. لا تمكننا الوثائق الموجودة بين أيدينا من معرفة هل كان الأمر يشمل المقدمين القرويين، أم أنه يحيل على وجود نوع من التمايز بينهما.

 

ختاما، يمكن القول إن أعوان السلطة، كبنية، يحكمهم الثابت والمتحول. هذا الأخير يرتهن لطبيعة المسؤوليات والوظائف المسندة إليهم.

… أما الثابت، فهو أنهم هامش المركز؛ إذ برغم أدوارهم الأساسية، في النسق العام للدولة، أو المخزن المغربي، إلا أنهم يظلون على الهامش، من حيث الاعتراف القانوني بهم، ومن حيث الاهتمام ومستويات أخرى.

 

لقراءة الجزء الأول: أعوان السلطة: تاريخ هامش المركز 1\2

مقالات قد تهمك

“المخزن”… كيف كان يقر سلطته على المغرب؟ وكيف كان يوازن العلاقة بين السلطان والرعايا؟ (الجزء الثاني)

موقع الدين في نظام الحكم بالمغرب: مسرحة السلطة وشرعنتها 2/2

“المخزن”: استخدام “الرمزية”… الجانب الخفي والأهم لممارسة السلطة وترسيخها (الجزء الثالث)

“المخزن”… بين هاجس الاستمرارية والواقع التاريخي الجديد (الجزء الرابع والأخير)

المغرب… المقاطعة وحراك الريف! أزمة تواصل المؤسسات السياسية؟

هشام روزاق يكتب:”الميتروقراطية” المغربية… بنسودة، الخازن العام لخدام الدولة

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *