التعافي أو الانقراض: تقرير أممي يقدم “وصفة” الخلاص من حدة التغيرات المناخية - Marayana - مرايانا
×
×

التعافي أو الانقراض: تقرير أممي يقدم “وصفة” الخلاص من حدة التغيرات المناخية

في التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، الذي صدر قبل أسابيع (20 مارس 2023) بشأن التأقلم مع آثار التغيرات المناخية والتخفيف منها والموجه لصناع القرار، قال المؤلفون، الذين بلغ عددهم 93، إنّ ثمّة خيارات متوفرة اليوم، متعددة ومجدية وفعالة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتكيّف مع تغيّر المناخ الناتج عن النشاط البشري.

بحسب ما جاء في التقرير، فإن حرق الوقود الأحفوري والاستخدام غير المتكافئ وغير المستدام للطاقة والأراضي لأكثر من قرن، أدى إلى ارتفاع مستوى الاحترار العالمي بمقدار 1.1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، ونجم ذلك عن ظواهر مناخية متطرفة أكثر تواتراً وشدة تسببت في تأثيرات خطيرة، بشكل متزايد، في الطبيعة والناس في كل منطقة من مناطق العالم.

كما أوضح التقرير أنّ كل زيادة في الاحترار تؤدي إلى تفاقم الأخطار بسرعة. إذ تزيد موجات الحر الشديدة والأمطار الغزيرة وغيرها من ظواهر الطقس المتطرفة من المخاطر على صحة الإنسان وسلامة النظم الإيكولوجية.

في كل منطقة، يموت الناس من درجات الحرارة المتطرفة. ومن المتوقع أن يزداد انعدام الأمن الغذائي والمائي الناجم عن تغير المناخ مع زيادة الاحترار، وتزداد صعوبة التعامل مع تلك المخاطر عندما تتزامن مع أحداث سلبية أخرى مثل الأوبئة أو النزاعات.

تشخيص الأهداف

عمليّا، يبقى دائما هدف الإبقاء على ارتفاع درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، من بين ما يقترحه التقرير كهدف مناخي، لكنّ بلوغ هذه المطمح يستدعي بالضرورة خفضا كبيرا وسريعا في انبعاثات غازات الدفيئة في كل القطاعات وعلى جميع الأصعدة التي تساهم في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. لهذا، يرى خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أنّه من الواجب خفض الانبعاثات الآن وتقليصها إلى النصف تقريبا بحلول عام 2030.

كحلّ لذلك، يقترح فريق إعداد التقرير أنّ يتم التفكير بجدية فيما يعرف بـ”التنمية المقاومة للمناخ”؛ وذلك عبر مراحل واستراتيجيات تخول طرح تدابير التكيف مع التغيرات المناخية الحادة وضبط تأثيراتها. من ضمن الأمثلة التي يقدمها الباحثون،أن يتمّ اعتماد البدائل النظيفة من خلال توفير الطاقة، والاتجاه نحو الكهرباء منخفض الكربون، وكذا النقل المنعدم والمنخفض الكربون، وتحسين جودة الهواء، إلخ.

يذكر التّقرير أنّ القيمة التي ستخلقها عملية تحسين جودة الهواء متمثلة في فوائد اقتصادية جمة، ستعود على صحة الإنسان بالنفع، وتدفعه إلى المزيد من الإنتاجية والاستقرار الصحي؛ وهذه القيمة ستعادل أو تفوق التكلفة التي ستُدفع في سبيل تقليل أو تجنب الانبعاثات.

من الإشارات التي يقدمها مؤلفو التقرير، أنّ الأمراض النفسية والتنفسية عرفت نموا ملحوظا نتيجة حتمية للتغيرات المناخية، إضافة إلى ارتفاع وتيرة انتشار بعض الأمراض المعدية وتقلص مساحات بعض الجزر التي، ربما، صار قسطٌ منها ينتظر الغرق أو الاختفاء في المستقبل.

كما دعا الخبراءُ الناسَ إلى الاعتماد أكثر على المشي واستخدام الدراجات الهوائية قدر المستطاع، بما أن المدن الحديثة تعدّ مصدراً مهما في انبعاث الغازات الدّفيئة.

التقرير ربطَ أيضاً ارتفاع درجة حرارة الكوكب بمشكلة ارتفاع مستوى سطح البحر، فمن 0.6 ملم إلى 2.1 ملم في الفترة الممتدة من 1901 إلى 1971، صار مقدار الارتفاع ما بين 0.8 إلى 2.9 ملم بين عامي 1971 و2006.

خطورة الوضع

تعليقاً على التقرير، قال رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هوسونج لي، إن “تعميم العمل المناخي الفعال والمنصف لن يقلل فقط من الخسائر والأضرار التي تلحق بالطبيعة والناس، وإنما سيعود أيضاً بفوائد أوسع. ويشدد هذا التقرير التجميعي على الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات أكثر طموحاً، ويُظهر أنه إذا تحركنا الآن فلا يزال بإمكاننا تهيئة مستقبل مستدام صالح للعيش للجميع”.

أما كريستوفر تريسوس، وهو من بين معدي التقرير، فقد قال إنّ “أكبر المكاسب لرفاه الناس يمكن أن تنجم عن إعطاء الأولوية للحد من مخاطر المناخ في المجتمعات منخفضة الدخل والمهمشة، بما في ذلك بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في مستوطنات غير رسمية (عشوائية). ولن يتحقق العمل المناخي المتسارع إلا إذا زاد التمويل في هذا المجال أضعافا مضاعفة. التمويل غير الكافي يعيق التقدم”.

من جهتها، قالت أديتي موخرجي، من النيبال، وهي إحدى المشاركات في إعداد التقرير، إنّ “تطبيق العدالة المناخية مهم جدا، لأن الذين لم يتسببوا في هذه الظاهرة يعانون أكثر من غيرهم من تأثيراتها في مختلف أصقاع العالم”، كما أردفت أن “نصف سكان العالم يعيشون في مناطق متضررة من التغيرات المناخية، فخلال السنوات العشر الأخيرة، زاد عدد الوفيات بسبب الفيضانات والجفاف والأعاصير بمعدل 10 مرات”.

لكن مؤلفي التقرير، الذي تمت المصادقة عليه ومناقشته في مدينة إنترلاكن السويسرية، خلال الاجتماع 58 للهيئة بين 13 و17 مارس 2023، قدموا من جهة أخرى أملا كبيرا في التعافي وإنقاذ الكوكب من الكارثة المحدقة به نتيجة تطرف المناخ، غير أن التقرير يرهن ذلك بضرورة انخراط الحكومات لتوفير الأرضية المناسبة وتقديم الشروط الموضوعية لبلوغ الغاية.

لهذا اقترح معدو التقرير أن تتم إعادة النظر في الطرق التي يتم بها إنتاج الغذاء وتشكل عبئا على النظم البيئية، حيث أكدوا أن التشجيع على خلق بيئة نظيفة ذات قيمة غذائية مرتفعة، من خلال إعادة تهيئة الأراضي الجافة وإحيائها، والاستغلال العقلانيّ للموارد المائيّة بطرق مستدامة، من شأنه تقليص نسبة الانبعاثات.

يشار أنه في عام 2018، سلطت الهيئة (IPCC) الضوء على الحجم غير المسبوق للتحدي المطلوب مواجهته لإبقاء الاحترار العالمي دون 1.5 درجة مئوية. وبعد مرور خمس سنوات، أصبح ذلك التحدي أكبر بسبب الزيادة المستمرة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وثيرة الأعمال المنجزة حتى الآن، وحجمها،والخطط الموضوعة حالياً … تبقى غير كافية لمجابهة تغير المناخ.

عموما، العشرية المقبلة، تُعتبر بمثابة العلامة الحاسمة لمعرفة ما سيؤول إليه وضع كوكب الأرض بسبب التغيرات المناخية: الانقراض أو الخلاص…

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *