في اليوم العالمي لحقوق النساء، لا نريد ورودا… نريد حقوقنا - Marayana - مرايانا
×
×

في اليوم العالمي لحقوق النساء، لا نريد ورودا… نريد حقوقنا

الأربعاء 8 مارس من هذا العام كان اليوم العالمي لحقوق النساء. في هذا اليوم وقبله وحتى بعده، نسمع أحاديث عن المرأة وأحاديث عن إنجازاتها وإطراءً ومديح يوجه إليها وورودا وهدايا… يسمونه “عيد المرأة”، ويقال للنساء: “كل عام وأنتن بألف خير”.

لكن، في هذا اليوم، وقبله أيضا وبعده وفي أي يوم آخر، ينبغي أن نتساءل، لعله غريب فعلا في نظر كثيرين أن نطرح، نحن النساء، أسئلة لأن المنتظر منا ليس هو طرح الأسئلة أبدا، بل المنتظر هو أن نبتسم، أن نمرح ونفرح ببلاهة، أن نشعر بالامتنان للنزر اليسير من الحقوق التي نتمتع بها، أن نشعر بالفخر وأن نحتفل، بمعنى أن نقنع بما لنا الآن وألا نطمع في شيء آخر، أن نقرأ سير الناجحات في شتى المجالات، فهذا أكبر دليل على أننا ذوات أهمية في هذا العالم.

أجل، فلم نعد الآن نوأد، لم نعد نسجن في المنازل ولا نخرج في حياتنا إلا مرتين، لم يعد ممنوعا علينا ولوج المدارس، ولم تعد ممنوعة علينا المشاركة في الحياة السياسية، ولا تولي مناصب شغل. لذلك، ينبغي أن نحمد الله ونشكر… ربما الحكومة أو المواثيق الدولية!

لكن 8 مارس ينبغي أن يكون مناسبة أولا وقبل كل شيء لتتحدث النساء عن مشاكلهن وآلامهن، عن مطالبهن، عن الحقوق المحرومات منها… لا ضير أن نجعل من هذا اليوم محطة لاستعراض مكتسبات المرأة في العقود الأخيرة، لكن ليس بهدف الاحتفال، بل بهدف الوقوف على الحقوق التي لم ننلها بعد، الفرص التي لم تتح لنا بعد، الأبواب التي لم تفتح أمامنا… أن نجعل من هذا اليوم مناسبة لمراجعة القوانين المجحفة بحق النساء، لمراجعة الأحكام المسبقة وإعادة النظر في الأفكار والتصورات التقليدية الذكورية عن المرأة. مناسبة لطرح إمكانية تغيير العقليات ومناهج التربية وطرق التعامل مع المرأة في كل الفضاءات العامة والخاصة.

كل القوانين بالبلدان العربية – الإسلامية اليوم تكرس تبعية المرأة وخضوعها وتنكر عليها أبسط حقوقها، أما المجتمعات فلا تزال تنظر إلى المرأة على أنها عورة وناقصة عقل ومخلوقة من ضلع أعوج وهي تابعة للرجل مملوكة له مثل دابة أو سيارة، وهي مالكة شرف العائلة. ليس غريبا أن تحدث جرائم قتل النساء باسم الشرف، في بيئة يعتنق أهلها هذه الآراء.

لقد كانت هذه السنة حافلة بالحوادث التي أريقت فيها دماء النساء، لا لشيء إلا لأنهن عبرن عن رفضهن لأن يكن مملوكات لبعض الرجال، فارتأى هؤلاء إنهاء حيواتهن، تحت ذريعة: “لن تكوني لأحد غيري. إما أن تكوني لي أو أن تموتي!”. هناك، بالتأكيد، حوادث أخرى لم نحط بها علما، إذ لم تصل إلى الإعلام. أما إحصائيات العنف، فهي لا تخبر بالحقيقة الكاملة لأن نصف النساء المعنفات لا يجرؤن على البوح بما يتعرضن له.

فهل هناك من فرص لتغيير هذا الواقع واجتثاثه اجتثاثا؟ هل هناك من آذان صاغية لآلام ومعاناة نصف المجتمع؟ هل هناك من إرادة حقيقية لإنصاف هذه المرأة وإعادة ما سلب منها من حقوق وكرامة؟ متى سينظر المجتمع، والدولة أيضا، إليها ككائن عاقل مستقل حر مساوي للرجل في كل شيء؟ متى سيكف هذا المجتمع، وكل المجتمعات الأبوية الذكورية، عن نبذ فكرة المساواة واعتبارها فكرة شيطانية خبيثة؟ هذه هي الأسئلة التي يتوجب علينا طرحها في هذا اليوم وقبله وبعده وفي جميع الأيام. فهل من جواب عليها وهل من محاولة للاستجابة للمطالب التي تتضمنها وقبل ذلك هل هناك من يصغي إليها؟ هذا ما نريده ولا نريد الورد والهدايا. بإمكاننا أن نشتري وردة أو باقة ورد أو علبة شكولاطة بدراهم معدودة. إنها أمور زهيدة رخيصة وتافهة أيضا. لكن، ليس بإمكاننا شراء الحقوق والحريات. لذلك، وجب الكفاح من أجل انتزاعها لأنها لا تشترى ولا تعطى ولا تهدى.

في هذا اليوم، ينبغي أن نطرح مطالبنا وندافع عن قضيتنا بكل ما أوتينا من قوة وشجاعة وعزيمة، وندين القوانين الظالمة والأفكار والعادات والتقاليد المهينة.

في هذا اليوم، ينبغي أن نتحدث بجرأة ونستنكر التناقض الصارخ الكائن بين بنود دستورية تنص على المساواة الكاملة بين الجنسين وتعهد الدولة بإنهاء التمييز بين الجنسين بالتوقيع على مجموعة من الاتفاقيات الدولية لمناهضة التمييز، وبين قوانين أخرى تكرس دونية المرأة وخضوعها وتبعيتها، فقوانين الأسرة معظمها متحيزة للرجل، فهي تمنحه حق التعدد مقرونا بشروط ليس بالصعب أن يوفرها والولاية أو الوصاية ونصيب مضاعف لنصيب المرأة في الإرث وحق النسب حكر له وحده وحقوق أخرى.

في هذا اليوم، ينبغي أن نتحدث بجرأة عن مطلبنا العادل والمشروع في المساواة في الإرث في المغرب وفي كل البلدان العربية – الإسلامية، ونتحدث عن مطلبنا العادل في منع تعدد الزوجات وتجريم تزويج القاصرات وتجريم الاغتصاب والاغتصاب الزوجي وتجريم العنف ومحاربة الهدر المدرسي للفتيات، ولا ننسى طبعا إدانة جرائم قتل النساء، التي تحدث في عدد من دول الشرق الأوسط باسم حماية الشرف، إضافة إلى ختان البنات وفحوص العذرية… هذه الفحوص التي تجعل منها مجرد بضاعة معروضة للفحص بغية الحكم على جودتها وصلاحيتها، أو مجرد جثة معروضة للتشريح يتم العبث بها حتى تطمئن العائلة الأبوية والزوج الذكوري المستبد على شرفهم. وما هو الشرف؟ هنا، نصل إلى ضرورة تغيير مجموعة من المفاهيم من بينها الشرف الذي يربطه المجتمع بالمرأة وحدها دون الرجل وبالجنس وحده دون غيره من الأفعال والسلوكيات، وذاك دور يلزم أن تلعبه عدة أطراف من إعلام وثقافة وفكر ومدرسة وغيرها…

إن تغيير وضع المرأة إلى الأفضل وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل لن يتأتى بتغيير القوانين وحدها، رغم أن هذا التغيير نفسه ليس بالهين لأن السلطة في يد مسؤولين ذكوريين أو على الأقل راضخين لذكورية المجتمع ولا يريدون إثارة غضبه إذ لا مصلحة تعود عليهم من ذلك، ولأن هذه الدول تستند إلى الشريعة الإسلامية في تشريعها، وبالتالي توجد تحت رحمة الفقهاء ممن يعترضون على أي تغيير أو حق يهم المرأة مهما كان بسيطا حتى حق العمل، فما البال بالمساواة في الإرث؟

من هنا أهمية المناداة بفصل الدين عن أمور الدولة، وأيضا ضرورة تجديد الخطاب الديني وإعادة تأويل النص القرآني حتى لا يكون الدين عقبة أمام كل تطور وتغيير وضد حقوق وكرامة الإنسان.

أولئك الذين يصرخون احتجاجا على مطلب المساواة بين الجنسين ومشروع المساواة بينهما في الميراث يعتقدون أن المساواة ظلم للرجل وعصيان لله. لكن، هل يعقل أن الإله العظيم الحكيم العادل الخالق للكون يفضل الذكور على الإناث، لا لشيء إلا لأنهم ذكور؟ أليس هذا تمييزا صارخا؟ أليس أن معيار التفاضل بين البشر هو العمل والتقوى وليس اللون أو الجنس أو اللغة أو أي شيء آخر؟

ختاما، نحتاج للتأكيد على أهمية التربية على احترام المرأة وإشاعة ثقافة المساواة بين الجنسين وترسيخها لدى الناشئة. إننا إذن في طريق طويل شاق، لم نخطُ فيه سوى بضع خطوات، وينبغي علينا المضي بثبات وإصرار وبصبر وجلد لكي نخطو خطوات أخرى إلى الأمام ونواصل مسيرة الكفاح والنضال لننتزع حقوقنا الإنسانية.

إن المساواة حق لنا لأننا جميعا بشر، الرجال والنساء سواسية، وعار وعيب، كما أنه من الجهل والغباء أن يعتقد بعض الناس ممن لم يقرؤوا التاريخ ولا اطلاع لهم على النظريات العلمية الحديثة أن الرجل قوي ذكي عقلاني والمرأة ضعيفة عاطفية وأن هناك فروقا جوهرية بينهما ليس فقط فيزيولوجيا ولكن أيضا نفسيا وذهنيا، فيظنون أن تكوين المرأة النفسي وبنية دماغها تختلف عن تكوين الرجل. من المضحك والمؤسف في نفس الوقت أن يرددوا بلا ملل الأسطورة القائلة إن المرأة خلقت من ضلع الرجل، وهذا الضلع أعوج، في الوقت الذي تؤكد فيه البيولوجيا أن الأنثى هي الأصل، فليطلع هؤلاء على العلوم قبل أن يتفوهوا بأخطاء توارثوها عن الأسلاف والأجداد.

إن تحقيق المساواة أمر ضروري وإن كان يتطلب مجهودا كبيرا ونضالا مستمرا وعملا دؤوبا، رغم أن تصريح الأمم المتحدة لا يدعو إلى كثير من التفاؤل، حيث اعتبرت أن تحقيق المساواة أمر بعيد المنال قد يتحقق بعد ثلاثمائة سنة، مما يعطينا فكرة عن مدى توغل النظام الأبوي الذكوري في العالم بأسره ومدى هيمنته على العقول. لكن القضاء على نظام استبدادي غاشم سيكون بالتدريج وبلا شك سينتهي في يوم من الأيام رغم كثرة عدد المدافعين عنه ورغم جبروتهم وقوة المرجعيات التي يستندون إليها في الدفاع عنه وإضفاء المشروعية عليه.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *