“التقاف”: خرافة تعطيل الفحولة وحماية البكارة - Marayana - مرايانا
×
×

“التقاف”: خرافة تعطيل الفحولة وحماية البكارة

أنثربولوجيا، ظلّ السؤال دائما هو: ما الذي يحيل عليه مفهوم “التقاف” في اللغة العامية المغربية؟

من الظاهر أنّ هذا المفهوم يبقى سهلاً في تلقيه. فهو معروف عند الكثيرين بأنه “سحر” لحرمان ذكر من فحولته ظلما وعدوانا أو انتقاما. بل، ليس ذلك فحسب، فهو “سحر” يحوّل حياة ضحاياه من النساء إلى مأساة، ويدمر رغبتهنّ في المعاشرة الجنسية الطبيعية. فهل هذا صحيح بلغة الطبّ والعلم؟ وهل “التقاف” هو ما نعتقد أننا نفهمه بالضبط؟

ما معنى “التقاف”؟ 

الأخصائي النفسي والجنسي أبو بكر حركات، يشرح لنا أن “مفهوم “التقاف” يتعلق بخلل وظيفي في الانتصاب، أي الضغف الجنسيّ. لنقل إن هذا هو التفسير الخرافي أو الشعبي وغير العلمي لفقدان القدرة على الانتصاب، إما بشكل جزئيّ أو كليّ. المسببات العلمية في الغالب نفسية، كالخوف من الفشل أو عدم الثقة في حجم القضيب أو ما يعرف علميا بـ”متلازمة توتر الأداء”.

حركات يضيف، في تصريحه لمرايانا، أنه “ثمّة أيضا عوامل عضوية من قبيل مرض السكري الذي يؤثر بشكل حاسم على الانتصاب والقدرة الجنسية، وكذلك ضغط الدم أو أمراض القلب والشرايين والكولسترول، إلخ. لكنّ المجتمع الشعبي يتجاوز كلّ هذه المسببات ويعتبر أنّ ضعف الانتصاب هو راجع إلى الشعوذة، التي يعدّ “التقاف” من نتائجها. كلّ ذلك مجرّد هراء، يعكس إلى أي حدّ تعشش اللاعقلانية فينا”.

يبقى السؤال: هل هذا المفهوم يعني الرّجل حصراً؟

الباحثة في علم النفس شيماء أشحشاح تجيب مؤكدة أنّ المرأة التي تعتقد أنها ضحية للتقاف، بسبب عجزها عن مضاجعة زوجها أو شريكها، هي علميا تعاني من “التشنج المهبلي الحاد”. هذا التّشنج يؤدي إلى تقلّص عضلات المهبل، بسبب الخوف الشّديد الذي يصل حدّ الرهاب من العمليّة الجنسية؛ ما يجعل الإيلاج صعبا ومتعثرا، وكلّ محاولة عنيفة قد تتسبب في مشاكل صحيّة أو جروح.

أشحشاح تشدد أنّه، في الماضي، كان هناك خوفٌ شديد من العلاقة الجنسية، بسبب الغموض الذي يلفها، وبناؤها في عوالم الحكي فقط. لكن الرهاب تضاءل في زمننا بفعل تعرّف هذه الأجيال على الجسد وعلى الجنس، من خلال فيديوهات الثّقافة الجنسيّة، وحتى من خلال الفيديوهات الإباحية أحيانا، رغم ما قد يكون لهذه الأخيرة من تشويه لمعنى العلاقة الجنسية في ذهن المتلقي، بسبب غياب تربية جنسية موازية.

لكنّ غالبية أفراد المجتمع، وفق المتحدثة، يعيشون في أوساط تقليدية. بالتالي، حين يصاب الرجل أو المرأة بأعراض موضوعية توحي بعدم قدرتهم على “الجِماع”، فإنّ “الفقهاء أو المشعوذون”، يكونون أفضل من الأطباء بالنسبة للكثير من البسطاء.

تخلص أشحشاح أنّ “الفْقها والمشعوذون يبيعون أوهاما فقط، ويتاجرون بأمور بعيدة كلّ البعد عن اختصاصهم؛ بينما علميا وطبيا وسيكولوجيا، لا وجود لشيء اسمه “التقاف”. الذين يقولون إنهم ذهبوا للفقيه وتعالجوا من “التقاف” يؤكدون أن مرضهم كان نفسيا فحسب، وتمت معالجته بقليل من القرآن بما يخلقه من راحة بالنسبة للمغاربة المسلمين؛ إضافة إلى الاستعداد النفسي للعلاج بتلك الطريقة، مما يكون له أثر إيجابي على المريض. لكن، هل يستطيع “الفْقها” معالجة المشكل لو كان عضويّا؟ مستحيل بصفة قطعيّة ونهائيّة”.

الخرافة: العلاج المستعصي 

من بين أكبر المشاكل التي تطبع موضوع “التقاف” في زمننا الحاليّ، وفق أبو بكر حركات، هو كون”هذه التصورات ليست شيئا خاصا بالمناطق المحافظة كما يروج، بل هو أكثر وأشدّ بالمدن الكبرى، وبين المتعلمين أيضا. تخلفنا انتقل إلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي كشفت أنّ الخرافة التي تعتمل في جوفنا متعايشة معنا جيلاً بعد جيل. “الخط الزناتي” بات بدوره الآن مرقمنا. والفضاء الافتراضي بدوره بات فضاء عمليًّا لتصريف خطابات الخرافة، بحيث الرقاة والمشعوذون يوجدون أيضا بصفحاتهم الدّعائية والتّواصلية على فيسبوك وأنستغرام ويوتوب، إلخ”.

كل هذا يحيل، وفق حركات، على أنّ الجزء اللاعقلاني عندنا لازال خصبا وحركيا، وإلاّ ما كانت الخرافة ستتقوى حتى تصبح شيئا متداولاً في الرقمية التي كنا نعول عليها لتنقلنا إلى عالم معاصر بالإطلاق”.

لكن، كلّ هذا، يواصل حركات، “لا يجعلنا نغفل أنّ الطرف الوحيد الذي يستأثر بحلّ مشكلة “التقاف” هو الأخصائي النفسي والجنسي؛حيث تردنا حالات كثيرة، للذكور والإناث، نعرف كيف نعالجها وكيف نتعامل معها، حسب طبيعة المشكل الجنسي. وحدهم الأطباء يحملون أملا لكلّ من يرى أنه يحتاج لذلك”.

لكن، كيف نفسر استمرار الإصرار على زيارة الفْقيه أو “الدّجال” عوض الطبيب؟

سؤال نحمله للسوسيولوجي أحمد الصديقي، الذي يعتبر أنّ الذهاب إلى الفْقها والمشعوذين لفكّ ثغرات مشكل نفسي أو عضوي، مثل “العجر الجنسي” عند الرجل، أو “تقلص عضلات المهبل” عند الأنثى، هو تجسيد لحقيقة أن “الطبّ التّقليديّ” ظل “أكثر ثقة” عند الفئات الشعبية، الأميّة والمتعلّمة أحيانا، على حد سواء؛ لكن بدرجات متفاوتة. المغربيّ في أحيان كثيرة، تبعا لتقاليده، يلجأ إلى الفقيه أوالمشعوذ عوض الطّبيب، لأنه يعتقدُ أنّ مجال “التقاف” يتعلق بالخوارق والغيبيات وعالم الجنّ، التي لن يعالجها الطبيب، ولن يعرف حتى كيف يفكّ شفراتها.

الصديقي يرى، في حديثه لمرايانا، أنّ هناك وعيا قديما، لكنه متجدد وقويّ، داخل المجتمع التقليدي على وجه الخصوص. هناك أفكار مغلوطة عند بعض المغاربة حول الطبّ النفسي. بعضهم يعتقد أنه من العيب أن تزور طبيبا نفسانيا، وأنّ الذي يزوره “مجنون” وغير سويّ بالضرورة، نظرا لهيمنة الأفكار النمطية عن طب النفس. بالتالي، ليس هناك بدّ من نهج طريق المجتمع والذهاب في طريق لا علاقة له بالعلم والعقلانية والتفكير والمنطق والطب، إلخ.

حسب ما يفسره المتحدث، فإنّه “لو ذهب مثلاً شخص يعاني من مظاهر العجز الجنسيّ إلى طبيب متخصص في الطب النفسي والجنسي، فذلك أفضل بكثير من الذهاب إلى فقيه. لكنّ سُلطة المجتمع الخفية تفرض عليه العكس. كيف؟ لأنّ “المريض” في لاوعيه يظن أنّه بذهابه للطبيب، فهو يعترف بأنّ السبب في “عجزه” يعود له، أي أنه يبحث عن العلاج، بيد أنه حين يذهب للفقيه فكأنه يتملص من الأمر، وكأنه يقول إنه ضحية لسحر “التقاف”، وبالتالي “فحولته” ضحية لمؤامرة غيبية أو رغبة للخصوم لتحطيم خريطته الجنسية عن سبق إصرار”.

في المجمل، يعتبرُ الصديقي أنّ موضوع الفحولة عند المغاربة موضوع حسّاس، والقول بأنّ الإنسان ضحيّة للتقاف أرحم من قوله بأنه غير قادر على إكمال علاقة جنسيّة بشكل طبيعيّ. يزداد الموضوع راهنية وحِدّة حين نعرف أنّ الأمر لم يعد يشمل الأزواج فقط، بعد التحولات القيمية التي مسّت مؤسسة الزواج، ولم يعد بالتالي نقاشا متصلا بليلة الدّخلة بشكل حصريّ. مواضيع “التقاف” تعني الأزواج وغيرهم، فشكل المجتمع يتحول، لكن حصون الخرافة تعرف كيف تحافظ على وجودها.

جنسانية محاصرة

في العادة، يقال إنّ هذه الظواهر المتعلقة بالتقاف منتشرة بالمناطق “المحافظة” داخل المجتمع. لذلك نتواصل مع امرأة ستينيّة بنواحي مدينة أرفود بإقليم الراشيدية. هذه المرأة تؤكد بأريحية مثيرة للاستغراب، أنّ “التقاف” هو آلية ناجعة حصّنت الإناث من “الرذيلة” أو من تعرضهنّ “للاستغلال” من طرف أي ذكر. “التقاف” هو شيء متوارث وفعال، ويفضّل أن يُنهج مع البنت، ولا حاجة لنا في أن “نتقّف” رجلاً”.

بالنسبة لهذه السيدة، فـ”المعلومات الرّائجة عن “التقاف” وأنه شعوذة هي مغالطات، لأنه لا يمارس دائما عند المشعوذين، بل نحن فقط نعرف كيف نتكلف بالأمر، ولا نسلك الطّرق الحرام نهائيًّا”. مرايانا، تقدم هذا التصريح، فقط لتنقل لقرائها، حجم الإيمان بالخرافة… وحجم تحول الخرافة إلى مُسَلمة.

بالمقابل، فحياة، 26 سنة، تحكي لنا أنها كانت تعرف منذ نعومة أظافرها أنّها محميّة بالتقاف، وفق ما أخبرتها به والدتها، وظلّت هذه “الحقيقة” تُصاحبها إلى أن بلغت الثّامنة عشرة من عمرها. تقول حياة: حين ذهبت من أكادير إلى الرباط لأتابع دراستي الجامعيّة، وجدت حرية أكبر، ومع مرور الوقت أردت أن أعيش حياتي الجنسيّة بأريحية. مع ذلك، بقيت فكرة “التقاف” ترعبني جدا. لو لم تخبرني والدتي، كنت سأكون أكثر ارتياحا.

تتحدثُ حياة عن أوّل مرة ستعاشر ذكراً. تسترجعها باستغراب: تعرفت على شاب وبدأنا نتواعد. في إحدى المرات، ذهبت معه إلى منزله بكامل إرادتي. ذهبت وأنا أعرف، وهو أيضا، أنه لن يقترب أصلا من جهازي التناسلي، بمعنى لن يفتضّ بكارتي. غير أنّ المشكل أن انتصابه كان معيوبا، لا يبقى منتصبا لوقت طويل. ارتبكنا معا، وظلّ يقول إنها أول مرة يحدث فيها الأمر. خشيت أن أخبره عن “التقاف” ويلصق المشكل بي أو يتّهمني. قلت ربما فعلاً المسألة تعود لما أحمله معي، ولكنّي تساءلت: كيف يحدث وهو لم يحاول أصلاً أن يُدخل قضيبه في جهازي التّناسلي؟

تجمل حياة قائلة: عشت في نوع من الخوف، لأنني اعتقدت أنه كذلك ستكون حياتي. لكن، فيما بعد لم يحدث ذلك مجددا، وعرفت أنّ “التقاف” غير موجود. أنه أكبر خرافة، وإن الأمر يعود إلى الخوف لدى شريكي. لحد الآن، أحافظ على غشاء بكارتي باختياري. إلاّ أن ما حدث مع ذلك الشاب لم يحدث مجددا. لا أعتقد أن التقاف فيه “حماية” لي، بل يتوقف الأمر على رغبتي الخاصة. مثلا، أنا لا أرغب في التّخلي عن غشاء بكارتي حاليّا. لكن، ماذا لو غيرت رأيي؟ هل سيمنعني”التقاف” الذي تتحدث عنه والدتي، حين أريد ذلك؟ غير معقول.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

  1. ANAS

    موضوع مهم

  2. ANAS

    اهم موضوع

  3. mmsadiki0@gmail.com

    حلم حلم حلم حلم حلم حلم حلم

  4. ALLOU

    Bel article

  5. Azzedine

    نعم جيد جدا

  6. Anas

    Tanks
    😀

  7. Anas

    Tanks
    😀😄😁😆grdbeb

  8. salahfree

    allahouma yasser

اترك رداً على ANAS إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *