وداد البواب: “مدرسة المساواة” فرصة لإعادة منظومتنا التربوية إلى كفايات القرن 21، والإصلاح ينبغي أن يكون من الداخل - Marayana - مرايانا
×
×

وداد البواب: “مدرسة المساواة” فرصة لإعادة منظومتنا التربوية إلى كفايات القرن 21، والإصلاح ينبغي أن يكون من الداخل

في هذا الحوار مع رئيسة مكتب مراكش بالجمعية الديمقراطية لنساء المغرب ومنسقة مجموعة العمل بالجمعية حول ثقافة المساواة في المنظومة التربوية، تشرح وداد البواب أهمية المذكرة المتعلقة بمدرسة المساواة، التي تم توجيهها إلى وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة.

من حيث السياق، تؤكد البواب أنّ هذه المبادرة تندرج في الإطار العام لتفعيل التغيير المنتظر الذي دعا إليه البرنامج الحكومي (2021/ 2026)، كما أنها تستحضر القانون الإطار للتربية والتكوين، والخطوط الكبرى لخارطة الطريق المعلنة من قبل الوزارة، والأهداف المسطرة للمشاورات الوطنية التي تم إطلاقها في ماي 2022.

  • عملتم في الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب على صياغة مذكرة “من أجل مدرسة المساواة”. بداية، ما المقصود بمدرسة المساواة؟

هذا المصطلح يحتاج بالفعل إلى توضيح. فحين يسمع الناس عن المساواة بين الجنسين بالنسبة للتعليم، غالبا ما تتبادر إلى الذهن المساواة في الولوج إلى التعليم، إلا أن مدرسة المساواة لا تعني فقط المساواة في التعليم، بل كذلك المساواة من خلال التعليم. هي المدرسة التي تكون فيها المساواة بين الجنسين واقعا يوميا ملموسا ومعاشا من خلال إعمال حقين مترابطين : الحق في الولوج إلى المدرسة والبقاء بها عبر سائر مراحل الدراسة مع الاستفادة من تعليم يمتاز بالجودة؛ والحق في تعلم ينمي لدى الجنسين المساواة في الكرامة والحقوق كقيمة إنسانية. هي إذن تمتد داخل المدرسة بمختلف مكوناتها.

لا يمكن تفسير الموضوع دون معالجة عنصرين، أولهما الولوج طبعاً؛ لكنه ينبغي أن يكون مطبوعا بالاستمرارية. فولوج الفتاة للمستوى الابتدائي ثمّ انقطاعها يعدّ مشكلة بنيويّة وتحديا رئيسيا أمام “مدرسة المساواة” التي ندافع عنها. ثم هناك العنصر الثّاني، وهو مهم أيضًا، ويتعلق بالمساواة من خلال التربية، أو ما أطلقنا عليه تسمية “بيداغوجيا المساواة”. ما نقصده هنا هو إعادة النّظر في المحتويات التّربوية الحاليّة، ووضع مضامين بيداغوجية تستجيبُ لطموح رفع التّمييز بين الجنسين، الذي تكرّسه المنظومة المعمول بها. حتى أُقدم تفسيرا دقيقا، فإنّ هذه “المرافعة” تنبه إلى ضرورة تضمين “المساواة في الكرامة وفي الحقوق” كقيم كونية داخل المناهج التّعليمية ببلدنا.

لكن، لا يتعلق الأمر بالمضمون فحسب، بل حتى الأنشطة الموازية التي تنظم في الفصل أو في المدرسة، لأنه لاحظنا أنّه لازالت هناك صور نمطية لصيقة بهذه الأنشطة، فالطفل تُقدمُ له، عادةً، السيارة والطائرة والرجل الخارق كألعاب، بينما تقدم للطفلة الدمية لمحاكاة دورها كأمّ وأدوات الطبخ لتذكيرها بأدوارها التّقليدية داخل البيت. كما لاحظنا أنّ هناك تضاربا حتى بين مادة وأخرى في مقاربتها للعلاقة بين الجنسين، وكأنها لا تنتمي لنفس المنظومة ولا تهم نفس المتعلمين والمتعلمات. وأيضا بين أستاذ وآخر، وبين مدرسة وأخرى. لذلك، مدرسة المساواة ليست مسألة مضامين فحسب، بل هي مسألة تربوية تستدعي تدخلا ممأسسا، متماسكا ومنسجما يروم معالجة كل مكونات المنظومة التربوية من مناهج ومضامين وطرق التدريس وحياة مدرسية.

  • لكن، ما هي الأشياء التي يجب أن تكون محتوىً بيداغوجيًّا لمدرسة المساواة، ويتعين أن يتعلمه الأولاد والبنات؟

ينبغي ألا يكون هناك تمييز بين الجنسين مع ضرورة التأكيد على أنّ الاختلاف البيولوجي بين الذكر والأنثى لا يحمل أية قيمة تراتبية مفترضة أو مزعومة، إضافة إلى أنهما يولدان دون تبعية أي جنس لآخر، ولهم نفس القدر من المواطنة ومن الحقوق والكرامة. على المضامين أن تبرز الدور الذي تلعبه النساء في تطور المجتمعات مع التطرق للنساء الرائدات عبر التاريخ في عدة مجالات. هذا ما يتعين أن تراعيه المناهج التربوية الواضحة والمعلنة وكذلك الخفية.

كما أنه من الضروري اعتماد طرق بيداغوجية تركز على التعلم وليس التلقين، تركز على منهجيات ودعامات تحفز على التساؤل وإعمال الفكر، على أي أن يصبح التلميذة والتلميذة في مركز العملية التعلمية، من خلال التملّك الواعي للكفايات. لا يكفي تضمين المساواة في المناهج بشكل سطحيّ يكرس آليات الحفظ فقط، على التلاميذ حفظه بشكل قسريّ لكي ينجحوا في الامتحان، بل علينا أن نذكر بأنه لا قيمة لأيّ إصلاح لا يُراهن على دفع التّلاميذ والتلميذات للتملّك الواعي لقيم المساواة. كما أن المضامين التربوية التي ينبغي أن تخضع للتّنقيح لكي تكون سليمة وخالية من الصّور النّمطية التمييزية، يجب أن تكون منسجمة مع كافة الأنشطة والممارسات داخل الحياة المدرسية. ولأجل ذلك يستدعي ذلك تكوينا وتحسيسا لهيئة التدريس ولهيئة التدبير كذلك. تسجيد المساواة يجب أن يتم بشكل شمولي.

  • في المذكرة، عملتم على ربط شعار الإصلاح وبراديغم “المدرسة المغربية الجديدة” وعلاقتهما بـ”بيداغوجيا المساواة”. لكن، هل المدرسة المغربية نضجت بما يكفي لاستدماج مقولات المساواة التي توصي بها المذكرة؟

هذا سؤال مهم جدا بالفعل،إذ لا يمكن أن ننتظر نضج المدرسة لفتح هذا الورش بقدر ما ينبغي أن ننخرط جميعا في عمليّة إنضاجها. وهنا لا يمكن أن نفصل المدرسة عن المجتمع الذي تعتمل فيه مجملُ الصور النمطية. ولا يمكن أن نراهن على المدرسة وحدها، بل على مختلف السياسات العمومية بما فيها التعليم. نحتاج في هذا الصدد إلى سياسة تعليمية شجاعة يتمّ تنزيلها بجرأة. إضافة إلى أنّ الإصلاح ينبغي أن يتمّ من داخل المنظومة التربوية وليس من خارجها، وأن يؤمن الفاعلون في الشأن التعليميّ بأهمية مدرسة المساواة ومدى راهنيتها.

نحن أدركنا مدى أهمية هذا الأمر، لذلك كان الاتصال بالهيئآت التربوية من جمعيات مدرسات ومدرسي مجموعة من المواد وهيئآت التفتيش وجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ والنقابات التعليمية وكذا جمعيات المجتمع المدني الناشطة في الشأن الحقوقي والنسائي والتنموي. ولقد حظيت هذه المبادرة الترافعية من أجل مدرسة خالية من الصور النمطية، بدعم كل هذه الأطراف من خلال تصريحات ونداءات، إضافة إلى دعم الوزراء السابقين لوزارة التربية الوطنية منذ 1992 الذين أشرفوا على مبادرات مهمة في هذا المجال.

نعلم أن العديد من المبادرات السابقة لاقت رفضا من طرف الذين يربطون وجودهم بالخطاب الماضوي ويتمكنون من بثّه في المؤسسات التعليمية بشكل مباشر وغير مباشر. تلك المبادرات اصطدمت كذلك بسياقات غير مشجّعة، فلم يكن آنذاك دستور 2011 ولم يكن القانون الإطار للتربية والتكوين. نظرا لكل ما سبق، نعتبر أن الفرصة سانحة الآن والسياق مناسب. التغيير ممكن وضروري وملح.

  • هناك ما يعرف بـ”المناهج الخفية”، التي تتدخل فيها قيم الأستاذ ومعتقداته وأفكاره. وبعض الأساتذة، وفق التّجربة، يحوّلون الدرس إلى ورشة للدّعاية الإيديولوجية. ماذا لو تعارضت أفكار الدروس حول المساواة مع ما يترسب في ذهن رجال، وربما نساء، التعليم، كيف ستكون النتيجة؟

لذلك، فالإصلاح لا يجب أن يغفل رجال ونساء التعليم، لأنهم المدخل الأساسيّ لأيّ تنزيل ممكن لمدرسة المساواة بما أنهم من سيضطلعون بمهمة ترجمة هذه البيداغوجيا في دروس. لكن، هناك مآزق كثيرة بالفعل، منها أنّ أفكار ومواقف الأستاذ أحيانا تكون عنده أقوى من مهمته التعليمية التي ينبغي أن تتسم بالأمانة والحياد. وقد عاينا كثيرا من الأساتذة في هذا العصر يفصلون بين الإناث والذكور. مجرد فصلهم عن بعضهم هو تكريس للصّور النمطية التمييزية الراسخة وإجهاض لكلّ طموحات الاشتغال على ملف مدرسة المساواة.

يجب أن نضع تدابيراً مهمة لكي تصبح قيم المساواة جزءا من تكوين هيئة التدريس، أي أن نشتغل أيضا على العقليات الجماعية وخاصة لمهنيي التدريس، وتكوينهم على قيم ومبادئ حقوق الإنسان المكرسة بقوة في دستور بلادنا، بمعناها وأبعادها الكونية وعدم قابليتها للتجزيء. نحن لا نقول إن مدرسة المساواة هي ورش سيستغرق مدة قصيرة بل إنه رهان على المستوى المتوسط والطويل، لأنه يتضمن الاشتغال والتعامل مع عقليات سائدة. وزمن العقليات هو زمن طويل وبالتالي، يحتاج هذا الورش إلى النفس الطويل وتظافر جهود كل الأطراف المعنية.

لقد اقترحنا في مذكرتنا ضرورة المأسسة مع إجراءات مهيكلة وكذا توفر الوزارة على عدة للتتبع والرصد المستمر باعتبارها ضرورة إستراتيجية.  من عناصر إغناء هذه العدة، ربطها بآليات مؤسساتية مهمتها مكافحة التمييز بين الجنسين على غرار “هيئة المناصفة ومكافحة كافة أشكال التمييز” التي نص عليها الدستور.

  • وماذا لو كانت أسر بعض التلاميذ “محافظة”، ألن يخلق ذلك نوعا من الارتباك عند المتعلم بين التصورات “الميزوجينية” داخل الأسرة وبين حوامل المساواة ودعامات رفع التمييز بين الجنسين الذي تسعى المدرسة إلى استدماجه، وفق توصيات المذكرة المتعلقة بكفايات القرن 21؟

أعتقدُ أنّ هذه الملاحظة وجيهة لأنّ الارتباك هو سمة أساسيّة للوضعية الحالية للتعليم، لأن التلاميذ والتلميذات يوضعون أمام عدة تضاربات داخل المنظومة التربوية نفسها، بين المواد وبين الأساتذة وبين الأساتذة وإدارة المؤسسة كما تمت الإشارة لذلك. وقد يكون أحيانا التناقض بين الأسرة والمدرسة، أسرة منفتحة لكنّ بعض المحتويات مُؤدلجة ولا تواكب التطور الذي لحقه المجتمع، أو العكس. ينبغي أن نفكر في معالجة هذا الإشكال. لذلك، نعتقد أن التشجيع على التفكير الحر والنقدي عوض حشو التلاميذ بالقناعات، سيكون حلاّ استراتيجيا وعمليا في هذا الجانب.

كما أنّ الأسر بدورها يجب أن تتم توعيتها بخطورة الخطاب الميزوجيني على الإناث والذكور على حد سواء، عن طريق الإعلام ومختلف أشكال التحسيس، ومن هنا كان الاتصال بجمعيات آباء وأمهات التلاميذ والتلميذات التي ساندت المبادرة ويمكن أن تنخرط في الورش. يجب أن تدخل على الخط مختلف المؤسسات والسياسات لكي يكون الإصلاح متماسكا بين الأسرة والمجتمع والمدرسة. التناقضات كثيرة داخل المجتمع، والمدرسة تصبح في النهاية صورة مصغرة لكلّ ما يحدث في المجتمع. الرهان على الأسرة ليس ترفا، لأنه سيساعد مدرسة المساواة في الخروج إلى الوجود، ومن ثمّ تأدية مهامها على الوجه الأكمل. يجب ألا نتراجع للخلف… لأن التاريخ مستمر !

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *