“أردنا أن نعيش مطلع السنة بشكل مختلف”… مرايانا في قلب احتفالات رأس السنة بصحراء مرزوكة (صور) - Marayana - مرايانا
×
×

“أردنا أن نعيش مطلع السنة بشكل مختلف”… مرايانا في قلب احتفالات رأس السنة بصحراء مرزوكة (صور)

مرّة أخرى… تثبتُ لنا صحراء مرزوكة أنّ شساعة الكثبان تصرّ أن تحتضن الباحثين عن عيش احتفالات رأس السنة، بشكل مختلف. الجِمال والخيام والسيارات والدراجات رباعيّة الدفع وأهازيج الصّحراء لازالت تغري الكثيرين عبر العالم.

يحجّ إلى مرزوكة قبل رأس السنة الميلادية (2023) آلاف الزّوار، مغاربة وأجانب، ليثبتوا أنّ بطن الصحراء، لازال قادراً على أن يتّسع لكلّ “الأجنّة” التي تود الشعور بالولادة من جديد مع بداية سنة جديدة. هذا ما تعدك به مرزوكة… فهل وعود الصّحراء صادقة؟

هذه مرزوكة، “المدينة” التي تخطفك ببساطتها و”هامشيّتها”، وتدفعك، قسراً إلى التفكير للاستقرار فيها والارتماء في حميميّتها، بعيدا عن صخب الحياة المعاصرة. هي مرزوكة التي تتزيّن اليوم طرقاتها بالأضواء، ويحرص الأمن المكثف على تقديم صورة مشرّفة للآخر: السياح والزوار.

أفضل مكان في العالم؟

تنطلق رحلة مرايانا من مخيّم ريلاكسين ديسيرت كامب، الموجود وسط كثبان “عرك الشبّي” بصحراء مرزوكة. أوّل ما يلفتُ الانتباه هنا، هو تجمهر نفر من البرازيليين، لم يكترث أي منهم ربّما لانهيار حلم منتخب “السامبا” في إقصائيات كأس العالم، فالأحلام تتجدّد باستمرار.

ليون برازيلي ثلاثينيّ كان أول من يتحدث إلينا بإنجليزيّة مكسّرة، ليؤكّد أنّ احتفالات رأس السّنة بمرزوكة تجعله يصف هذا المكان بأنّه…“الأفضل بالعالم”. بالنسبة له، فالمثير أنّ هؤلاء السكان حافظوا على خصوبة الطبيعة وكل مقوماتها. “لم أندم لأنني جئتُ للصّحراء”، يقول ليون ثم يتابع: “وجدت أشياء كنتُ أعتقد أنّها لم تعد موجودة في حياتنا، لكنه فقط وهم التحضّر من يشعل فينا هذه الرغبة في الاعتقاد أنّ العمران الحديث هو كلّ ما يوجد في العالم”.

يضيفُ ليون قائلاً إنّ “الأهازيج التي تمّ استقبالنا بها مبهرة جدا، والسّكان لطفاء والكلّ يرغب في الترحيب بنا بطريقته. قيم الناس رائعة، قلت لهم جميعا كلما صادفت أحدا إنهم محظوظون أن يعيشوا متشبثين بالأصول ويخلقوا منها عالما مختلفا يحتضن كل الجنسيات. حين كنا قادمين في الطريق، وجدنا مئات الجمال تحمل الأجانب مثلنا الذين اختاروا هذا الفضاء. أجزم أنهم في قرارة أنفسهم يعرفون أنهم اتخذوا القرار الأفضل هذه السنة. هذا المكان كأنه حلم”.

ميريلي، مرشدة سياحية برازيليّة، وضمن مجموعتها يوجد ليون، تؤكد أنها جاءت إلى هنا مرات كثيرة منذ 2009، حين بدأت العمل في السياحة الدولية. تقول ميريلي موضحة: ليست أول مرة أقضي فيها رأس السنة بمرزوكة، لقد كنت هنا أيضا في مطلع السنة الماضي، واحتفلنا بشكل جنونيّ.

بابتسامتها وكأنّها تستعيدُ طفولتها، تسترسلُ ميريلي: حين أستغلّ الصّور التي نلتقطها في رأس السنة في عملية التّرويج التي نقوم بها بالبرازيل، تردنا مئات الطلبات بالرغبة بالمجيء معنا. أنا معجبّة حدّ الولع بهذا المكان، لذلك أصرّ على الوكالة أن أتكلف دائما بهذه الرحلة. حرمتنا الجائحة لوهلة من بريق الصحراء، لكنني أصر دون ضجر على إعادة التجربة. وموعدنا حتما سيتجدد السنة المقبلة.

نغادر نحو مخيم آخر غير بعيد، وهو إيديال ديسيرت كامب. كلّ أجواء الاحتفال موجودة، هنا، وكلّ الخيام مكتظّة بالزوار. نصادف قرب مطعم المخيّم سيّدة اسبانيّة. نسألها عن سبب اختيارها الصحراء هي وعائلتها، فتقول بحماس: نحن

نعيش في المدينة. كل شيء متاح هناك في اسبانيا. جئت إلى الصّحراء لكي أعيش مع بناتي عالما مختلفا. رأينا أشياء لا تصدّق، هناك فوارق بين مدن المغرب، زرنا فاس ومراكش والرباط والدّار البيضاء، خصّنا مرشدنا “مبارك” برحلة استكشاف المدن الامبريالية الأربعة. لكن، هنا الجو مختلف ورائع. النجوم في السماء فريدة، واحتفالات رأس السنة في هذه الصحراء شيء سنتذكره كلّ حياتنا. الناس بسطاء جدا وصادقون للغاية.

المتحدثة، التي يبدو من ملامحها أنها تقاربُ الخمسين، تقول إنّ “المخيّم أيضا اختيار ممتاز والأثمنة في المتناول بالنظر إلى الخدمات المقدّمة، الأكل لذيذ والنادلون لطفاء. لباسهم جميل جدا. إنهم يعكسون منطقتهم في كل التفاصيل. أحببنا أيضا الموسيقى بجانب النيران والرقصات الجميلة. قدّموا لنا ليلة هائلة من المستحيل نسيانها. بناتي تحمسن كثيراً وقلن إنها الليلة الأفضل في حياتهنّ على الإطلاق، وأرجو أن تقررن العودة لاحقا. أنا ووالدهم نشعر بشوق كبير للأجواء قبل أن نغادرها”.

استعدادات استثنائية

لحسن وعبو، مسيّر فندق ومجموعة من الخيام داخل مرزوكة، يقول إنّ الاستعدادات هذه السنة كانت أكثر جدّية من التي سبقت. كنا نتلقى الحجوزات لرأس السنة في المخيم منذُ تقريبا شهر يونيو. كانت كلّ غرف الفندق والمخيّم محجوزة بالكامل قبل بداية نونبر. بذلنا جهودا كبيرة في الإعداد لتقديم أفضل صورة عنا وعن منطقتنا، والنتيجة ممتازة بشكل يفوق كلّ التوقعات.

وعبو يصرّ أن يفتخرَ بالعمل الذي “يقوم به كلّ العاملين في المجال السّياحي بأسامر. فحتى النظرة إلى السياح اختلفت. الآن، هناك عشرات الفنادق التي تأوي الزوار القادمين من المغرب عبر السّفريات المنظمة. هذا النوع من الرحلات كان، في السابق، حكرا على فنادق معيّنة بسبب بعض السّياسات التي ترفض إيواء المغاربة القادمين في سفريات، ليس بسبب العنصرية، لكن بسبب السّياحة بالأساس والتي كانت تركزُ على الأجانب حصريا”.

هذه الاستراتيجية القديمة باتت تتحطّم، بحسب المتحدّث، لأنّ “سوق السياحة الداخلية أصبح أيضا واعداً ومثمراً. عوض قضاء رأس السنة في أوروبا، ها هم اليوم بيننا. دعني أخبرك مثلاً أنّ النسبة الأكبر من غرف الفندق محجوزة من طرف وكالات أسفار. تركتهم يحتفلون بالفندق، وأنا جئت لمعاينة الأجواء في المخيّم. ما نقوم به سيترك صورة جميلة عند الزوار. يشعرون أنهم في مأمن من كلّ الأذى. مجرد أن تنام في الخيام داخل الصحاري وتشعر بالأمان، فهذا هو الإنجاز الأكبر الذي نقدمه لزبنائنا عموما”.

حمّي تاوشيخت، صاحب رياض بصحراء أوزينا قرب الحدود المغربية الجزائرية، يفسّر لمرايانا أنّ الصّحراء بصفة عامّة “صارت وجهة مفضلة بالنسبة لكلّ البلدان في العالم. وهذه السنة استقبلنا عدداً من الإسرائيليين، الذين قدموا لأوزينا لأنهم يريدون فضاء يخلو من كلّ أشكال الحياة بصفة مطلقة. في أوزينا، توجد فقط الخلاءات، لكنها تعتبر قبلة نموذجية بالنسبة للأجانب. لاحظت تدفّق المغاربة وسط مرزوكة، لكن أوزينا غير معروفة كثيراً”.

تاوشيخت يتابع قائلاً بأنّ رأس السنة بأوزينا يتم في أجواء استثنائية. كلّ الغرف ممتلئة بالرياض، حجزته مجموعة قادمة من إسبانيا تتكون من 80 شخصا. كلهم بدراجاتهم النارية يخوضون تجربة السياقة في خلاءات أوزينا وسيدي علي تافراوت والرملية.

“جهّزنا لهم كلّ ما يلزم ليكون الإيواء والخدمات في المستوى، مراعاة لحساسية احتفالات الدقائق الأخيرة من شهر دجنبر. حضّرنا أيضا كلّ ما يلزم لكي نضمن أن يستمتع ضيوفنا في هذه الليلة. هي ليلة واحدة فقط من الاحتفالات كلّفتنا أسابيعاً من التّفكير وشهوراً من العمل الجاد”، يقول تاوشيخت.

تعافي السياحة بالصحراء؟ 

مالك مخيم إديال ديسيرت كامب، محمد تغلاوي ساسبو، يقول إنّ السّياحة هي المورد الوحيد للعيش بالنسبة للأغلبية الساحقة من الأسر بمرزوكة. لذلك، فالمستثمرون فرحون جدا أنّ السياحة تعافت بشكل كبير، ولعل كمّ السياح الموجود حاليا هنا بمنطقة أسامر يكشف عن مستقبل أفضل للسياحة بعدما ساد التشاؤم جلّ العاملين بالقطاع”.

تغلاوي ساسبو يرى أنّ “السّياحة في هذه الظّرفية ليسَت كما عشناها قبل الجائحة، فهذه الوفود الغفيرة اشتقنا إلى رؤيتها حتى ظننا أنها أول مرة نرى فيها السياح. لكن، لازلنا ننتظر السوق السياحية الصينية بفارغ الصبر، فقبل الجائحة كنا نتجه لاستقطابهم نظرا لكونهم حققوا لنا أرباحا كبيرة وخلقوا اشتغالا ديناميا للمخيمات والفنادق عموما، بسبب أعدادهم الكبيرة”.

يتابع المتحدث موضحا أنه “بسبب سنتين من التوقف عن العمل، حين استقبلنا السياح بمخيمنا، وجدنا صعوبة في التّعامل معهم. أحسسنا وكأنّنا نبدأ عملنا للمرّة الأولى في السّياحة، رغم أن تجربتي تفوق العشر سنين. هناك تحول ما، وثمة تبدّل في طباع الأجانب بدورهم، ربما بسبب ما فرضته الجائحة. لكن نستطيع أن نسجل تغيراً في المزاج العام للسّياح. ورأس السنة هذا وما شهده أظهر نوعا من الأمل لنا جميعا”.

يختم تغلاوي مودعا العام القديم ومستقبلا، مع مرايانا، العام الجديد، قائلاً: إنّ مرزوكة هي أرضٌ للتّعايش، كلّ الجنسيات وكلّ الأعراق وكلّ الحساسيات السياسية والدينية، تصبح سرابا في الصحراء. قيم الصحراء تستمدج كل التصدعات وتنسفها، فالحدود كيفما كانت تذوب هنا. وهذا ما بينه احتفال رأس السنة، لدينا مغاربة وهولدنيون وإسبانيون وفرنسيون. كلهم… عانقوا فكرة ما، وهي قضاء ليلة رأس السنة في الصحراء، وقد نجحوا ونجحنا جميعا.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *