من مصر، يارا خليل تكتب: العلاقات المصرية السوفيتية وتأثيرات الحرب الباردة - Marayana - مرايانا
×
×

من مصر، يارا خليل تكتب: العلاقات المصرية السوفيتية وتأثيرات الحرب الباردة

جزء كبير من العلاقات الدولية قائم بالأساس على القدرة على خلق مساحات تتشابك فيها المصالح بشكل كبير وعلى متغيرات الظرف الإقليمي، وهو ما جعل من الاتحاد السوفيتي في حقبة معينة حليفا مهم لمصر، ثم تراجع هذا الدور بالرغم مما حققته مصر من مكاسب سياسية. لكن، مع ذلك، تم طي تلك الصفحة من العلاقات حينما وصلت لدرجة من الجمود بين الطرفين وظهر على الساحة دور جديد للقوى المغايرة تماما. لكنها وضعتنا أمام رؤية جادة لمعرفة حقبة من أهم الحقب التي شهدت الكثير من الفرص الضائعة والتحولات الكبرى.

مثلت العلاقات المصرية السوفيتية حقبة من أهم الحقب التاريخية التي مرت على الدولة المصرية. وشهدت تلك العلاقة مسارات متنوعة ما بين توجس سياسي وانفتاح في العلاقات الاقتصادية والعسكرية ثم انكماش وانحصار لهذا الدور، جعلت من الاتحاد السوفيتي رقمًا هامًا في المعادلة المصرية وشاهدًا على أحداثٍ جسام مرت على الدولة المصرية.

تسعى هذه المقالة إلى فهم وتحليل طبيعة العلاقات المصرية السوفيتية في إطار الواقعية السياسية، من خلال رؤية تحكمها المصالح المشتركة؛ مع الوضع في عين الاعتبار التحولات الكبرى لتلك الفترة الزمنية، والتي ألقت بظلالها على المنطقة والعالم أجمع. تراجع قوى الاستعمار القديم وصعود قوتين جديدتين هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ومحاولة جذب أطراف عديدة في صورة أحلاف، جعل تفسير بعض العلاقات الدولية يشوبها الغموض والتردد دون أن يوضح مسارات تلك العلاقات المدفوعة غالبا بمصالح اقتصادية وأمنية بعيدا عن أي تقارب فكري أو إيديولوجي.

على الصعيد المصري، كانت بداية نشوء العلاقات الدبلوماسية بين مصر والاتحاد السوفيتي، كما يرويها المؤرخ الروسي فلاديمير بيلياكوف، حينما وجه نشأت باشا، سفير مصر في لندن، الدعوة لإيفان مايسكي سفير الاتحاد السوفيتي المفوض لدى لندن، دعوة للإفطار بمقر إقامته واقترح عليه إمكانية إقامة علاقات دبلوماسية. وبدوره، أوصي السفير إيفان بضرورة توجيه خطاب من الحكومة المصرية التي يترأسها النحاس باشا بذلك إلى العاصمة السوفيتية موسكو. وبالفعل، تم توجيه الدعوة التي لاقت قبولا من الجانب السوفيتي وتم الاعلان عن إقامة العلاقات الدبلوماسية في 26 أغسطس\غشت 1934.

حدث ذلك أثناء الحرب العالمية الثانية، ولا يمكننا أن نغفل الإطار التي نشأت فيه العلاقات المصرية السوفيتية والذي يتماشى مع رغبة الحلفاء في مواجهة ألمانيا النازية. منذ البداية، لم تنشأ العلاقات في أجواء طبيعية، لكنها نشأت في ظل مناخ عالمي جديد بدأت ملامحه في الاتضاح في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهو ما يُمكننا من تقسيم المراحل اللاحقة من العلاقات المصرية السوفيتية إلى فترات مختلفة صعودًا وهبوطًا.

 

أولا، الفترة ما بين 1952 و1958، والتي تمثل مرحلة التوجس السياسي من قبل السوفييت

بدت تلك المرحلة من تاريخ العلاقات المصرية السوفيتية علاقة مرتابة من النظام المصري، خاصة بعد نجاح ثورة يوليو والتي نظر إليها السوفييت على أنها ثورة أمريكية الصنع أرادت الولايات من دعمها ازاحة دول الاستعمار القديم عن مكانتها الدولية ثم جذب الدول المستقلة إلى مدارها عبر التحالفات والمساعدات الاقتصادية، فرأت حينها أن محمد نجيب هو الأقرب إلى بريطانيا، بينما جمال عبد الناصر يمثل الطموح الأمريكي في ايجاد أتاتورك مصري.

على الجانب الآخر، وجد النظام المصري في الولايات المتحدة الدعم الجيوسياسي المطلوب لنجاح ثورتهم، خاصة أن الولايات المتحدة لم تتصرف كقوى إمبريالية خارج أمريكا اللاتينية والمحيط الهادئ، مما جعل النظام المصري في تلك الفترة أقرب نظريا إلى الولايات المتحدة.

ونظرا لأن تسليح الجيش المصري على رأس اولويات السلطة السياسية، اعتقد النظام المصري أن الولايات المتحدة ستبادر بعقد صفقات التسليح، بالإضافة لتقديم بعض الامتيازات الاقتصادية، وهو مالم يحدث؛ فبالرغم من وجود علاقات مصرية أمريكية جيدة، إلا أن الولايات المتحدة كانت لا ترغب في تسليح الجيش المصري، إذ كانت تُعد لإقامة حلف جديد في المنطقة لمواجهة المد الشيوعي تضم إليه مصر، وهو ما عرف لاحقا بحلف بغداد.

هذا الأمر جعل النظام المصري يلجأ عمليا إلى عقد صفقة التسليح التشيكية الشهيرة مع الاتحاد السوفيتي عام 195، وهو الأمر الذي مثل أول خروج عن الفلك الأمريكي.

تلا ذلك انضمام مصر لحركة عدم الانحياز وحضور مؤتمر باندونغ عام 1955، والذي مثل رغبة مصر في النأي بنفسها عن الصراعات العالمية.

بالإضافة لاعتراف مصر بالصين الشعبية عام 1956 وسحب الولايات المتحدة عرضها لتمويل السد العالي والذي جعل العلاقات المصرية الأمريكية على المحك.

 

لكن أزمة 56 شكلت منعطفا أخر قد يبدو متناقضا مع مسار العلاقات المصرية الأمريكية الذي أخذ في الانحدار.

 

مثل الرفض الأمريكي السوفييتي للعدوان الثلاثي أحد الحالات النادرة التي اتفق عليها الجانبان في الحرب الباردة، وهو ما أنهى العدوان الثلاثي على مصر بصورة عملية.

بدأت تلك الأزمة بعد إعلان مصر تأميم قناة السويس باعتبارها شركة مساهمة مصرية، مما أثار حفيظة كل من بريطانيا وفرنسا واستعمل ذلك كذريعة لبداية العدوان بالتشارك مع الجانب الإسرائيلي. لكن اللافت للنظر هو الموقف الاستثنائي من الولايات المتحدة، حيث لم تكتف بالإنذار كما فعل الاتحاد السوفيتي، بل قامت بالتهديد بفرض عقوبات اقتصادية على الفور، مما أجبر الجميع على الانسحاب، وهو ما فسر لاحقا على أنه نصر سياسي وهزيمة عسكرية.

لكن الموقف الأمريكي الاستثنائي تجاه أزمة 56 يحتاج لمزيد من التدقيق، حيث أن التحرك الأمريكي بهذا الشكل المتشدد، كان يعبر عن إرادة أمريكية جادة في تقليص نفوذ فرنسا وبريطانيا وحصرًا لدورهما القديم.

بالإضافة إلى تطوير إسرائيل وفرنسا لروابط عسكرية وثيقة، حيث زادت قيمة المعاملات من عدد قليل من طائرات ميراج وميستر إلى صفقة لمساعدة إسرائيل في إنشاء أول مفاعل ذري في ديمونا وهو ما رأت فيه الولايات المتحدة خطرًا قد يؤثر على حلف الناتو مستقبلًا ويعرضه للدخول في صراعات غير مدروسة في الشرق الأوسط، وهو ما لا ترغب فيه الولايات المتحدة باعتبارها كانت تخطط لحلف بغداد كما ذكرنا سابقا.

على الجانب الآخر، كان لناصر في تأميم القناة حسابات خاطئة حيث استبعد التدخل الإسرائيلي وتصور أن المنافسة الفرنسية البريطانية في الشرق الأوسط ستحول دون التعاون بينهم، بالإضافة إلى الاعتقاد أن فرنسا مستنزفة بالكامل في الجزائر ولا يمكنها فتح جبهة أخرى. لكن تلك الرهانات كانت فاشلة وذلك على مستوى الرؤية السياسية المصرية.

أما عن التقييم العسكري، فيذكر لنا المشير الجمسي أن الجيش فشل في تأمين البلاد من الشرق أو الشمال، وأن المتحاربين لم يخضعوا سوى للضغط الدولي. حققت إسرائيل بذلك مكاسب كبير بوجود قوة حفظ سلام دولية متمركزة في شرم الشيخ لضمان حرية الملاحة الإسرائيلية عبر مضيق تيران إلى خليج العقبة في البحر الأحمر.

من هنا بدأت تتشكل رغبة مصرية في التقارب مع الجانب السوفيتي، بعد أن تأكد لدى القيادة السياسية أن الدعم الامريكي سيظل مشروطا بالانضمام لحلف بغداد وتحت الوصاية الامريكية.

 

بداية التقارب المصري السوفيتي في الفترة من 1958 إلى 1967

نظر خرشوف إلى السياسة المصرية كمن يريد ركوب الحصان الأمريكي مرة والحصان السوفيتي مرة أخرى، وهو ما صرح به لجمال عبد الناصر في زيارته الأولى لموسكو عام 1958. لكن رفض مصر للانضمام لمبدأ ايزنهاور، والذي هاجمه عبد الناصر بشدة باعتباره خدعة إمبريالية تبرر التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط بدلاً من تسليح الدول المستقلة حديثًا للدفاع عن حدودها، جعل مسار العلاقات المصرية السوفيتية تنحى منحى إيجابيا، خاصة في أواخر الخمسينات والستينات، حيث شهدت تعاون اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، بدأت ملامحه بتمويل السد العالي واقراض مصر لمبالغ مالية كبيرة وإقامة مشاريع جديدة بتسهيلات في السداد والمساعدة في انشاء مشاريع إنتاجية ضخمة مثل مجمع الجديد والصلب في حلوان ومجمع الألومنيوم في نجع حمادي، بالإضافة إلى صفقات السلاح ومراكز التدريب السوفيتية ومشاركة التكنولوجيا في مجال الصناعة والزراعة.

بهذا، وجدت مصر ضالتها في الدعم الاقتصادي والعسكري ورأى الاتحاد السوفيتي في مصر جسرًا لتوسيع وجوده في المنطقة العربية والقارة الإفريقية، حيث سعت الولايات المتحدة لاستئصال الشيوعية ومحاصرتها خاصة في أوروبا الغربية والشرق الأوسط. بهذا، اعتبرت تلك الفترة العصر الذهبي للعلاقات المصرية السوفيتية.

اجواء 67 وزيارة شمس بدران لموسكو والمسار الملتبس في الدعم السوفيتي

جاءت هذه الزيارة في ظل أجواء من التوتر بين مصر وإسرائيل، والتي سبقت الحرب بعشرة أيام من طرف الرجل الثاني في القوات المسلحة (شمس بدران)، وذلك لشرح الموقف المتوتر في المنطقة وطلب الدعم السوفيتي، وقد كشف مراد غالب، سفير مصر في موسكو، جانبا من تلك المباحثات.

أثناء لقائه مع كوسيجين رئيس الوزراء في الاتحاد السوفيتي

بدأ شمس بدران بشرح الوضع على الحدود وشرح بإسهاب كيف أن الخطة هجومية تتحرك فيها القوات المسلحة على ثلاث جهات شعبية تتجه شمالا نحو تل أبيب وشعبة في الوسط إلى بئر سبع وشعبة إلى اتجاه إيلان.

كوسيجين: “هل في حسابكم أن الأردن لن يدخل الحرب؟”. وكان الملك حسين قد حضر إلى القاهرة وانضم إلى اتفاقية الدفاع المشترك. مع ذلك، فقد كان رد شمس بدران “لا، لا نضع في حسابنا أن الأردن سيدخل الحرب”.

– كوسيجين:  “وهل في حسابكم أن سوريا لن تدخل الحرب؟”.

– شمس بدران: “ليس في حسابنا أن سوريا ستدخل الحرب”.

من الواضح أن شمس بدران لم يفهم مغزى تلك الأسئلة، والتي ألمح بها كوسيجين أن الاتحاد السوفيتي لن يدخل تلك الحرب.

أخيرا، سأله كوسيجين: “وهل في حسابكم أن الولايات المتحدة ستدخل الحرب؟”.

رد بدران أنها قد تدخل الحرب، لكن هذا سيجعل العالم كله ينظر إلى دولة عظمى تضرب دولة من دول العالم الثالث.

في نهاية اللقاء، كانت نصيحة السوفييت لمصر بتهدئة الأوضاع، لاسيما بعد أن قامت مصر بطرد قوات الطوارئ والتخلص عمليًا من كل آثار 56، وكان عليها محاولة إقناع العالم بعدم الرغبة في خوض أي حرب جديدة.

يبدو من هذا الحوار بين قيادتين على مستوى كبير من المسؤولية أن مصر كانت تعول على رد فعل عالمي جديد كما حدث في حرب 56، متجاهلة النصائح السوفيتية بضرورة تجنب الدخول في تلك الحرب، مما أدى لأسوأ كارثة عرفتها المنطقة على مدى عقود.

لكن ما يغيب أحيانا في قراءة هزيمة 67، هو دراسة الوضع الإقليمي، والذي سهل الانجرار إلى تلك الحرب، حيث الوضع السوري الذي شهد انقلابا جديدا والذي صنف على أنه انقلاب يساري قريب من الاتحاد السوفيتي.

في الأردن، بدأت إسرائيل تستهدف قرى سموع بالأردن في عمليات استفزازية متعمدة، بالإضافة لحرب اليمن التي رأت فيها بريطانيا فرصة لاستنزاف الجيش المصري هناك واعتبرتها الولايات المتحدة ذراعا طويلا لعبد الناصر، حيث منابع البترول في الخليج وهو ما يجب التصدي له.

ما بدا أنه تطويق لإسرائيل، كان في واقع الأمر رغبة في دفع مصر إلى تلك الحرب، بجانب سياسات داخلية مصرية لا ترقى لمستوى الحدث على الصعيدين السياسي والعسكري، وصراع سلطة محتدم بين ناصر وعبد الحكيم ورغبة جادة في تخلص كلا الطرفين من الآخر، وهو ما سهل المهمة على كل الأطراف الدولية في إلحاق هزيمة نكراء بالجيوش العربية نعاني من آثارها الى يومنا هذا.

بداية الفتور وتغيير السياسات المصرية من 1967 الى 1973 بعد وفاة عبد الناصر.

بهزيمة 67، بدأت مرحلة جديدة من الوعي المصري، حيث أدرك عبد الناصر أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي قد اتفقا على حق اسرائيل في الوجود. ما كان عليه إلا المناورة وممارسة الضغط على الجانب السوفيتي لإحداث نقله نوعية في الإمدادات العسكرية وهو ما أنجز بالفعل. بالإضافة إلى وصول ما أطلق عليه “قوات صديقة”، عن طريق زيادة أعداد الخبراء السوفييت في مصر والذي كان يعتبر أول مشاركة لجنود سوفييت خارج أرضهم منذ الحرب العالمية الثانية إلى دولة صديقة، القرار الذي اتخذ بصعوبة بالغة من الجانب السوفييتي خاصة أنهم لا يريدون التدخل في الصراع بشكل علني.

لكن الوجود السوفيتي ساهم في تحريك المشهد المتعسر وتقديم الولايات المتحدة مبادرة روجرز للحد من الوجود السوفيتي، والتي أعلنت مصر قبولها واستغلالها في بناء حائط الصواريخ، بجانب إرسال رسالة للعالم بنبرة مختلفة عن السابق، من أن مصر تسعى للحل السلمي على العكس تماما من خطابات ناصر الاستعراضية. لقد حرصت الدبلوماسية المصرية على السير في الاتجاهين العسكري والدبلوماسي وتعلمت مما لحق بها في نكسة 67 دون أن توصد أيا من الأبواب الممكنة للوصول لمعالجة الاثار الكارثية لتلك الفترة.

لكن القدر لم يمهل عبد الناصر، حيث أحدثت وفاته فراغا هائلا في السلطة وتبدلت معها الكثير من السياسات، خاصة علاقة مصر بالاتحاد السوفيتي والتي شهدت توترات كثيرة على مراحل متفرقة كان أبرزها ما عرف “بثورة التصحيح” عام 1971، وهو ما بدأ بسلسلة من الاستقالات لما عرف وقتها بمراكز القوى لإحداث فراغ دستوري، حيث أورد السادات عبارة الشهيرة “أرادوا باستقالتهم المفاجئة إحداث انهيار دستوري، فلم يصنعوا إلا زوبعة في فنجان”. بدأت حملة من الاعتقالات والاتهامات الواسعة، والتي شملت اتهام السفير الروسي بالاتصال بسامي شرف وعلى صبري والفريق محمد فوزي لتدبير انقلاب على السادات وطلب نقل السفير السوفيتي والذي قوبل بالرفض.

من ناحية أخرى، ولد تباطؤ الاتحاد السوفيتي في إمداد مصر بصفقات سلاح ردع جديدة وتفضيل الاتحاد السوفيتي الحل السياسي وبقاء الوضع على ما هو عليه، إلى تدعيم وجه النظر السياسية لدى السادات من عدم جدوى الدور السوفيتي في تلك المرحلة، وهو ما أفضى في النهاية إلى طرد الخبراء الروس عام 1972، والذين كان يبلغ عددهم 15 ألف.

شكل هذا الحدث منعطفا خطيرا وصدمة في مسار العلاقات المصرية السوفيتية وبداية تحول كبيرة، وه٬ر الذي فسره الجانب السوفيتي على أنه بداية مرحلة سرية للعلاقات المصرية مع الولايات المتحدة والمساومة على تواجد المستشارين السوفييت مقابل ضمانات أمريكية بالتدخل لحل الأزمة بصورة ترضى طرفي النزاع. وفسر من الجانب الإسرائيلي على عدم رغبة مصر دخول حرب في تلك الفترة. ورأت فيه الولايات المتحدة هدية مجانية بإخراج السوفييت من المنطقة وإظهار حسن النية من جانب السادات.

عندما سئل هنري كسنجر لماذا لم يقدم الأمريكان للسادات شيئا مقابل طرد الخبراء الروس، أجاب أن السياسية لا تعرف الأخلاق. لماذا علينا أن ندفع ثمنا مقابل شيء تم إنجازه؟

الجدير بالذكر أن إسراف السوفييت وترددهم في تقديم الدعم المباشر لمصر، ورغبتهم في الحل السياسي من ناحية وتقديم الولايات المتحدة الوعود بقدرتها على إنهاء الأزمة من ناحية أخرى، رجح كفة الولايات المتحدة لدى السلطة السياسية، وبدأت مرحلة جديدة ترى في الولايات المتحدة الشريك الأمثل.

بهذا، انتهى عمليا الدور السوفيتي رغم استمرار الدعم في فترة الحرب. إلا أن التنسيق الأمريكي لعب الدور الأهم والغالب على تلك المرحلة، خاصة بعد تحقيق نصر أكتوبر المجيد ودخول عملية السلام.

ختاما

نستطيع القول إن جزءا كبير من العلاقات الدولية قائم بالأساس على القدرة على خلق مساحات تتشابك فيها المصالح بشكل كبير وعلى متغيرات الظرف الإقليمي، وهو ما جعل من الاتحاد السوفيتي في حقبة معينة حليفا مهم لمصر، ثم تراجع هذا الدور بالرغم مما حققته مصر من مكاسب سياسية. لكن، مع ذلك، تم طي تلك الصفحة من العلاقات حينما وصلت لدرجة من الجمود بين الطرفين وظهر على الساحة دور جديد للقوى المغايرة تماما. لكنها وضعتنا أمام رؤية جادة لمعرفة حقبة من أهم الحقب التي شهدت الكثير من الفرص الضائعة والتحولات الكبرى.

 

* يارا خليل: باحثة في التاريخ والفكر الاسلامي 

المصادر

. جنود وجواسيس وحكّام طريق مصر إلى الثورة، جازم قنديل

. مع عبد الناصر والسادات سنوات الانتصار وأيام المحن، مذكرات مراد غالب

. مذكرات الجمسي، حرب أكتوبر 73

. https://youtu.be/uCRw-iR7pFg

 

مقالات قد تهمك:

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *