محمد أنور السادات… الخروج من منطقة الظل. تصفية تركة عبد الناصر 2/5 - Marayana - مرايانا
×
×

محمد أنور السادات… الخروج من منطقة الظل. تصفية تركة عبد الناصر 2/5

ما لبث السادات أن تحوّل من المشي في ظل عبد الناصر إلى الخروج إلى بُقعة الضوء بعدما سجّل فوزًا كاسحًا بلغ 90.04 % من أصوات النّاخبين.
كان دعم مراكز القوى الناصرية، من الأسباب الرئيسية في هذه النتيجة للسادات المغمور وقتها، بعدما تعهد بالسّير على مبادئ عبد الناصر ونهجه في الحكم. لكن السادات سُرعان ما انقلب على هذا الأمر واتخذ قراره على الفور بالتصفية السياسية لكافة مراكز القوى بعدما أحسّ بالخطر الدّاهم يقترب منه شيئا فشيئا.

أحمد المهداوي، باحث في مجال الدراسات الإسلامية

تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف، كيف ظل محمد أنور السادات، بعيدا عن دائرة صراعات السلطة ومؤامراتها، وكيف كان طريقه نحو رئاسة مصر، مفاجئا للكثيرين…

تعيين رجل الظل رئيسا للجمهورية، لم تكن المفاجأة الوحيدة في مسار السادات. انقلابه على مراكز القوى وتصفية الإرث الإيديولوجي لعبد الناصر، كان أكبر مفاجآت السادات، وهذا ما نتابعه في هذا الجزء الثاني.

نحى محمد أنور السادات في سياسته منحى مغايرا عن سياسة سلفه جمال عبد الناصر، في محاولةٍ منه خلال قصة صعوده الدرامية لإثبات الذات “السّاداتية”، والخروج من منطقة الظّل. تجلّى ذلك في المسار الذي اتخذه الرجل لنفسه مع أولى بدايات عهده، فإن كان عبد الناصر تبنى القومية العربية، وانتهج الأيديولوجية الإشتراكية، محاولا أن يخطب ودِّ الإتحاد السوفياتي، فعلى العكس من ذلك تماما، شقّ السادات لنفسه طريقا آخر، تبدّت ملامحه عند تقويضه للقومية العربية والتقوقع على الذّات المصرية واللّعب بورقة الدّين في خطوةٍ منه لضرب باقي الفرقاء من النّاصريين واليسار.

قطع دابر النظام الموازي الذي كان يجثم على صدره، ويكبّل يديه، وخلُص له الأمر، وفرغت أمامه السّاحة، وأحس عندئذ بأن عصره قد بدأ على الحقيقة؛ مما مكّنه من البدء في حياكة صياغات جديدة للحياة في مصر، كانت بمثابة هجمة أيديولوجية على مبادئ جمال عبد الناصر السياسية والاجتماعية.

رافق ذلك سعي حثيث إلى الخروج من عباءة الاتحاد السوفياتي والارتماء في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية، والوقوفِ عند أعتاب الرأسمالية؛ في محاولةٍ لطمس معالم “العهد الناصري” وتسويق “الحقبة الساداتية” بما تحملُ من ملمحٍ خاصٍّ بها إبّان السبعينات من القرن الماضي.

بناءً على ذلك، التجأ محمد أنور السادات خلال تولّيه مسؤولية رئاسة مصر إلى ما عُرف بـ “ثورة التصحيح”.

ولأن المصطلحات ذات أثرٍ في نفسية المجتمع، استعمل السادات مصطلح “ثورة” كمصطلح سياسي متداول، وذلك لما يحمله من معاني تحيل على التغيير المبني على الخروج عن الوضع القائم، وإن لم يكن الأمر في حقيقته سوى تصفية حسابات، وتثبيتا للذات على رأس هرم السّلطة، والتخلص من كل المنافسين المحتملين على الإرث النّاصري.

اقرأ أيضا: كتائب الفنية العسكرية. الانقلاب الفاشل ضد السادات 2/2

لم يكن لأنور السادات من بُدٍّ سوى التخلص من أساطين (النظام الموازي) الذين خلّفتهم حقبة عبد الناصر أو ما يسمى (مراكز القوى) لأجل تأمين أركان حكمه، وصدّ العدوان السياسي الذي يهدّده بين الفينة والأخرى. في خطاب ثورة التصحيح لسنة 1971، أطلق السادات رسالة واضحة الملامح ذات عناوين بارزة ميّزت الخطاب التاريخي الذي ألقاه وقتها أمام مرأى ومسمع من الجميع، وأعلن فيه عمّن أطلق عليهم “مراكز القوى”، وسرد تفاصيل المؤامرة التى حيكت ضده، ومحاولة الوزراء الذين تقدّموا باستقالات جماعية بُغية إحداث فراغ سياسي/دستوري في البلاد، وكذا قيام أعوانهم بالتجسس عليه لإحراجه والتّطاول عليه، مقدّما بذلك مصوّغات إقدامه على إلقاء القبض عليهم داخل مبنى الإذاعة والتليفزيون.

مما جاء في خطابه حينئذ: […إحقاقاً للحق ولمسؤوليتي التاريخية وللأمة، لن أفرط في المسؤولية. إطلاقاً. لن أسمح بقيام أي مركز من مراكز القوى مهما كانت مكانته ومهما كانت قوته…].

هذه الكلمات شكّلت إعلانا عن نجاح السادات في تنفيذ عملية خلخلة قاتلة لبقايا أركان الحكم الناصري. بهذا تمّ له ما أراد، واستقوى بالشّعب فقطع دابر النظام الموازي الذي كان يجثم على صدره، ويكبّل يديه، وخلُص له الأمر، وفرغت أمامه السّاحة، وأحس عندئذ بأن عصره قد بدأ على الحقيقة؛ مما مكّنه من البدء في حياكة صياغات جديدة للحياة في مصر، كانت بمثابة هجمة أيديولوجية على مبادئ جمال عبد الناصر السياسية والاجتماعية.

بدا واضحًا من البداية أن رجال “النظام الموازي” يريدون الإجهاز عليه والحد من سلطته نهائيا، بحيث لا يستطيع اتخاذ أي قرار دون موافقتهم؛ مما جعله خلال “المسار التصحيحي” الذي انتهجه يقذف بـ”مراكز القوى” في يمّ النسيان حتىّ تتسنّى له فرصة بناء دولة على مقاس رؤيته وِفق نظرية “لكلّ عهدٍ رجالاته”.

بالعودة إلى بدايات السادات، من الملاحظ أن الرّجل لم يكن يتمتع بمركز ثقل، ولم يكن ذا مكانة سيادية داخل تنظيم الضباط الأحرار كما تابعنا في الجزء الأول؛ إذ دائما ما كان يبدو إعلامياً وجماهيرياً في الصفوف الخلفية لقيادات مجلس الثورة. حتّى بعد توليه منصب نائب الرئيس، لم يكن يتمتّع بحضور وازنٍ لافت للنظر كشأن أصحاب الأدوار الثانية والثالثة أمثال عبد الحكيم عامر، القائد العام للقوات المسلحة، وصلاح نصر رئيس المخابرات، وعلي صبري، رئيس الاتحاد الاشتراكي، وشمس بدران وزير الحربية، وزكريا محيي الدين، أحد أبرز الضّباط الأحرار، ورجل الناصرية القوي. هؤلاء هم الذين نالوا العلامة الكاملة، وسُلطت الأضواء على تحركاتهم بجانب عبد الناصر طوال مدة حكمه، في حين ظلّ السادات طوال تلك الفترة “رجل الظّل” القابع على الحافّة.

اقرأ أيضا: التنظيم السري للإخوان المسلمين: مرايانا، مع ثلاث باحثين جامعيين من تونس، ينبش في أسرار وخبايا التنظيم

لكنّ السادات ما لبث أن تحوّل من المشي في ظل عبد الناصر إلى الخروج إلى بُقعة الضوء بعدما سجّل فوزًا كاسحًا بلغ 90.04 % من أصوات النّاخبين، وقد كان دعم مراكز القوى الناصرية، من الأسباب الرئيسية في هذه النتيجة للسادات المغمور وقتها، بعدما تعهد هذا الأخير بالسّير على مبادئ عبد الناصر ونهجه في الحكم. لكن السادات سُرعان ما انقلب على هذا الأمر واتخذ قراره على الفور بالتصفية السياسية لكافة مراكز القوى بعدما أحسّ بالخطر الدّاهم يقترب منه شيئا فشيئا.

شعر السادات بأن تلك القوى تطوّقه من كل جانب، وأنّها تخطط للإيقاع به، فعلِم عندئذ أنه لن يكون قادرا على بسط رؤيته السياسية “الذاتية” عل أرض الواقع إلا بالتّخلص منها؛ إذ بدا واضحًا من البداية أن رجال “النظام الموازي” يريدون الإجهاز عليه والحد من سلطته نهائيا، بحيث لا يستطيع اتخاذ أي قرار دون موافقتهم؛ مما جعله خلال “المسار التصحيحي” الذي انتهجه يقذف بـ”مراكز القوى” في يمّ النسيان حتىّ تتسنّى له فرصة بناء دولة على مقاس رؤيته وِفق نظرية “لكلّ عهدٍ رجالاته”.

 

لقراءة الجزء الأول: محمد أنور السادات… “رجل الظل” الذي صار رئيسا

لقراءة الجزء الثالث: محمد أنور السادات. استخدام الإسلام السياسي لتحجيم اليسار …. أخطاء “الرئيس المؤمن!”. 5/3

لقراءة الجزء الرابع: محمد أنور السادات… الخطاب الأخير. حين وقع “الرئيس المؤمن” قرار اغتياله! 4/5

لقراءة الجزء الخامس: محمد أنور السادات… في الطريق نحو منصة الاغتيال. حين ينقلب الوحش على مروضه. 5/5

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *