نظرية المؤامرة: كأن علة وجود الغرب: تدمير العرب والمسلمين
تاريخ دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ظل، في الكثير من فتراته، ميالا لهذا النوع من النظريات. ما من حدث مفصلي إلا وصنعته وخلفته، في الغالب، المؤامرة. إنها المسؤولة عن التشرذم والتفرق إلى شيع ومذاهب وأحزاب.
هكذا ينظر العقل العربي إلى كل الأحداث من حوله. وكأن علة وجود الغرب: تدمير العرب والمسلمين.
مع الإعلان عن انتشار فيروس كورونا في دُول العالم، أطل علينا اسمان، يفترض أنهما يقفان على طرفي النقيض إيديولوجيا، ليقدما “فتوى” في فرضية أسباب ظهور الفيروس.
يتعلق الأمر بكُل من المُرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، والأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب…
خامنئي قال إن “أمريكا أنتجت فيروسات خاصة بالجينات الإيرانية“… وقال أيضا: “تنشر أمريكا مرض الفيروس لتغيير جينات الشعب الإيراني والتجسس عليه“.
أما نبيلة منيب، فقد ذهبت، بكل بساطة، إلى أن فيروس كورونا… مؤامرة إمبريالية أمريكية.
أضف إلى ذلك أن:
– إغلاق كل دور العبادة في العالم، بما في ذلك المساجد: مؤامرة من أجل هدم الإسلام.
– وجود الحَركات المُتطرفة: مؤامرة غربية لتشويه صورة الإسلام.
إنها نظرية المؤامرة، الشماعة التي تُعلق عليها كل الأحداث الدراماتيكية التي تتسم بالتعقيد، سواء كانت طبيعية، علمية، أو اجتماعية، مع أنها لا علاقة لها بالمفهوم العلمي للنظرية، ما دامت النظرية تستوجب إثباتا علميا وتفسيرات منطقية.
هي ببساطة… الحل السحري السريع في عصر الهزيمة والانتكاسة التي نعيشها.
في مفهوم نظرية المؤامرة:
تشير نظرية المؤامرة إلى الشعور بأن كل الأحداث الكُبرى، التي تتسم بطابع من التعقيد، وراءها مؤامرة خفية. إنه مفهوم لمحاولة تفسير الأحداث، خصوصا التاريخية منها والسياسية.
نزوع شعبي أو سلطوي قوامه: كل حدث مأساوي يحمل طابعا تآمريا تم تحضيره بسرية، غايته بسطُ السيطرة، والتحكم في العالم.
قد تكون نظرية المؤامرة موجودة حقيقة بشكل من الأشكال، في ظل تضارب المصالح السياسية والبحث عن الهيمنة والسيطرة. غير أن هذه النظرية ليست السبب في نهوض أمة وانحدار أخرى. إن هذا القول يغيب بشكل تام الدوافع والعوامل الذاتية. ليست المؤامرة المزعومة، هي التي تحول دون تقدم الدول العربية والإسلامية، وإنما غياب مقومات النهوض لدى الغالبية العظمى من شعوب المنطقة.
“تُنتج نظريات المؤامرة في أغلب الحالات افتراضات تتناقض مع الفهم التاريخي السائد للحقائق البسيطة”.[1]
“المفهوم لا يتماشى مع النمط المؤسسي العام والمتداول، بل يعزز فكرة وجود بقع عمياء في تفسير الأحداث غير القابلة للتفسير”.[2]
لكن لماذا يرى المتآمرون التاريخ بهذا الشكل؟
تجيب الباحثة كلودي بات: “أحد التفسيرات يقتضي القول إن نظرية المؤامرة مفيدة لأنها تحمي من القلق. ففي عالم يعج بوسائل الإعلام المعقدة، ويخضع للايقين، فإن عالم المؤامرة يتسم بالبساطة“.[3]
يستند هذا النمط من التفكير إلى أربعة مبادئ أساسية يتفق حولها الباحثون:
– لا شيء يحدث مصادفة. (إذا مات شخص مشهور في حادث ما، فإن هذا الحادث قد تم تحضيره أو التخطيط له).
– كل ما يقع هو نتيجة لإرادة خفية.
– لا شيء كما يبدو في ظاهره.
– كل شيء مترابط، لكن بشكل غامض وسري“.[4]
عقلية المؤامرة عند العرب:
أصبح مصطلح المؤامرة جزءً لا يتجزأ من المنظومة الفكرية والعقائدية في أغلب دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لم ينشأ هذا المُصطلح اعتباطا، إنما تحكُمه سياقات تاريخية، ترتبط بشكل أساسي بسقوط دول المنطقة تحت الإستعمار؛ ومن بعدُ، النظرة إلى الأنظمة التي تأسست بعد الاستقلال، على أنها أنظمة شمولية استبدادية… ليجدَ الفكرُ التآمري الأرضية الخصبة للترسخ في ذهن عدد كبير من مواطني هذه البلدان.
ترسيخ مثل هذه التصورات يكشف عن نمط من الإفقار الثقافي والتجهيل المستشري في البيئة المُجتمعية. يوطد هذا الفكر، تلك النظرة المجتمعية لـ الغرب على أنه مُجتمع يتآمر ضد الأمة الإسلامية، ويمنع أبناءها من التقدم والازدهار.
كما تغذي هذه النظرة، طبيعةُ الأنظمة السياسية في المنطقة، والتي ارتبطت في التصور العام بالتواطؤ والعمالة لنظرائها في الغرب.
على اعتبار أن الإسلام هو أفضل دين، والعرب خير أمة أخرجت للناس، وأن العالم يهابها ويخشى نهوضها… لذلك، فهو يعمل على محاربتها ليل نهار.
” جرى الترويج للموقف العدائي من الغرب – عموما – دون تفريق في المواقف والأشخاص والسياسات. بشر لهذا لمدة طويلة، أتباع ما يُمكن أن يُسمى بالإسلام الحركي، الذي نظر إلى الآخر – دون استثناء – بما فيهم بعض المُسلمين، من زاوية منطلقاته الفكرية”.[5]
يرى علماء النفس أن عقلية التآمر مرض نفسي، يرتبط بمرض البارانويا أو “الذهان النفسي”.
إنه جنون الارتياب، نمط من التفكير ينجُم عنه فقدان الثقة بالآخرين والريبة منهم، والشعور بأن الكل يتآمر عليك.
“لن تستطيع أن تُقنع أصحاب فكرة المؤامرة بالحقائق، حتى لو حملت لهم الأرقام والوثائق. فالفكرة ليست بالمؤامرة وحدها، بل بالتصور الذي يقوم عليه العالم كله لدى هؤلاء.
عند أصحاب نظرية المؤامرة على الإسلام والمُسلمين، فإن العالم قائم على مسلمين في حالة وردية في الماضي، وضحية مضطهدة في الحاضر، وكفارا يتآمرون على الإسلام ليلا ونهار”.[6]
في كتابه “سيكولوجية الإنسان المقهور“، تطرق مُصطفى حجازي إلى مفهوم القدرية، كنوع من الإستكانة، وباعتباره هروبا من المساءلة الذاتية، عندما يفلت المصير كليا من السيطرة، ويستشري الحرمانُ والتخلف.
نظرية المؤامرة… الشماعة التي تُعلق عليها كل الأحداث الدراماتيكية التي تتسم بالتعقيد، سواء كانت طبيعية، علمية، أو اجتماعية، مع أنها لا علاقة لها بالمفهوم العلمي للنظرية، ما دامت النظرية تستوجب إثباتا علميا وتفسيرات منطقية. هي ببساطة… الحل السحري السريع في عصر الهزيمة والانتكاسة التي نعيشها.
من هذه الزاوية يمكن النظر إلى “نظرية المؤامرة”، إذ تساعد الناس على استيعاب الأحداث التي تقعُ في العالم، حين يشعر المرءُ بفقدان السيطرة على الحياة، أو بالعجز عن حماية احتياجاتهم المعرضة للتهديد.
ترى الباحثة في علم الاجتماع مرية شطبي أن “مفهوم نظرية المؤامرة هو بحد ذاته مُؤامرة، كونها أكبر مؤامرة في الخطاب السياسي والمُجتمعي وللإيديولوجيا عامة، باعتبارها تنظيرا لعالم خفي، في حين أن هذه الخطابات هي التي رَوجت وأسست لهذا المفهوم”.
وتُضيف الباحثة: “إن ربط الأحداث والتغيرات والتوقعات المجتمعية، على أنها تدبير فاعل، ترتبط بشكل أساس في مدى ثقة الشعب أو المواطن في النسق الاجتماعي والسياسي الذي يعيش فيه، بمعنى أن هناك دائما شكا وارتيابا ووهما يُلازم المواطن في ظل وجود أية أحداث اجتماعية، وفق منظورين سوسيولوجي وبسيكولوجي نفسي”.
رُغم اختلاف المرجعيات الثقافية الفكرية والسياسية والاجتماعية، فإن مُصطلح المؤامرة يحيل على أمر واحد: تغييب العقلِ وطمس التفكير والتعامل مع الحوادث على أن وراءها عالما خفيا، ما زالت معالمه مجهولة، يتحكم في حركة الشعوب، بل وفي الظواهر الطبيعية أيضا.
في هذا الصدد، ترى الباحثة بجامعة واشنطن نيكا كبيري أن “الجميع قد ينجذب إلى نظريات المؤامرة؛ لأننا جميعا نكره عدم اليقين، ولا نحب فكرة عدم معرفة سبب حدوث الأشياء“.
تاريخ دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ظل، في الكثير من فتراته، ميالا لهذا النوع من النظريات. ما من حدث مفصلي إلا وصنعته وخلفته، في الغالب، المؤامرة. إنها المسؤولة عن التشرذم والتفرق إلى شيع ومذاهب وأحزاب.
هكذا ينظر العقل العربي إلى كل الأحداث من حوله. وكأن علة وجود الغرب: تدمير العرب والمسلمين.
قد تكون نظرية المؤامرة موجودة حقيقة بشكل من الأشكال، في ظل تضارب المصالح السياسية والبحث عن الهيمنة والسيطرة. غير أن هذه النظرية ليست السبب في نهوض أمة وانحدار أخرى. إن هذا القول يغيب بشكل تام الدوافع والعوامل الذاتية.
ليست المؤامرة المزعومة، هي التي تحول دون تقدم الدول العربية والإسلامية، وإنما غياب مقومات النهوض لدى الغالبية العظمى من شعوب المنطقة.
إن تعلم مبادئ النقد العقلاني، بعيدا عن الإرتماء في أحضان الأوهام التقليدانية، كفيل بضمان الانفلات من فخ دعاة المؤامرات الوهمية، حتى نكنس من أذهاننا عقلية التآمر وعقدة الاضطهاد.
[1] – جون آيتو، مصطلحات القرن العشرين. مطبعة جامعة أكسفورد 1999.
[2] – علي بن إبراهيم النملة: هاجس المؤامرة في الفكر العربي بين التهوين والتهويل، ط1 2009.
[3] – كلودي بات: نظريات المؤامرة: هل كلها هذيان؟ مجلة الثقافة العالمية، عدد 176.
[4] – المرجع نفسه.
[5] – علي بن إبراهيم النملة: هاجس المؤامرة في الفكر العربي بين التهوين والتهويل، ط1 2009.
[6] – مالك العثامنة: المؤامرة الكُبرى على الإسلام والمُسلمين.
مقالات قد تهمك
- “الإنسان المهدور” عند مصطفى حجازي: هدر الفكر والثّروة وطاقات الشّباب 1/3
- “الإنسان المقهور” عند مصطفى حجازي: مُجابهة التّغيير من الدّاخل 2/3
- المرأة عند مصطفى حجازي.. عنوانُ القهر والاستلاب في المجتمعات العربية المتخلفة! 3/3
- من نقد التراث إلى نقد العقل، كيف أسس الجابري لنقد العقل العربي 1/3
- من نقد التراث إلى نقد العقل، الجابري يوثق لـ “استقالة العقل العربي” 2/3
- من نقد التراث إلى نقد العقل: الجابري يفكك عقل الغنيمة، القبيلة وشرعنة الاستبداد 3/3
- حين ترى العدو في كل مكان: المؤامرة… النظرية الأعجوبة!
- من اليمن، حسين الوادعي يكتب: لماذا يؤمنون بنظرية المؤامرة؟
- كوثر بوبكار، من أبرز الباحثين في ميدان النانوتيكنولوجيا في العالم، تكتب: ما بعد الحقيقة…