المرأة عند مصطفى حجازي.. عنوانُ القهر والاستلاب في المجتمعات العربية المتخلفة! 3/3 - Marayana - مرايانا
×
×

المرأة عند مصطفى حجازي.. عنوانُ القهر والاستلاب في المجتمعات العربية المتخلفة! 3/3

عندما تكبرُ هذه المرأة وتنضجُ، تنتقلُ من خدمة الأب إلى خدمة الزوج، فتبقى في دائرة ذكورية، تجعل من مصيرها أمرا راكدا لا يتغير منه شيء ، سوى أن همومها تزداد بالقدر الذي يزداد به منسوب استنزاف طاقتها وصحتها في ولادات متتابعة تؤدي بها إلى الشيخوخة في أوج الشّباب…

بعد أن رصدنا في الجُزأين الأول والثاني من هذا الملف، ألوان الهدرِ الإنسَانيّ والقهر الاجتماعي وأثرهما المُجهض للتغيير والتنمية، من الخارج (الاستبداد، العصبيات، الأصوليات)، أو من الدّاخل (عُقد الإنسان المقهور؛ عقدة النقص، العار…).

في هذا الجزء الثالث، نتابعُ كيف يمكن أن تكون مكانةُ المرأة في مجتمعات متخلّفة.

المرأة، حسب حجازي، هي أفصحُ الأمثلة على وضعية القهر بكلّ أوجهها وديناميتها ودفاعاتها في المجتمع المتخلّف، وفي وضعيتها تجتمعُ كلّ تناقضات ذلك المجتمع.

“يشكو الرجلُ من تزمت المرأة، ولكنه يتهرب منها ويخشاها إن هي تجرأت على التعبير عن جسدها”

أيضاً، تجتمعُ في شخصية المرأة، أو بالأحرى في النّظرة إليها، أقصى حالات التجاذب الوجداني، فهي “أكثرُ العناصر الاجتماعية تعرضاً للتبخيس في قيمتها على جميع الصّعد: الجنس، الجسد، الفكر، الإنتاج، المكانة”…

الاستلابُ الاقتصادي… الظُلم الفاحش!

أشكالُ التحكم بالمرأة اقتصادياً معروفةٌ. لكن أخطرها والأكثرُ جوراً، حسب حجازي، هو تجاهلُ تقويم الجهد المنزلي الذي يكادُ يعتبرُ مجانياً، أو كجزء من مهمات المرأة “الطبيعية”، التي لا تدخلُ في نطاق التكوين. [1]

هكذا، فالمرأة “العاملةُ في الخارج تعودُ إلى منزلها كي تعمل عدداً موازياً من السّاعات، دون مقابل في تدبير شؤون المنزل والعناية بالأولاد، بينما ينصرفُ الرجلُ إلى مُتعه ولهوه في المنزل وخارجه.”

أمام هذا الوضع غير المتكافئ، تجد المرأةُ نفسها تقومُ بجهد مزدوج كي تحصل على مقابل أقل.

إلى اليوم، لازال هذا الوضع قائماً. لكنه يبلغ منتهاه في استغلال المرأة في الأرياف والمناطق القروية، إذ لا يكتفي بتبخيس إنسانيتها ورهنها بالرجل تماماً، بل تستغلّ الأسرة جُهدها لدرجة الاستنزاف الكُلي. [2]

فالمرأةُ تدفع إلى أحد البيوت الصغيرة، كي “تعمل كخادم تتعرّض لقسوة أسيادها وجورهم، ولاستغلال والدها الذي يقبض كل الأجر، كي يبقى عاطلاً عن العمل يعيش بشكل طفيلي على جهد بناته وزوجته أو زوجاته تماماً كما هو شأن المتسلط المستغل”. [3]

عندما تكبرُ هذه المرأة وتنضجُ، تنتقلُ من خدمة الأب إلى خدمة الزوج، فتبقى في دائرة ذكورية، تجعل من مصيرها أمرا راكدا لا يتغير منه شيء ، سوى أن همومها تزداد بالقدر الذي يزداد به منسوب استنزاف طاقتها وصحتها في ولادات متتابعة تؤدي بها إلى الشيخوخة في أوج الشّباب، يقول حجازي.

تبقى المرأة، إذن، في محيط محفوف بالاستغلال والمزيد من الاستغلال، فبمجرد أن تشيخ أو يفقد جسدها الطاقة، يلجأ الزوج إلى تطليقها أو اللجوء إلى التعددية الزوجية، التي يدعمها التراث.

فيما بعد، يتهمها بالبرود الجنسي ويلقي اللوم عليها لأنها لا تمتعه بما يكفي، وكأن دورها موجود لغرائزه وحده

الغريبُ، كما يرى حجازي، أنها تعيشُ “راضية”… فلا خيار لها، طالما ظل فيها رمقٌ من الحيوية والشباب…

لكن المأساة هي “في بروز قلق الطّلاق أو الهجر حين تتقدّم بها السن. قلقٌ لا تجد لهُ من علاج سوى المزيد من الرضوخ لما يفرضُ عليها من عبودية، علّها تثيرُ بعض رضا سيدها الذي يقضي أيامه في الثرثرة والكسل وشرب الشاي… ذلك هو أفصحُ نموذج على القهر الذي يقعُ عليها!” [4]

يتضحُ في هذا السياق أنّ… الثقافة العربية في أصلها تقومُ على سردية أن المرأة خُلقت من جسد الرجل، وهي تحت سطوته وحكمه ووُجِدت لخدمته أبد الدّهر. صورةٌ تتضمّن قدراً من الحيف والاستغلال، حاولت شتى الأصوات العقلانية والحداثية في العالم أن تستأصلها من جذورها… من التراث. لكن… لا زالت هذه الحربُ على الرجعية على ما يبدو مستمرّة لأنّ الاستغلالُ لازال مستمراً… بالفعل!

الاستلاب الجنسي… ظُلم النّشوة!

يعتقدُ الرجلُ المقهور أنّهُ يمتلكُ جسد المرأة، أي أنّه يمتلكها بعد اختزال كيانها ضمن حدود جسمها في أغلب الأحيان، لا من خلال رضى وتوافق متبادلين، بل من خلال قوة القانون. العلاقة حقوقية قبل أن تكون عاطفية، يقولُ الكاتب.

لكن حقوقيةُ العلاقة لا تتركُ للمرأة أي حقّ تقريباً، بينما تقدمُ للرجل كل الحقوق ما يدفع به إلى الأنانية، “حتى في المتعة، إذ إنّه لا يراعي حاجاتها ووثيرة المتعة عندها… والجماع يتحول أحياناً إلى فعل سيادة للرجل على جسد المرأة من خلال إثبات القوة القضيبية، في العلاقة الجنسية المتخلفة المتسمة بالقهر، بدل أن يكون وسيلةً للمتعة المتبادلة” [5]

هذا الوضع، حسب حجازي، يوقع المرأة في مأزق وفي حالة تناقض مذهل، بين اختزال كيانها في مجرد جسد جنسي (تضخيم أهمية الجنس)، والقمع المفرط الذي يفرض على هذا الجسد وعلى إمكاناته التعبيرية.

يزدادُ المأزقُ حدّة و”التناقضُ عنفاً نظراً لموقف الرجل الذي تتجاذبه المرأة، فهو ينجذبُ نحو الجسد الذي يضج بالحياة والجاذبية، ويتمتع بقدر من التعبير. لكنّهُ لا يتحمل مسؤولية نتائجها، تقعُ المسؤولية على المرأة، ويقع الغرم كلّهُ عليها.” [6]

في كل الأحوال، إن أصاب الرّجل حظاً في محاولاته التي لا تخلو من تغرير وخداع، يزدري المرأة ليتزوج غيرها، وغيرها… امرأة ربما قد صدّه جسدها، وفق تعبير مصطفى حجازي.

بيد أنّه، فيما بعد، يتهمها بالبرود الجنسي ويلقي اللوم عليها لأنها لا تمتعه بما يكفي، وكأن دورها موجود لغرائزه وحده، وقد يستغلّ القانون للانفصال عنها… هكذا، تتحوّل المرأة إلى ضحية للقمع والتسلط مرتين. [7]

فهي… ضحية قمع الحيوية في جسدها، وضحية نتائج هذا القمع بعد الزّواج، وما قد يعقبهُ من انفصال، وقد “يشكو الرجلُ من تزمت المرأة، ولكنه يتهرب منها ويخشاها إن هي تجرأت على التعبير عن جسدها”. [8]

تلك، عملياً، كما يقول حجازي، مأساةُ علاقة التسلط والقهر التي تخضعُ لها المرأة من خلال الاستلاب الجنسي.

في الأخير، لا يقلّ الاستلاب الاقتصادي والجنسي خطورة على العقائدي، حين تقتنعُ المرأة بدونيتها تجاه الرجل، بل وتعتقد جازمةً بتفوقه، وبالتالي سيطرته عليها وتبعيتها له. [9]

الغريبُ، كما يرى حجازي، أنها تعيشُ “راضية”… فلا خيار لها، طالما ظل فيها رمقٌ من الحيوية والشباب…

الأمر هنا نابع من الوصاية التي تحيطُ بها الثقافة “الأبوية” العربية المرأةَ وجسدها وأعضاءها التناسلية. هذا يفجّر أهمية غشاء البكارة في أذهان شباب اليوم، وكأن القيم التقليدانية قوية ومتماسكة يتناقلها جيل بعد جيل، والمتسّلط هو المستفيد الأكبر في هذه الحلقة.

الإشكالُ الذي نخلصُ إليه مع حجازي في هذا الملف، أن هدر الإنسان وكرامتهُ وقهر الأفراد بشكل هرمي، واستلاب حقوق المَرأة، تظل كلها أسئلة قائمة. نتحدّث عنها بكثير من “الحسرة”. ومن خلالها على استمرارية هذه الممارسات السّلطوية التي لازالت تعاني منها المنطقة “العربية الإسلامية”؛ رغم اعتماد صور الديمقراطية من الخارج، مقابل ضياع الإنسان… ضياع الرأسمال البشري، الأهم بكثير من الرأسمال الاقتصادي والرأسمال الرمزي، الذي يُصوّر لنا على أنّه… التراث.

[1] حجازي مصطفى، التخلف الاجتماعي، مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، المركز الثقافي العربي، الطبعة الخامسة 2005.

[2] نفسه.

[3] نفسه.

[4] نفسه.

[5] نفسه.

[6] نفسه

[7] نفسه.

[8] نفسه.

[9] نفسه.

اقرأ أيضاً:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *