الخرافةُ القاتلة… مأساةُ أن تكون طفلا “زوهريا” - Marayana - مرايانا
×
×

الخرافةُ القاتلة… مأساةُ أن تكون طفلا “زوهريا”

لماذا يتّجه البعض إلى الشّعوذة؟ الأصل في المأساة بحثٌ عن غنى بارد. أما المأساةُ، فأنه في القرن الـ21م، لا يزال هناك من يعتقد بوجود كنوز مخبوءة تحت الأرض يتكلّف الجن بحراستها.

بعضُ الخرافات لا تضر أحداً… أنْ تعتقد مثلا بتسبّب اكتمال القمر في حدوث أشياء سيّئة لن يمسّ أحدهم بسوء.

ليتَ الأمر توقّف هناك… فخرافاتٌ أخرى تشرع الباب على مآسٍ مُروّعة!

من ذلك أنْ تولد في هذه البُقعة من الكرة الأرضية، وأن تكون “زوهريا”؛ طفلا “محظوظا” في نظر البعض.

مواجهةُ الموتِ عند “الزوهري” تمرينٌ يوميّ!

قد يَخرج ليلعب مع أقرانه “الغميضة”، وقد يحدثُ أن يشعرَ بأحدهم يُمسكه من ياقةَ قميصه، ثمّ حين يفتحُ عينيه، يعرفُ أنّه قد اختُطِف.

ما ذنبه؟ أنّه وُلد بعلامات مُميّزة، لا تُشبه تلك التي تسم أجساد أقرانه.

تلك كانت، مثلا، حكايةُ نعيمة. الطفلةُ التي اختفت لأكثر من شهر في إقليم زاكورة، لتُوجد في أواخر شتنبر 2020… جُثّةً هامدة!

نعيمة لم تكن الأولى… ولن تكون آخر الضحايا. فمآسي هذه الخرافة، أكثر من أن تُحصى.

الاختلاف الخِلقي

حين يُولد المرء، في حظّ بشرته تدرّجُ ألوانٍ يمتدّ من الأبيض إلى الأسود. وإحدى مزايا الإنسان أنّه يولد في صور مختلفة… لا أحد يُشبه تماماً كاتب هذا المقال مثلا.

لكنْ في الطّبيعة ما ندرَ. أنْ تملكَ عينين خضراوين يعني أنّك من بين 2 إلى 4 بالمائة ممن يملكون عيونا خضراء.

مع ذلك، تظلّ عيونا ليس إلّا. وُجدتْ أساساً لتَرى. ولهواةِ الجمال رأيٌ آخر.

بلغت الجهالة بهؤلاء حد الاعتقاد بأنّ “الزوهري” ابن الجن في الأصل! لم يُبسمل أبوه وأمه أثناء الممارسة الجنسية! فلا يخافُ من الجنّ، ولا يتأثّر بالسحر…

كذلكَ شأنُ خطوط راحة اليد. مُتنوّعة وأندرها الخطّ الواحد. بالمناسبة، بحثٌ سريعٌ في “غوغل” يحيل على خرافات كثيرة عنها… البعض يسمّيها “خطوط القدر”!

هذه الخطوط وُجدت ليتمكّن المرء من ثني يده. تساعدُ الجلدَ على التمدّد ومن ثمّ تحريك اليد بسلاسة.

الأصل أنْ توجد في الكفّ ثلاثة خطوط بارزة، وإن اقتصرت على واحدٍ فمعناه وجود مشكلة في النمو؛ أنّ لدى المرء إعاقة ما… مثل حالة نعيمة.

نسوق هذا الحديث للقول إنّ الإنسان يولد على هيئة مُوحّدة. وكل ما عداهُ، يُعبّر عن اختلاف (أو عيبٍ) خِلقي.

لكنّ للمشعوذين رأيا آخر!

“الزوهري” أو “الزّهري” من الزّهر بالعامية المغربية، أي الحظّ باللغة العربية. في بحثنا عن أصلٍ للمفردة العامية، وجدنا أنّها تعود إلى التركية العُثمانية. “زار” أي حظ.

يُمكن ترجيح هذه الفرضية إذا علمنا أنّ للزهر في اللغة العربية معنى مغاير. ويبدو أن المُفردة شقّت طريقها أيضا إلى لغات أخرى مثل الفرنسية (hasard) قبل أن تأخذ معنى مختلفا.

لكنْ، عند حديثنا عن “الزوهري”، تبرز فرضية أخرى. من كوكب الزّهرة (vénus).

الطفل “الزوهري”، في تعريف المشعوذين، يولد في يوم من “الأبراج الهوائية”؛ الدلو، الجوزاء والميزان. يعتقد هؤلاء أنّ كوكب الزهرة يكون طالعا أيامها.

لا غنى عن دَمِ “الزوهري” عند المشعوذين. يخدع الجن ممن يحرسون الكنز، أو يُستعمل في “أعمال سحر”.

أكلّ من وُلد في أشهُرِ الأبراج هذه “زوهري”؟ لا. ينبغي أن يتميّزَ باختلافات أو عيوب خِلقية عن غيره.

أنْ يكون في راحة يده اليُمنى خطّ واحد يستقيم عَرْضاً. وفي لسانه خط واحدٌ يمتدّ طولا في الوسط كحدّ يقسمه إلى نصفين.

يسكن عينيه بريقٌ مميّز. ويُمناهما حولاء إلى حدّ ما كأنّما تحرس العين اليسرى.

ورثوا عن كوكب الزهرة بياضَ الملامح، حسب ما يعتقده المشعوذون. حتى إنّ دمهم يكون أفتح لوناً من دماء غيرهم.

الحقيقةُ أنّ لونَ الدم يكون فاتحا في الشرايين لوجود الأكسجين، في حين يكون قانيا في الأوردة لاحتوائها على ثاني أكسيد الكربون. لا أكثر.

هؤلاء الأطفال عند المشعوذين… يزنون ذهباً!

الجهالة القاتلة

لماذا يتّجه البعض إلى الشّعوذة؟ الأصل في المأساة بحثٌ عن غنى بارد. أما المأساةُ، فأنه في القرن الـ21م، لا يزال هناك من يعتقد بوجود كنوز مخبوءة تحت الأرض يتكلّف الجن بحراستها.

… ومفتاحُ استخراجها بيد الطفل “الزوهري”!

لماذا الطفل بالذات؟ لأنه طاهرٌ بعدُ… لم تُدنّسه الحياة، يعتقد هؤلاء.

يعتقدون أنّه يُمكن لـ”الزوهري” أن يرى الجنّ. كنّا بالمناسبة قد أفردنا ملفا لرؤية الجن. تُرّهاتٌ علميا، وغيرُ متفق عليها فقهيا.

وليتهُ يرى وحسب. بلغت الجهالة بهؤلاء حد الاعتقاد بأنّ “الزوهري” ابن الجن في الأصل! لم يُبسمل أبوه وأمه أثناء الممارسة الجنسية!

مواجهةُ الموتِ عند “الزوهري” تمرينٌ يوميّ!

فلا يخافُ من الجنّ، ولا يتأثّر بالسحر… ودَمُه مبارك، وتلك آخر الطريق إلى المأساة.

لا غنى عن دَمِ “الزوهري” عند المشعوذين. يخدع الجن ممن يحرسون الكنز، أو يُستعمل في “أعمال سحر”.

يُقدّمه البعض هناك للجن كقربان، ودعنا نقول كرشوة، ويعتقد آخرون أنّ مُجرّد إهراق دمه عند أعتاب الكنز، يُحصنهم من أيّ مسّ! وأنّه يُمكنهم استخراجه بسهولة بعد ذلك.

أي كنز؟ مُجرّد أوهام. وفرضاً وجدوا شيئا، فلكل شيءٍ سببٌ، لو عُرف بطل العجب.

وحده الطفل يكون ضحيّةَ جهالة هؤلاء وغيرهم. فمن لم يمتهن التنقيب عن الأوهام، امتهنَ اختطاف “الزوهريين” ليبيعهم لهؤلاء بأثمان خيالية.

أفلا يردع القانون هذه الجرائم؟

الحقيقة، وقد تكون مُرّة أيضا، أنّ الخرافةُ لا تُردع بالتشريع وسنّ عقوبات، إنّما بالتعليم والتنوير…

وإلى ذلك، على الأب والأم أن يبقيا أعينهم على طفلهم “الزوهري” إلى أن يصير راشدا… وأن “تدنّسه الحياة”!

اقرأ أيضا:

تعليقات

  1. fati

    this not ok

  2. Mohammed

    صراحة ظاهرة خطيرة تهدد جميع فآت المجتمع وللاسف هذا الاخير ممتلئ بشكل رهيب ايضا بالمتشبتين العشوائين بالتقاليد
    لهذا اتفق تمام الإتفاق مع هذ المنظور المقدم تحت الخرافة القاتلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *