“تسليع” الجنس في الرواية المغربية المعاصرة: هل نحن أمام جُرأة مُرسملة؟ 2/3 - Marayana - مرايانا
×
×

“تسليع” الجنس في الرواية المغربية المعاصرة: هل نحن أمام جُرأة مُرسملة؟ 2/3

تابعنا في الجزء الأول نظرة نقاد وروائيين للجنس كشرط في الرواية المغربية المعاصرة، وبعض الأصوات التي تتعامل مع الأدب على نحو نكوصي وماضوي وتحاكمه أخلاقيا.
في هذا الجزء الثاني، نريد أن نسائل عمليّة استهداف الجنس لمجرد الاستهداف المجاني، والذي يبحث عن موطئ قدم في صدام مع ثقافة، تدعي أنها محافظة.

هنا، نقتفي أثر قول شائع مجتمعيًّا… قولٌ حول مدى استخدام الجنس “استفزازاً” لردّة فعل، داخل قاعدة اجتماعيّة أصوليّة، في عتادها ما يكفي من التّحريم والتكفير والاتهام بخدش الحياء العام والمسّ بالأخلاق، إلخ.

جرأة…”مفترى عليها”؟ 

هل يمكنُ القول إنّ الجنس له غاية تسويقيّة محضة في بعض الأعمال الروائية المغربية؟

يجيبنا محمد أمنصور، الروائي والناقد، أنه لم يعد ممكنا جعل الجنس مادة تسويقية لعمل روائي لأن الصورة السينمائية والآلة الفوتوغرافية ذهبا في هذا الاتجاه إلى أبعد حد ولم يتركا جانبا لم يسلطا الضوء عليه.

يضيفُ أمنصور في حديثه لمرايانا أنه، لو كانت لدينا رواية تجارية ناجحة لأمكن قول ذلك. لكن ما هو موجود من روايات، هي عبارة عن محاولات روائية هدفها الأول والأخير امتلاك شرعية الانتماء إلى جنس الرواية، أو تأسيس فعل روائي في المغرب. والخلاصة: لم نبلغ بعد بذخ التسويق، بينما فكرة الطّابو، التي يقال دائما إن هناك رغبة في كسرها، فهي تحتاج إلى مُراجعة وتدقِيق!

يعتبرُ عبد اللطيف محفوظ، الناقد والسيميائيّ، أنّ علينا أن نؤكد أنّ تشخيص اللحظات الحميمية بين الشريكين يكون ضروريًّا إذا كان رمزيا يجسد فكرة روحية تخدم دلالة الرواية، ويقتضي هذا التوظيف القدرة على امتلاك لغة رصينة وشفافة، تماثل لغة التّصوف أو تفوقها؛ بحيث تكون قادرة على الرقي بالتواصل الجسدي إلى تواصل روحي، يخلق دلالة مضافة تجعل الوصف الحسي متواريا خلف فائض المعاني.

هذا النوع يخلو من تسليع للجنس أو من النزعة الاستهلاكيّة الصرفة، لأن هذا التوظيف، وفق ما أبداه محفوظ لمرايانا، يغطي على البعد الحسي، ويجعله يتسامى ليصير تجسيدا لفكر يترجم التحقق المادي لفلسفة تقرن بين التّجارب الداخلية حول النشوة والرغبة، وبين الفكر الذي يتجسد في مسار وسلوك الشخصيات باعتبارهاحوامل دلالية وليست كائنات تحاكي الواقع وحسب.

من جهة أخرى، ترى الكاتبة والروائية سلمى الغزاوي أنّ كثيراً من الشّباب الرّوائيين اليوم، يعتقدُون أنّ الجنس والإغرَاق في مواضيع الجنس، لدرجة الإباحيّة، هو السّبيل الوحيد للانتِشار في فضاء يحتكِم للرّداءة والضّحالة والسطحيّة واللاّمعنى، وهو ما ينتج لنا، في النهاية، روايات خاليّة من كلّ عمق فكريّ وأدبيّ.

لكن، وفي نفس الوقت، ترى الغزاوي أنه، في أحيانٍ كثيرة، يجدُ الكاتبُ نفسه مطالبًا برسم صورة واضحة عن مشهد ما. مثلاً، حين تكون هناك حادثة اغتصاب متخيّلة، فالإيروتيكية، هنا، حاجة ملحّة لنقل المشهد، بفظاعته، للقارئ، ودفعه للتّعاطف مع الضحية المغتصبة وبالتالي التقزز من فعل الاغتصاب في مجمله.

كخلاصة، تجملُ الغزاوي تواصلها مع مرايانا معتبرةً أنّ هذا التّوظيف له بعد نبيل ورمزي، بغاية الدلالة على سلوك منبوذ ومرفوض. لو تصفّحنا بعضا من العناوين الصادرة اليوم، والتي تُواري زخمًا من الجنسانيّة بين صفحاتها، فربما لن نجد هذا التّوظيف الإنسانيّ، إن شئنا، بقدر ما قد نعثر على رغبة في الاصطِدام مع قيم ما، أي ما يصطلح عليه في عصرنا بـ”التّرند” أو “البُوز”. إنها رحلةُ تسليعِ الجنس ورسملته ليكون في خدمة التجارة، أكثر من التعبير عن مشاعر إنسانيّة طبيعيّة غارقة في المعيش اليومي.

من الجرأة إلى الإثارة الاستيهامية؟ 

السؤال الجوهري هنا هو: هل حضور الجنس في الإبداع الروائي ضرورة أو حاجة فنية، أم يؤتى به بغرض رفع مستوى الإثارة الاستيهامية على حساب الإثارة الجمالية للفكرة والسبك اللغوي للحكي والأحداث؟

في هذا الصدد، يقول محمد حجو، أستاذ السيميائيات وتحليل الخطاب في جامعة محمد الخامس بالرباط، إنّه لا شك أن للجنس أبعاداً وجودية وروحيّة في حياة الإنسان. بالتالي، لا نراه يختلف عن أي موضوع آخر، إذا تعلق الأمر بالتأليف والتوظيف الفني، فكل ما وجد مع الإنسان وفيه، فهو منه.

إنما الإشكال النقدي والفكري، وفق حجو، يكمنُ في اختلافِ المُنطلقات التي ننظر منها إلى العمل الفني، فالنظرة الأخلاقية المرتبطة بالدين قد تختلف عن النظرة الفنية الجمالية، وقد تلتقي مع الموقف السّياسي أو تختلف عنه، حسب طبيعة الأقطار والشّعوب.

لذلك، ما لم “يتم الفصل بينها والتّفصيل فيها، سيبقى الشنآن والتجاذب منهجًا لقراءة الإبداع، بدل تقييمه وتقويمه للإسهام في الرفع من نسبة الوعي بأهمية الحرية في بناء الشخصية والهوية العامة للأفراد داخل المجتمع. وعليه، فإن موضوع الجنس في الكتابة الروائيّة وما يحوم حوله من حديث نقديّ جاد، سيظلّ ذا قيمة فنية تستحضرها السّياقات الإبداعية، وبخاصة في الرّواية، باعتبارها فضاء مفتوحًا يسمح بالتعبير عن النفس البشرية وكشف خباياها”.

هذا ما سنجده لدى الأديب المثقف ذي المرجعية الفكرية الاجتماعية والنفسية، الواعي بمقتضيات نسج الحياة في الفن والحريص على بلورة الرؤى المعبرة عن انشغالات الناس والمجتمع الذي ينتمي إليه.

أما في ما يخص تحول أو تحويل موضوع الجنس إلى مجرّد “مادة تجارية”، فهذا ليس جديداً على الكون، إذ إن للبشر تاريخًا طويلاً في ذلك.

إذن، فليس غريبًا، حسب قول الباحثِ، أن تنتقل العدوى إلى المنتج الأدبي الروائي، أو أي منتج آخر، كما نراه في الاستيهامات الإشهارية التجارية أحيانا، على سبيل المثال. فنرى أدعياء الكتابة الأدبية بلا مقام، يرصفون الكلام السوقي في مادة التأليف، وينشئون رداءة مما كان يفترض أن يكون محفلا جماليا.

يخلصُ حجو أنّ هذا الغرق في الاستيهامات نقل بعض الأعمال من الفن إلى المتاجرة بالفن.

أمّا الناقد عبد اللطيف محفوظ، فهو لا ينفي ملاحظته أنّ الغالب في بعض الأعمال، هو توظيف الجنس بدون بعد جمالي ولا دلالي. ذلك ما يصدق على أغلب المقاطع المشخصة للمداعباتِ والمضاجعات في الروايات القليلة التي تحاكي ما يفترض أنه ممارس ومعروف من قبل المجموعة الاجتماعية التي تشكل طبقة القراء المفترضين.

لذلك، يقول محفوظ إنّ التشخيص يصيرُ مجرّد إثارة مجانيّة، تترجم عجزاً عن طرح الموضوع جماليًّا، نظراً، من جهة، لعسر ذلك، ومن جهة ثانية لتطلبه قدرة فكرية ومعرفية وجمالية عالية.

يذهب محفوظ بعيدا إلى حدّ اعتبار تجاوز إمكانات التعبير الجمالي عن قضايا الجنس بالتعبير السطحي الصريح، يحيل إلى نقصان في موهبة الكتابة، وفي التملك المقبول لآليات الكتابة الروائية؛ إذ غالبا ما يعمل هذا الشكل من التوظيف على تعويض الخصاص الفكري والجمالي، حيث، عوض أن تكون مقاطع التشخيص الجنسي مؤشرات ضرورية لبلورة دلالة عميقة عامة، أو لتدعيم مسار سردي، جماليا ودلاليا، تصير موضوعا للرواية.

في الأخير، يخبرنا الناقدُ أنه، حين تكون اللقطات الجنسية موضوعا، فمعناه أن النص بدون عمق معرفي أو جمالي. إن سيناريو اللقاء بين الشريكين وما يترتب عنه، إذا أمكن حذفه وتعويضه بجملة دالّة عليه مثل جملة: “دخلا إلى الغرفة وظلا هناك لفترة من الزمن”… ولم تتأثر الحكاية أو الدلالة، فهو حشو وإثارة وحسب، لا تتجاوز غاية تجسيدِهِ التشخيصَ ذاتَهُ، لأنه ليس سوى توصيفٍ فاقدٍ لميزة التفرد.

في الجزء الثالث والأخير، نجري مقارنة بين المشرق والمغرب بين التطرّق لتيمة الجنس في التجربة الروائية المعاصرة، والدوافع النفسية والثقافية لذلك…

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *