المؤلفات المدرسية… بين رهان التنمية الفكرية بالمغرب وتهمة أنها “نافلة بيداغوجية”! 2/3 - Marayana - مرايانا
×
×

المؤلفات المدرسية… بين رهان التنمية الفكرية بالمغرب وتهمة أنها “نافلة بيداغوجية”! 2/3

هناك اختلالات كثيرة بعضُها يرتَبط بنوعِية المُؤلفات المقررة، والتي لا تلائم ميولات المتعلمين، وبعضها يتصل بالمقاربات المنهجية المعتمدة في التدريس، وبعضها الآخر يقترن بمؤهلات المدرِّسين ومواكبتهم لجديد الأبحاث الأدبية النقدية والدراسات السردية…

قد يسعدُ أولئكَ “المحافظون” الذين يحَاكمون الفنّ أخلاَقياً، والذين اشتكوا من اعتماد رواية “محاولة عيش” لمحمد زفزاف، بذريعة أنها تتضمن موضوعات تتنافى وتيمة الأخلاق” والحياء العام”، عِندَما يعلمونَ أنّ معظم التلاميذ لا يقرؤون أصلاً المُؤلّفات. سيسعَدُون كثيراً، فعلاً! لكن، سيحزنُ المهتمون ورجال التعليم والفكر والسياسة لأن المؤلفات عملياً… لا تؤدي وظِيفتها.

في هذا الجزء الثاني، نسائل الدّور الوظِيفي للمؤلفات ونتساءلُ هل هي مجرد نافلة بيداغوجية؟ ونقتفي بعض ملامح الإجابة من طرف مختصين.

المؤلفات المدرسية… نافِلة بِيداغُوجيّة؟

بعدَ النصف الثاني من العقد الأول من الألفية الثالثة، انتقل النّظام المغربي إلى اعتماد الكتب المدرسية المتعددة. بالموازاة مع ذلك، تقرر اعتماد مؤلفات متعددة في المستويات المختلفة.

المباءة لعز الدين التازي، عين الفرس للميلودي شغموم، الحي اللاتيني لسهيل ادريس، أبوحيان التوحيدي لكاتبه الطيب الصديقي، ابن الرومي في مدن الصفيح لعبد الكريم برشيد، سهرة مع أبي خليل القباني لسعد الله ونوس… هذه المؤلفات تم اعتمادها للجذع المشترك آداب وعلوم إنسانية.

العديد من التّلاميذ ينظُرُون للمؤلّفات على أنها عقابٌ لهم وعبئٌ مدرسيّ، لذلكَ يعمد أغلبهم، حسب مختصين، إلى مشاهدة “اللص والكلاب” على اليوتوب، بدل قراءتها، فقط لأنهم سيمتَحَنُون فِيها بالبَاكَالُوريا.

أمّا بالنسبة للسنة الأولى باكالوريا آداب وعلوم إنسانية، فقد اعتمدت قراءة ثانية لشعرنا القديم لمصطفى ناصف، الأدب والغرابة لعبد الفتاح كيلطو، الشعرية العربية لأدونيس، أديب لطه حسين، في الطفولة لعبد المجيد بنجلون، الرحلة الأصعب لفدوى طوقان… كما تم إقرار مؤلفين موحدين للسنة الثانية باكالوريا كظاهرة الشعر الحديث لأحمد المجاطي واللص والكلاب لنجيب محفوظ

العديد من التّلاميذ ينظُرُون للمؤلّفات على أنها عقابٌ لهم وعبئٌ مدرسيّ، لذلكَ يعمد أغلبهم، حسب مختصين، إلى مشاهدة “اللص والكلاب” على اليوتوب، بدل قراءتها، فقط لأنهم سيمتَحَنُون فِيها بالبَاكَالُوريا…

الأستاذ المبرّز في اللغة العربية، عبد الرحيم بريمي، وباعتباره خبيراً في تدريس اللغة العربية، ينفي أن تكون المؤلفات ودرسها وتحليلها والتعامل معها نافلة معرفية أو ترفا فكرياً؛ خاصة أن هذا الجيل من التلاميذ، حَسبهُ، لا يبادرون إذا لم يوضعوا في سياق مؤطّر بأسئلة وإشكاليات وتوجيه وإلزام.

لكنّ الروائي عبد المجيد سباطة، يقولُ في تصريح لمرايانا” إنّهُ ليس من السهل اعتبار المؤلفات الأدبية، خاصة منها الكلاسيكية، نافلة. إلا أنه ينبغي، بالضرورة، التأكيد على حتميّة إعادة النظر في الروايات والأعمال النقدية المفروضة في هذه المناهج.

“النظام التعليمي المغربي دأب على اختيار أعمال مغربية وعربية رائدة في وقت ما. لكن، يبقى السؤال: ما قيمة هذه الأعمال اليوم أمام ما خلفته الثورة الرقمية على هذا الجيل الثائر والراغب في التحرر من كل ما هو قديم؟”

سباطة ينحاز إلى المجموعة المطالبة بتحديث المؤلفات المعمول بها في النظام التعليمي، التي يعود أغلبها إلى القرن الماضي، وهو ما لا يتلاءم مع تطلعات الجيل الحالي. شباب اليوم قد يختارُ عملاً مقترحاً على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يطالعُ الروايات المدرسية.

المشكل أنّ هذه المؤلفات ذات الغرض البيداغوجي، قد تكون عصيةً على الفهم، مقارنة بالأعمال الحديثة التي تواكب صيرورة المجتمع وتطور الأدب في العالم؛ بما يتطلب، على الأقل، تحضيرا ومواكبة تساهم في تحبيب الأعمال الكلاسيكية للمتلقي، عوض المفعول العكسي المؤدي إلى النفور من الأدب بشكل عام.

النظام التعليمي المغربي، وفق سباطة، دأب على اختيار أعمال مغربية وعربية رائدة في وقت ما. لكن، يبقى السؤال: ما قيمة هذه الأعمال اليوم أمام ما خلفته الثورة الرقمية على هذا الجيل الثائر والراغب في التحرر من كل ما هو قديم؟

يقول عبد المجيد سباطة إنّ بعض الأعمال المفروضة، هي نخبوية فعلاً، وتدفعُ العديد من التلاميذ إلى النفور من الأدب. بيد أنّ هؤلاء التلاميذ يتناقلون في الفضاء الافتراضي، بعض العناوين لأعمال تجارية واستهلاكية سطحية المحتوى، بما يدخلهم بالتالي في دوامة اعتبار تلك الأعمال مرادفا للأدب. وهنا يكمن جوهر المفارقة.

بناءً على ذلك، نجدُ أن الرقمنة نجحت في وقتٍ قصير فيما فشلت فيه المناهج التربوية، فحتى الكتب اليوم هي ذات صيغة رقمية والكثير من الجيل الحالي يستلذّ ويجد ضالته في كتاب رقمي بدل نسخ ورقية.

أينَ الإشكَال إذن؟

أحمد حميد، جامعي باحث فِي الدّرَاسَات العربية، يجيبُ على سؤال “مرايانا” بخصوص سبب تدني القراءة رغم اعتماد هذه المؤلفات منذُ ستينيات القرن الماضي، بأنّهُ لا يمكن لمتعلم ما زال يقترف أخطاء في تهجية الحروف، أن تتولّدَ لديه لذة ومتعة قراءة المؤلف الطويل.

غالبية التلاميذ، بالنسبة لحميد، لا يتجاوزون قراءة الصّفحات الأولى للمؤلفات المقررة بدءاً من السنة الثالثة الإعدادية، وانتهاءً بأقسام البكالوريا، والسبب يكمن في قُصور جهاز الفهم لديهم، وعدم تملُّكهم لتِقنيات التّحليل والتفسير والتأويل، ولمهارات النقد والمقارنة والحُكم.

يبدو، إذن، أنّ هناك اختلالات أخرى، حسب أحمد حميد، بعضُها يرتَبط بنوعِية المُؤلفات المقررة، والتي لا تلائم ميولات المتعلمين، وبعضها يتصل بالمقاربات المنهجية المعتمدة في التدريس، وبعضها الآخر يقترن بمؤهلات المدرِّسين ومواكبتهم لجديد الأبحاث الأدبية النقدية والدراسات السردية.

المطلوب إذن،  كما يرى أحمد حميد، هو إصلاح أعطاب القراءة في الجذور، أي في مرحلة المنبت، مرحلة الابتدائي؛ لأن البذور التي أتت عليها الأرضية لن تسمق ولن تثمر ولن تؤتي أكلاً مهما تعهدناها بالرعاية والسقي. كما يلزم انتقاء نصوص قرائية قصيرة وطويلة ملائمة لقضايا العصر ومستجداته، ومسايرة لميول المتعلمين وانشغالاتهم، من قبيل روايات الخيال العلمي مثلا، والتي تحفز على الإبداع والابتكار.

نستشفّ هنا أن العطب بنيوي يحتّمُ علينا مساءلة دور المدرسة في شموليتها في تراجع القراءة بالمغرب، وهذا ما سنراهُ في الجزء الثالث والأخير…

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *