عبد الله كنون… العلامة الذي أعاد الاعتبار للفكر والأدب المغربي - Marayana - مرايانا
×
×

عبد الله كنون… العلامة الذي أعاد الاعتبار للفكر والأدب المغربي

في هذا البورتريه، نتابع بعضا من سيرة حياة علامة المغرب، عبد الله كنون.

اسم “كُنون” ليس بغريب عن أسماعنا في المغرب، هذه العائلة الفاسية العريقة وهب الكثير من أفرادها حياتهم للعلم والمعرفة… عبد الله كنون واحد من بينهم. يوما بعد يوم، سنة بعد سنة، وإلى نهاية حياته، ألف ما يناهز المائة كتاب، غايته في ذلك، إعادة الألق للأدب والفكر والتاريخ المغربي، بعدما ذاع الانتقاص منه في المغرب مقارنة مع المشرق.

في هذا البورتريه، بعض من سيرة حياة علامة المغرب، عبد الله كنون!

ولد عبد الله كُنون في الـ16 من شتنبر 1908، بمدينة فاس لعائلة عريقة اسمها كنون، وفي بيت علم، اشتهر آله بتفقههم في مجالات الأدب والسياسة والدين، وليس ذلك بغريب عن عائلة تسكن هذه المدينة، عاصمة المغرب العلمية، وموطن أقدم جامعة في العالم، جامعة القرويين.

بفضل الحرب العالمية الأولى، ظل كنون بالمغرب بعدما كانت عائلته قد قررت إلى الشام، فاستقر بطنجة وأخذ يتعلم حتى صار مع دخوله عقده الرابع، اسما أشهر من نار على علم.

صادف مولد عبد الله إرهاصات استعمارية ستنتهي بتوقيع معاهدة الحماية عام 1912. معاهدة كلفت المدينة، كما المغرب بشتى أرجائه، جوا مريبا، العيش فيه خانق. نتيجة لذلك، ستقرر عائلة كنون شد الرحال إلى بلاد الشام.

للمضي في ذلك، سافرت العائلة إلى مدينة طنجة عام 1914، بغية الهجرة إلى الشام عبر البحر الأبيض المتوسط. لكن القدر كان له رأي آخر، ففي ذات العام، ستندلع الحرب العالمية الأولى.

تمهلت العائلة في سفرها، وظلت بطنجة إلى حين، لكن الحرب طالت… تمتد الحرب زمنيا وتستطيب العائلة مقامها في المدينة، حتى قررت أن تبقى فيها كمستقر نهائي. وقد كان عبد الله كنون قد أطفأ شمعته السادسة، وصار في سن التعلم، فأخذ ينهل العلم عن والده، عبد الصمد كنون.

يَحكي عبد الله كُنون عن هذه الفترة في مذكراته فيقول:

“كانت سني ست سنوات حين انتقلت مع والدي رحمه الله إلى طنجة؛ وكان ينوي هو وعمي العلامة المرحوم محمد الهجرة إلى الشام، ولكن إعلان الحرب العظمى الأولى حال دون ذلك. وقد نشأت بطنجة حيث حفظت القرآن الكريم، وزاولت قراءة العلم على مشايخ عدة، وأكثرهم والدي الشيخ عبد الصمد. وكان مجال دراستي ينحصر في علوم العربية والفقه والحديث والتفسير، وأما الأدب فقد تعاطيته هواية”.

يوما بعد يوم، سنة بعد سنة، يتمكن عبد الله كنون من الأحاديث النبوية والمتون القديمة والدروس النحوية، إلى أن أصبح ضليعا في اللغة، عالما في الشريعة. وما أن ابتدأ العقد الثالث من عمره، حتى غدا اسمه أشهر من نار على علم.

بفضل كتاباته في الصحف الوطنية والعربية، بإسهامه في النقاش الفكري والثقافي الذي يتناول قضايا المجتمع، وبفضل غزير علمه ووافر معرفته في الأدب والتاريخ، وإجادته للغتين الفرنسية والإسبانية، حظي اسم عبد الله كنون بانتشار واسع في المغرب كما في المشرق.

اقرأ أيضا: “خناثة بنونة وآمنة اللوه: هؤلاء 6 نساء بصمن تاريخ الكتابة الأدبية في المغرب 1\3”

قامة علمية قل نظيرها

منذ سن العشرين، بدأ عبد الله كنون يمارس مهنة التدريس، إيمانا منه بأن الاستعمار تقتضي مقاومته تكوين جيل متعلم، واع بحقوقه، ويدافع عن وطنه. هكذا، سنة 1936 سيذهب إلى أبعد من ذلك، بتأسيس مدرسة خاصة حملت اسمه. لم يواجه كنون في ذلك كثير صعوبات، ذلك أن طنجة كانت خاضعة لإدارة دولية وقتذاك.

كتاب عبد الله كنون، “النبوغ المغربي في الأدب العربي”، يعد أبرز ما ألفه، وفيه جاءت الفكرة الأساسية لمشروعه الفكري الذي وهب له حياته، أي إعادة الألق للفكر والأدب المغربي.

إلى جانب ذلك، وطيلة سنوات عمره المديدة، شغل كُنون مناصب عدة، فكان مديرا للمعهد الخليفي، ثم أستاذا بالمعهد الديني العالي بتطوان وعمل على إنشاء المعهد الديني بطنجة الذي كان مديرا له، ثم وزيرا للعدل عام 1954 في الحكومة الخليفية، ومحافظا على مدينة طنجة عام 1957، وعضوا في المجلس الأعلى للتعليم الإسلامي بالرباط وتطوان، ومديرا لمعهد مولاي الحسن للأبحاث، وعضوا في لجنة الأبحاث العلمية المشتركة بالرباط.

بجانب ذلك أيضا، أصدر عبد الله كنون مجلة دينية شهرية تحمل اسم “لسان الدين”،  وأسهم في تأسيس وإدارة عدد من الصحف الأخرى، كعمله مديرا لجريدة “الميثاق”، ومساهمته في تحرير مجلة “الإحياء”.

طيلة حياته، وهب كُنون جل وقته للتأليف، حتى جاوزت مؤلفاته المائة حسب بعض الباحثين، فكتب في مجالات عدة، تنوعت بين الفكر والأدب والثقافة والسياسة، رام من خلالها أساسا الدفاع عن الإسلام من جهة، وإبراز الأدب والفكر الذي عرفه المغرب من جهة أخرى.

“إسلام رائد”، “مفاهيم إسلامية”، “على درب الإسلام”، شرح مقصورة المكودي”، “ذكريات مشاهير رجال المغرب”، “أمراؤنا الشعراء”، “واحة الفكر”، “مدخل في تاريخ المغرب”، “أحاديث عن الأدب المغربي الحديث”، “رسائل سعدية”، “مناهل في أخبار الملوك الشرفا”، “النبوغ المغربي في الأدب العربي”، كل هذه المؤلفات غيض من فيض كثير، أسهم به عبد الله كنون في إغناء الخزانة المغربية.

بفضل إسهاماته الفكرية والثقافية، حظي كُنون بعضوية هيئات عربية وإسلامية عديدة، منها مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ورابطة علماء المغرب، وهيأة القدس العلمية، ومجمع اللغة الأردني، والمجمع العلمي بدمشق، والمجمع العلمي العراقي.

اقرأ أيضا: “حوار الحضارات من خلال أدب الرحلات 1\2”

النبوغ المغربي

يظل كتاب “النبوغ المغربي في الأدب العربي”، أبرز ما ألفه عبد الله كنون. كما يمكن القول إن ما جاء فيه، يعد الفكرة الأساسية لمشروعه الفكري الذي وهب له حياته، أي إعادة الألق للفكر والأدب المغربي.

جاء في مقدمة الكتاب: “كثر عتب الأدباء في المغرب على إخوانهم في المشرق لتجاهلهم إياهم، وإنكار كثير منهم لكثير من مزاياهم. ولكن أعظم اللوم مردود على أولئك. ضيعوا أنفسهم وأهملوا ماضيهم وحاضرهم حتى أوقعوا الغير في الجهل بهم والتقول عليهم”.

“يكفى عبد الله كنون فخرا، لو أنه لم يكتب سوى النبوغ المغربي”، هذا ما يقر به المهتمون بسيرة حياته، وليس بخفي على أحد، أنه منذ زمن طويل، تعرف العلاقة بين المغرب والمشرق نوعا من الغموض، وكثيرا  من النفور؛ فكل يهيم في واد، لا يعرف عن الآخر إلا النزر اليسير.

قبيل وفاته، أهدى مكتبته إلى طنجة التي عهد فيها إلى لجنة بتأسيس مكتبة عمومية بالمدينة تحمل اسمه وتضم كتبه إلى اليوم.

حاول عبد الله كنون في كتابه، الرد على التنقيص الذي يقول المغاربة إن المشارقة يواجهونهم به، ومرة أخرى نقرأ في مقدمته: “لما بحثت ونقبت، وجدت كنوزا عظيمة من أدب لا يقصر في مادته عن أدب أي قطر من الأقطار العربية الأخرى، ووجدت شخصيات علمية وأدبية لها في مجال الإنتاج والتفكير مقام رفيع، ولكن الإهمال قد عفا على ذلك كله…، فاحتاج إلى من يبعثه”.

هكذا، تضمن الكتاب كل ما تعلق بالعلم والأدب والتاريخ المغربي، في قالب أدبي متين. تلقى عبد الله كنون على إثر صدوره دكتوراه فخرية من جامعة مدريد عام 1939، بينما واجهه المستعمر الفرنسي بالمنع، إذ كان يحاول طمس الذاكرة المغربية، حسب بعض الباحثين.

من جهة أخرى، حظي الكتاب باستقبال طيب في المشرق، حتى أن أمير البيان شكيب أرسلان، نشر تقييما للكتاب في جريدة “الوحدة المغربية” التي كانت تصدر بتطوان حينذاك، وقال إن المؤلِّف جمع في كتابه بين كل من العلم والأدب والسياسية، كما ثمن براعة عبد الله كنون في تصوير الحياة الفكرية المغربية.

لم يكن عبد الله كنون ليسمح بضياع حياته، فحياته كانت الكتب. هكذا، وقبل خمس سنوات من رحيله، إذ بدأ يرهق المرض جسده، قرر إهداء مكتبته إلى مدينة طنجة، فأسست لجنة عهد إليها بتأسيس مكتبة عمومية لا زالت تحمل اسمه إلى اليوم؛ وذلك ما كان، قبل أن يفارق علامة المغرب الحياةَ، يوم 9 يوليوز 1989 بذات المدينة، مسطرا بذلك نهاية رجل أعطى للمغرب الكثير.

اقرأ أيضا: “منع الكتب: سلاح الاستبداد في محاربة التحرر”

 

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *