نوال السعداوي… حين تجاذبتِ الأضداد!
عاشت نوال السعداوي حياة تتباينُ بين العرفان وتبوئ المناصب المرموقة أكاديميا، سواء داخل مصر أو خارجها.
… والمحطّات السجنيّة العديدة بعدما واجهتْ ويلاتِ السّلطة والإسلاميين.
واجهتْ تُهمة “ازدراء الأديان”، والدعوة إلى انحلال المُجتمع، وكان اسمها في طليعة “قائمة الموت” عند الجماعات الإسلامية، كما رُفعت ضدها دعاوى لإسقاط الجنسية.
مُثيرة للجدل بشتى معانيه. مجرّد ذكر اسمها يقسم الناس. فهذه المرأة جمعت من التناقضات… ما يُعجز المرء عن الفهم!
حين تُطلّ نوال السعداوي في ندوة أو مداخلة تلفزيونية، تُنافح عن حقوق النساء بجسارة وجرأة قلّ نظيرها في الطرح، تثير حنق حرّاس المعبد…
يقولون: “ليت هذه العجوز تغطّي شعرها الأبيض وتخرس، علّها في آخر العُمر تُنقذ آخرتها!”.
حين تُطلّ… يُصفّق دُعاة التنوير وتَحرّرِ النساء من أغلال الرجال. يقولون: “تُصيب خفافيش الظلام في مقتل”.
… بل إنّها جرّيئة إلى الحدّ الذي يثير حفيظة المُحافظين؛ أولئك الذين يمسكون العصا من الوسط واختاروا لحياتهم القليل من كلّ شيء.
إلى هنا، لا يزال الجدل في حيّز الفهم، ففي هذه الأمّة التي “ضحكت من جهلها الأمم”، لا منطقة وُسطى، بَين بَين، تخضع لسلطة النقاش.
في أمّة الخنادق هذه، إمّا أن تكون كذا أو كذا؛ يُدافع عنك هؤلاء ولو قُيّض للآخرين… لرجموك!
مُثيرة للجدل بشتى معانيه. مجرّد ذكر اسمها يقسم الناس. فهذه المرأة جمعت من التناقضات… ما يُعجز المرء عن الفهم!
لكنّ الجدلَ يتمرّد على الحيّز حين تقول نوال السعداوي إنّها من رائدات الدفاع عن حقوق الإنسان… وفي الوقت نفسه، تُدافع عن نظام السيسي!
مُعادلةٌ لا يدري العقل من أين يُمسك بالتلابيب التي قد تؤدي أو لا تؤدي إلى حلّها…
أجل! تُدافع عن السيسي وباستماتة، كما قالت بصراحة في حوار مع BBC عام 2018: “السيسي مش دكتاتور”.
هذه المرّة… ذاق أيضا من كانت تستهويه آراؤها، ما لقيّه الآخرون من صدمات بآرائها.
دافعتْ عن نظام السيسي، وقالت إن ما تنشره وسائل الإعلام الأجنبية عنه مزيّف… كما يفعل هواة نظرية المؤامرة تماماً.
ثمّ حين حاصرتها المُحاوِرة بما ورد في تقارير حقوقية دولية تكشف سوء وضع حرية الرأي والتعبير في البلاد، تهرّبت بالقول: “الإعلام لا ينقل الحقيقة وينقل ما يريد”.
… وانفعلت ثمّ استنكرت: “إنتو جايبيني علشان انتقد السيسي؟”!
أجل! السعداوي التي نذرت أدنى تفاصيل حياة تمتدّ لعشرات السنين من أجل الدفاع عن حقوق النساء، تُدافع عن نظام مُتّهم بعشرات الانتهاكات في حق النساء… وفي حق كل البشر.
حين تُطلّ نوال السعداوي في ندوة أو مداخلة تلفزيونية، تُنافح عن حقوق النساء بجسارة وجرأة قلّ نظيرها في الطرح، تثير حنق حرّاس المعبد…
تدافع… عن نظام قبعت في سجونه حوالي 2500 مُعتقلة سياسية منذ توليه السلطة[1]. عن نظامٍ قتل 133 امرأة لا لشيء سوى لأنّهن شاركن في مظاهرات تُؤيد الرئيس السابق محمد مرسي[2].
… عن نظام لاحق سارة حجازي حدّ أن اغتالها انتحاراً، فقط لأنها رفعت علم المثلية في حفلة موسيقية!
تُدافع عن السيسي الذي انتهك عقيدة حقوق الإنسان كاملةً حين شارك مع ضباط من الجيش، عام 2011، في إجراء كشف للعذرية على معتقلات… “حتى لا يدّعي أحد أنّ الجيش هتك عرضهن”!
أهيّ مجرّد سقطة؟ لا يجد الكثير كيف يُسوّغ للسعداوي الجمع بين نقيضين… الدفاع عن حقوق الإنسان وعن نظام يوصف بالدكتاتوري.
… كيفَ تهدّ تاريخا نضاليا مديد السّنوات بإزميل الدفاع عن السيسي، والقول صراحةً إنّه أفضل رئيس عرفته مصر بعد السّادات… وإنّها تخافُ عليه مِن “النّخبة المُنافقة”!؟
أمّا آخرون، فيُصرّون أنّها سقطةٌ لا تُلغي تاريخ امرأة كانت من السَبّاقات إلى إشهار ورقة التمرّد في وجه المجتمع الذكوري.
وُلدت نوال السعداوي في الـ27 من أكتوبر 1931 بمحافظة القليوبية في مصر. وَرثت عن أبيها حبّ الثورة، بكلّ معاني الثورة، بعدما نشأت تنظر إليه كأحد أبرز مناوئي الاحتلال البريطاني.
نُقطة التحوّل في حياة السعداوي رأت النورَ حين تخرّجت طبيبةً في جامعة القاهرة عام 1955.
السعداوي التي نذرت أدنى تفاصيل حياة تمتدّ لعشرات السنين من أجل الدفاع عن حقوق النساء، تُدافع عن نظام مُتّهم بعشرات الانتهاكات في حق النساء… وفي حق كل البشر
عندما شرعت تعملُ، أخذتْ تَلحَظ أن كلّ ما تُعانيه النساء من مرضاها، مِنْ أعطاب نفسية وجسدية، إنّما هي مُجرّد انعكاس للقمع الذي تلقاه من المجتمع والأسرة.
تُحبّ السعداوي الكتابة بشكل عام؛ في رصيدها عشرات المؤلّفات، غير أن أوّل ما أثارت به الجدل، وكان أيضا أوّل أعمالها غير القصَصَيّة، كتابُ “المرأة والجنس” الذي نشرته عام 1972.
جهرت بالعصيان بين طيّاته، وتحدّت “مقصلة القبيلة” بجلد كل أنواع العنف التي تطال المرأة في المجتمع المصري، من ختانٍ وطقوس تأكد من العذرية، وغيره.
كان هذا النص، بشكل ما، مؤسّسا للموجة النسوية الثانية في المنطقة سبعينيات القرن الماضي.
كذلك كانت السعداوي وظلّت إلى اليوم: “لا يوجد عدل في الميراث، ولا توجد قوانين دينية ثابتة… الدين إيديولوجية سياسية تقف أمام تحرّر الإنسان وتمنعه من الإبداع”. بعضٌ من مواقفها التي توقد فتيل الجدل كل مرّة أكثر.
عاشتْ السّعداوي حياةً تتباينُ بين العرفان وتبوئ المناصب المرموقة أكاديميا، سواء داخل مصر أو خارجها.
… والمحطّات السجنيّة العديدة بعدما واجهتْ ويلاتِ السّلطة والإسلاميين.
واجهتْ تُهمة “ازدراء الأديان”، والدعوة إلى انحلال المُجتمع، وكان اسمها في طليعة “قائمة الموت” عند الجماعات الإسلامية، كما رُفعت ضدّها دعاوى لإسقاط الجنسية.
تلكَ حياةُ المناضل في النهاية. تقول:
“لقد أصبح الخطر جزءاً من حياتي منذ أن رفعتُ القلم وكتبتُ. لا يوجد ما هو أخطر من الحقيقة في عالم مملوء بالكذب”.
وكانت حقيقةُ السعداوي، فعلاً، خطِرةً على قلوبِ من شاهدوها على الهواء… تُدافع عن نظام السّيسي!
يوم الأحد 21 مارس، غادرت الروح الجسد… ليبقى نضال نوال السعداوي من أجل المساواة وحقوق النساء ومحاربة العقلية الذكورية… حيا يخلد اسمها في التاريخ!
مقالات قد تهمك:
- مي زيادة… تلك المرأةُ التي تُشبه رواية
- زَها حديد… ملكةُ المنعطفات
- هدى شعراوي… هذه حكاية “رائدة” حركة تحرير النساء في مصر
- زينب الغزالي: من مدافعة عن حقوق المرأة إلى… جارية 1\3
- فاطمة المرنيسي… أجنحة “واقع المرأة” الذي حلقت به إلى الحلم! 2/1
- ختان الإناث: …وهل للبشاعة محلّ من الصحة! 3/3
- ختان الذكور: هل من دواعٍ صحية مُستعجلة، أم نترك للطفل حقّه في الاختيار إلى أن يكبر؟ 3/2
[1] التقرير السنوي (2017) للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات.
[2] المصدر نفسه.
اتمنا محصث علي اسلوب
نعم عانة وهي تواجه كل هذه الأزمات
لكل شخص حرية التعبير عن رايه الخاص
so interistin
g
jamil
wooooooow