أحمد المهداوي يكتب: سارة حجازي… اغتيال في منتصف الطريق نحو الحب - Marayana - مرايانا
×
×

أحمد المهداوي يكتب: سارة حجازي… اغتيال في منتصف الطريق نحو الحب

سارة لم تنتحر…
سارة… قامت أيادي المجتمع بثقافته (الذكورية)، وعقليته السلطوية، بخنقها بدمٍ بارد، في منتصف الطريق في رحلة “الجهاد من أجل الحب”…
سارة غابت، ربما… لكنها ستحيا كـ”حلم” ينضح بالحياة، بالحرية، كـ”قضية” تحرض الرأي العام على الانحياز للعدالة، والمساواة، وحق الجميع في حياة كريمة.

أحمد المهداوي، باحث في مجال الدراسات الإسلامية

–          “لكلِّ إنسان – سواءٌ أدرك ذلك أو لم يدركه- من اسمه نصيب”، قديماً قالت العرب بهذه القولة، للتعبير عن أثر الاسم في نفسية حامله، وعلى الرغم من عدم اختيار الإنسان لاسمه بادئ الأمر، خلال الخمس دقائق الأولى من الحرية، مع مستهل صرخته التي تعلن عن استقباله للوجود، إلا أنه يتعايش مع اسمه بعد ذلك، متأثراً به، سواء عن وعي أو غير وعي.

ولا غرو في كون سارة حجازي أيضاً… مسَّها من اسمها شيء؛ فليست بمعزل عن جدلية التأثير والتأثر، سواءٌ على المستوى الشخصي/الفردي، أو الغيري/الجمعي.

ولعل (سارة) كاسم علم مؤنث آرامي، يحمل في طياته دلالات ذات أثر في نفسية حاملته، فالاسم يحيل على معانٍ إيجابية، دالة على كون من تحمله يشار إليها بوصفها: الأميرة، والسيدة النبيلة، كما في المعنى العبري للاسم؛ ومن هذا المنطلق تتماهى سارة حجازي -سواء عن وعي أو غير وعي- مع الاسم الذي تحمله، ولا أدل على ذلك من قسمات الوجه الذي، على الرغم من أثر الحزن الدفين، تعتليه ابتسامة تمحو غبار الحنين العالق في عيني سارة؛ التي اختارت إلا أن تكون اسماً على مسمى، أميرة في اختياراتها، توجهاتها، وأفكارها، والسيدة النبيلة بالشمائل والخصائل التي تتميز بها… بشهادة أصدقائها وصديقاتها.

لست هنا بصدد الحديث عن معاني الأسماء، ولا الدخول في متاهات الدلالات، والآثار النفسية التي تحيل عليها، لكن، كان من الضروري أن ألفت الانتباه إلى العلاقة القائمة بين الاسم وحاملته، حتى يتسنى الحديث عن الأخيرة في ضوء مكنون الاسم، وجوهره.

في الحقيقة… أخمن بأن الناشطة المصرية سارة حجازي، قد كانت في رحلة “جهاد من أجل الحب” (*) -إن جاز التعبير- تبحث في حقيقة الأمر، عن التعايش بين الإسلام كموروث، بما يحمله في طياته من تفسيرات تقليدانية، والمثلية الجنسية كثقافة وميول، حيث عاشت، كما هو الشأن مع مجتمع الميم، صراعاً داخلياً؛ بين الرغبة المثلية من جهة، والمعتقدات الدينية والسلطة السياسية من جهة، والأبوة المجتمعية من ناحية أخرى.

ربما بحثت عن ضالتها في (الأدب المثلي)، بوصفه مصدرا للتصديق والتفاهم وتجميل الانجذاب من نفس الجنس، وفي ذات الوقت، يشكِّل محاولة لتوثيق الضغوط النفسية والاغتراب الذي يعاني منه مجتمع مثليي الجنس كأفراد يواجهون تحديات مثل: التَّحامل، التنمر، العنف أحياناً، والاضطهاد أخرى، إضافة إلى التعرض للإدانة الدينية.

هذه الأخيرة تستخدم من لدن المجتمع، كذريعة للانقضاض على مجتمع الميم، بتهمة تعاطي “الخطيئة السدومية” (**)؛ كتعبير عن معارضة المثلية. وليست هذه التهمة، التي تحاول إدانة مثليي الجنس بجديدة؛ إذ أنها ظلت تلاحق هؤلاء الأفراد، بصفة أشبه ما تكون بالمتكررة، محاولة تكريس الاضطهاد ضد مثليي الجنس في العديد من ثقافات العالم عبر التاريخ.

لكن، وإضافة إلى كون المجتمع جرَّ سارة إلى ساحة الإدانة الدينية بسبب المثلية، فهي لم تسلم أيضاً من السلطة السياسية – كمضطهد آخر- بسبب أيديولوجية سارة اليسارية؛ مما تسبب في تصنيف الناشطة المصرية على الجانب “الشاذ” أي: “الخطأ” بحسب النظام، ولم يقف الأمر عند هذا الحد وحسب، بل قام رجال الدين بدورهم، بتعليق المشانق لسارة، بدعوى “الفكر الإلحادي” الذي تحمله؛ والذي يؤرق المؤسسة الدينية، ناهيك عن “الجريمة الكبرى”… المتمثلة في كون سارة حجازي “امرأة حرة في زمن لا يريدون فيه إلا الجواري والعبيد، ولدت بعقل يفكر في زمن يحاولون فيه إلغاء العقل” (1).

… ليست صدفة أن (العقلية الذكورية) الحاكمة؛ والتي تطبق الاستبداد (السياسي والديني) داخل البقعة الجغرافية التي تنتمي إليها سارة، تعادي النساء، فما بالك إن كنَّ يساريات، ومثليات، خارجات عن “معايير الطبيعي”… المتجلية حسب العقلية المذكورة في [الذكورية، الدين، مغاير الجنس، مؤيد النظام].

ولا يمكن في هذا الصدد إلا… استحضار المفكر فؤاد زكريا، بوصفه للتسلط الديني والحكومي/العسكري، بكونه وجهان لعملة واحدة؛ إذ أن التسلط، السمة الغالبة في ظل المنظومة (الأبوية) كمنظومة فكرية، معمول بها في دول الشرق، وهي المنظومة التي تتيح للعقلية الذكورية تأبيد سطوتها، وفرض سيطرتها على مر الزمان، وجر المكان.

فالذكورية (الإيمان بتفوق أصيل لنوع/جنس ما على كل ما عداه، ومن تم حقه في السيادة)، والغيرية الجنسية (الإيمان بتفوق شكل/نمط واحد للحب، ومن تم حقه في أن يسود)، لكليهما نفس جذور العنصرية (الإيمان بالتفوق، والحق في السيادة)، ثم التدين الجمعي/الطائفي (الإيمان بالتفوق والمباركة الإلهية لأتباع طائفة/دين دون غيره، ومن تم الترويج لفكرة حق الجماعة أو الدين في السيادة).

نالت سارة نصيبها كاملا من الاضطهاد الذكوري؛ سواء من طرف العقلية المهيمنة على المجتمع، أو من قِبل السلطة السياسية، أو حتى المؤسسة الدينية؛ حيث إن سارة حجازي عقدت حولها إجماعاً من لدن هذه التصنيفات المذكورة؛ إذ أنها قوضت فكرة “الأفضلية”، وأرقت عقلية “السيد” مما تسبب في زعزعة إيمانه بـ”تفوقه”؛ ونتيجة لذلك… قام بمحاولة حجب سارة المرأة، والتواطؤ لأجل كتم صوت سارة المناضلة السياسية الكويرية.

سارة لم تنتحر…

سارة… قامت أيادي المجتمع بثقافته (الذكورية)، وعقليته السلطوية، بخنقها بدمٍ بارد، في منتصف الطريق في رحلة “الجهاد من أجل الحب”…

سارة ماتت نعم… لكن ستظل “ذكرى” موشومة على ذراع الزمن العبثي.

سارة أُقبرت… لكن ستبقى “الصوت” المدافع عن العدالة الاجتماعية، القائل: -لا- في وجه من قالوا: -نعم-، ضد التعذيب الممنهج، وظلت “صرخة جائعة” تنادي بحقوق المعوزين.

سارة غابت، ربما… لكنها ستحيا كـ”حلم” ينضح بالحياة، بالحرية، كـ”قضية” تحرض الرأي العام على الانحياز للعدالة، والمساواة، وحق الجميع في حياة كريمة.

وعلى غير العادة

-إهداء لروح سارة- أختتم المقال بقصيدة تحت عنوان: “أنثى نعم…”

 

تمشي على شوك الزَّمان وحدها باكيَّةً تشكو لمن يسكنُ الأعالي: أبانا الَّذي في السَّموات

لمن تركتني هُنا في الفلوات

أُنثى أنا… هكذا أسميتني، والاسمُ مُحتلٌّ في كلِّ الدِّيانات

أنا قسيمُ الرِّجس ساعة المحيض،

والملعونةُ

إذا تعطَّرتُ، إذا ابتسمتُ، حتَّى إذا عن رأيِ أفصحتُ، أنا الوحيدةُ الغريبةُ الصِّفات

للذَّكر السَّعيد كلُّ ما يُرى من جسدي، لهُ الملائكةُ اللَّيليةُ

خادمةٌ تباتُ تلعنني حتَّى الصَّباحْ،

تلعنُني كلَّما تكاسلتُ عن أداء تمارين النِّكاحْ

هكذا أنا أُنثى مهيضةُ الجناحْ

مشوَّهةُ التَّركيب في حضرة الكامل الأوصاف، والصِّفات

هكذا قيل أنَّك قد وصفتني في الدِّيانات

أهكذا حقًّا أبانا قد وصفتني من قبلُ في السَّماوات ؟!

إن كنت قد فعلت، فقد ظلمتني ولذنبي احتملت، وإنِّي بذكوريتك الآن قد كفرت…

 

أنثى أنا… أنثى نعمْ،

لستُ منقوصة عقلٍ أو أقلَّ شأنا من الذَّكر

حملتُ في أحشائي الكون، والأنمْ، وسيَّرتُ الوجود بالقلمْ

اللَّيلُ ملك يميني، والصَّباحْ

كلُّ ما في الوجود لي مُباحْ

لي أن أفكِّر، أبدع، لي أن أنقش اسمي على السَّماء في البراحْ

لي أن أكون كما لا يُراد لي أن أكونْ

لي أن أحلُم بالحياة أنثى تمارسُ حقَّها في أن تكونْ

في خلدها، وللوجود تعلنُ غير خجلانة:

أنثى أنا… أنثى نعمْ،

لستُ منقوصة عقلٍ، أو أقلَّ شأنا من الذَّكر

حملتُ في أحشائي الكون، والأنمْ، وسيَّرتُ الوجود بالقلمْ (2)

 

_____________

 

(*) جهاد من أجل الحب (بالإنجليزية: A Jihad for Love)‏  مقتبس عن عنوان لفيلم وثائقي إنتاج عام 2007 يتكلم عن التعايش بين الإسلام والمثلية الجنسية، ويعرض الصراع الداخلي للمثلي جنسياً، بين الرغبة المثلية والمعتقدات الدينية الإسلامية التي ترفض ذلك، وتم تصويره في بلدان عديدة داخل العالم الإسلامي وخارجه.

(**) السدومية: نسبة إلى سدوم وعمورة الواردة في سفر التكوين، وتعني: ممارسة الجنس الشرجي أو الفموي عامة، وتعني أيضاً ممارسة جنسية بغير غرض التكاثر.

 

(1)   دة. نوال السعداوي، مذكراتي في سجن النساء.

(2)   أحمد المهداوي، قصيدة “أنثى نعم…”

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *